وسّع من مساحة حرية التعبير وضاعف فرص الحوار والنقاش المفتوح وهو ما مكّن جمهور الشباب، وخاصة في لبنان، من الانخراط في العمل العام و قد ظهرت صفحات ومواقع إلكترونية عديدة على شكل جماعات افتراضية

 

هل تمكّن فعلاً مؤتمر "مستقبل الصحافة الالكترونية في لبنان" من وضع لبنة أولية في بلورة أفق هذه الصحافة التي غزت العالم بقوة استثنائية؟!.. يبدو من مجمل المحاضرات التي ألقيت في المؤتمر، الذي عقده "موقع المنار" يوم أمس في فندق روتانا، أنها حاولت قدر الإمكان القيام بهذه المهمة، ولكن تبيّن بالفعل أن المهمة أصعب مما كنا نتصور، وذلك لأن ماهية هذه الصحافة ودورها في صنع الرأي العام، وكل الإشكاليات الثقافية والاجتماعية والسياسية المتعلقة بها، تحتاج إلى إعداد جملة قوانين أساسية وضرورية تنظّم حركة هذه الصحافة وأداءها وتضبط عملية تأثيرها السلبي، خصوصا فيما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي.

الجلسة الأولى : واقع الصحافة الالكترونية (الماهية والدور)
فقد ركزت محاضرات الجلسة الأولى على أهمية الصحافة الالكترونية، وكيف يتم الاستفادة منها في صنع الرأي العام. الأستاذة ميرنا قرعوني، تحدثت عن "واقع الإعلام الجديد والصحافة الالكترونية"، وما أكدته أن واقع الإعلام الجديد يغلي بالتغييرات في ظل ثورة التكنولوجيا الرقمية والمنافسة العالمية المحتدمة بين الشركات المصنعة للبرمجيات الإلكترونية ولأجهزة الهاتف الذكية وللألواح الإلكترونية الغنية بالتطبيقات والبرامج .وإن جانبا رئيسيا من هذا التحول الذي يعيشه العالم هو لعبة سوق واستهلاك.

وفي التعرض للطابع التفاعلي للإعلام الإلكتروني، أوضحت قرعوني أنه "وسّع من مساحة حرية التعبير وضاعف فرص الحوار والنقاش المفتوح وهو ما مكّن جمهور الشباب، وخاصة في لبنان، من الانخراط في العمل العام و قد ظهرت صفحات ومواقع إلكترونية عديدة على شكل جماعات افتراضية تناضل من اجل قضايا اجتماعية كقضية المرأة ومقاومة العنف والتمييز في المجتمع. وختمت الأستاذة قرعوني بالتاكيد على أنه علينا الاستعداد في السنوات القادمة للمزيد من التطور التقني الثوري بحيث يصعب معها التمييز بين إذاعة وتلفزيون وصحيفة وموقع إلكتروني وهاتف محمول أو صفحة تواصل اجتماعي وحيث سيضيق الهامش كثيرا في الوظيفة والدور بين الصحافي المحترف والمشاهد والقارئ والمستمع.

"الصحافة الالكترونية كأسلوب من الأساليب الديبلوماسية بين الدول كونها لغة عالمية أو أسلوب من أساليب الحرب"، هذا عنوان محاضرة الدكتور عماد رزق، الذي فصّل بشكل مطول حول هذا الدور للصحافة الالكترونية وبيّن كيف يقوم سياسيو العالم وديبلوماسيه باستغلال المواقع الاجتماعية لتوصيل أفكارهم ولتمرير رسالة للخصم أو العدو أو الحليف. ونبّه رزق إلى الدور الكبير لهذه الصحافة في الانتفاضات أو ما يسمونه الثورات العربية، خصوصا في ميدان التحرير المصري وفي اسطنبول أيضاً حيث كان "تويتر" يشكل فرصة كبيرة  للحصول على المعلومات بالوقت المحدد. وينهي الدكتور رزق بحثه في نتيجة مفادها أن بات للدبلوماسي دور في تطوير العالم الإفتراضي.

بدوره، الدكتور جمال واكيم، أخذ الحاضرين في جولة تاريخية حول عصور الصحيفة الورقية والإذاعة والتلفزيون، وما رافقهما من تطورات واكبت حركة التكنولوجيا كل يوم بيومه، وكيف لم يتمكن لا التلفزيون ولا الإذاعة من إلغاء دور الصحيفة الورقية، وكذلك لم يتمكن واحد من وسائل الاتصال هذه من التفوق على الأخر، فقد أثبتت التجربة أن لكل عالم جمهوره وأهميته في جوانب مختلفة من حياة الشعوب والحضارات. ليأتي على دور الإعلام الالكتروني ويطرح منظومة جديدة تحت عنوان الإندماج الإعلامي، بين مختلف وسائل الاتصال، لأهميتها جميعاً في التكامل ما بينها البعض، إذ إن الإذاعة والتلفزيون يستفيدان من الصحيفة، وهي بالعكس، والانترنت يرفد كل هذه العملية بأفق أكبر واوسع.

الجلسة الثانية: حاجة الصحافة الالكترونية إلى قوانين خاصة

في الحقيقة، كانت هذه الجلسة تفاعلية إلى حد كبير، لأنها كما يقال وضعت الأصبع على الخيط الأول لبلورة أفق مستقبل الصحافة الالكترونية. الدكتور شربل القارح قدم محاضرة حقوقية بامتياز، طرح فيها "قانون الصحافة المقدم للجان النيابة"، بيّن فيها كيف أن هذه القوانين لا تتناسب والصحافة الالكترونية لا من حيث السياق ولا من حيث الطبيعة الخاصة بها. واستعرض في الوقت نفسه، أهم هذه القوانين التي من الممكن أن يستقى منها ما يفيد الإعلام الالكتروني، ومنها ضمان حرية التعبير،حماية العاملين في قطاعات الاعلام كافة، الاعلام الالكتروني هو أحد أبرز الفضاءات الحرة ويجب أن يحافظ أي تشريع له على هذه الميزة، مع بعض الضوابط المتعلقة بحماية الملكية الفكرية، وٕاعطاء حقوق نقابية ومهنية للعاملين فيه، وحماية القاصرين من بعض ما يُنشر إلكترونياً. وأكد الدكتور القارح إن التجربة في لبنان والعالم اثبتت عجزها في اخضاع أو مراقبة المواقع الإلكترونية بدقة، لان المعايير متنوعة ومتغايرة بين بلد وآخر...

الدكتور وليد حدرج أوضح في محاضرته "لماذا تحتاج الصحافة الالكترونية إلى قانون حاص بها؟". ناقش الباحث هذه الحاجة من الناحية الإعلامية والقانونية، وأنه نظراً لما شكله هذا الإعلام من أهمية وحضور كبيرين على الساحة الفردية والجمعية، فإنه يستدعي ايجاد تشريعات وأنظمة قانونية مرنة لمواكبة هذا الشأن ومؤازرته من جهة، وتؤكد من جهة اخرى الحفاظ على المبادئ والأسس والثقافات والمعتقدات المتنوعة، وتمكن الجميع من التعامل معه بدارية ووعي، مع وفرة المعلومات الوافدة والمتاحة كمّا ونوعاً.

 

 

الجلسة الثالثة : تجارب مواقع صحافية الكترونية

خصصت الجلسة الثالثة والأخيرة لقص روايات من نوع مختلف، كانت عن قصة كل موقع الكتروني وحكايته مع التطور المطرد في تكنولوجيا الانترنت. في البداية روت الزميلة رئيسة التحرير في القسم الفرنسي لموقع المنار ليلى مزبودي، حكاية الموقع الذي بدأ منذ عشرين عاماً تقريباً، وهذه المعلومة كانت مفاجأة للجميع. نعم، الموقع بدأ بطرح صفحة واحدة منذ العام 1997، يقتصر اهتمامها على أخبار عمليات المقاومة الإسلامية، ومواجهة القرصنة الإسرائيلية  المتكررة، وصولا إلى اليوم ليحتل المركز 1466 بين مليون موقع عالمي حسب موقع «اليكسا» مع تسجيل أكثر من مليار زيارة سنوية من 210 دولة. هذه الأرقام لم تأت بالمصادفة، بل كانت نتيجة عمل دؤوب جعل "قناة العرب والمسلمين"، تتصدّر الساحة الإلكترونية محلياً منذ حوالي 20 عاماً مع مواكبتها العمل المقاوم وإيصال خطابه باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية والإسبانية. وأكدت في نهاية مداخلتها "أن الموقع أصبح مصدرا للمعلومات التي تخص قضايانا، وخفف من تأثير واحتكار الوكالات الدولية التي كانت توجه الاخبار المتعلقة بقضايانا وفق أهوائها ومصالحها".

تجربة موقع جريدة النهار، رواها ماريو غريب، كيف انتقل موقع الجريدة إلى طرح شكل جديد من المادة المطروحة عليها، حيث رأى إنه من المهم استقطاب فئات اجتماعية وثقافية أخرى، فاقتربت أكثر من عالم ما يسمى "الممثلين" و"الفنانين"، إلى جانب طرح موضوعات أخرى تتعلق بدفعة أكبر من الجرأة في مواضيع "حساسة". وبرأيه هذا خلق لهم دفع أكبر من المتصفحين، حيث بدأت ترتفع نسبة القراء في العام 2011.  و"غريب" سوّغ هذا التغيير على القاعدة المشهورة التي تقول "هذا ما يريده الجمهور".

إبراهيم الدسوقي، الذي يستعرض لنا في نشرة أخبار "New tv" أهم شرائط الفيديو التي تحصل على أكبر مشاهدة، أدخلنا إلى دهاليز المراحل التي مرّ بها موقع القناة، وكيف توصلوا إلى نتيجة حتمية تفيد أنه من المهم إنشاء كادر مهني متكامل للقيام بمهمة متطورة للموقع. وتطرق إلى إشكالية اهمية سرعة الخبر مع لحاظ صحته ومدى مصدقية مصدره. وطرح موضوعا لافتا ويستحق النقاش هو كيف يمكننا تفعيل ما أسماه "صحافة المواطنة"، وان من الخطأ ألا نعطيها الاهتمام الكافي. من هنا نوّه الدسوقي بأهمية عقد هذا المؤتمر وشكر معديه، وراها اول فرصة حقيقية قد تمكننا من الوصول إلى رؤية ما تساهم في تطوير الصحافة الالكترونية، مركزا على ألا تقع في الإسفاف الأخلاقي.

في الختام توصل المجتمعون إلى جملة توصيات، كان من أبرزها العمل على تشكيل إتحاد للصحافة الالكترونية يكون فاعلاً في الانتاج والمصدقية، إلى جانب أهمية سعي العاملين في هذا القطاع إلى وضع قوانين تتناسب وطبيعة عملهم، ليتجنبوا إسقاط قوانين "علية" تفرض عليهم الطاعة، وتولية الحقوق الفكرية للناشر والكاتب في هذا الميدان وحماية انتاجه من السرقة والقرصنة، كما لم ينسوا أن يضيفوا للتوصيات أهمية تحلي "الصحافي الالكتروني" بالأخلاق المهنية الشريفة.

 

تصوير : وهب زين الدين