28-11-2024 08:35 AM بتوقيت القدس المحتلة

الاتفاق حول الملف النووي الإيراني وأثره على مسار الحلّ السياسي في سوريا

الاتفاق حول الملف النووي الإيراني وأثره على مسار الحلّ السياسي في سوريا

اتفاق إيران والغرب في إطار لقاء(5+1) حول الملف النّووي والذي جاء تتويجا لمفاوضات شاقة كما عبّر عن ذلك وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ ووزير خارجية ألمانيا غيدو فسترفيله

ادريس هاني*

اتفاق إيران والغرب في إطار لقاء(5+1) حول الملف النّووي  والذي جاء تتويجا لمفاوضات شاقة كما عبّر عن ذلك وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ ووزير خارجية ألمانيا غيدو فسترفيله ، يعتبر انتصارا نوعيّا لطهران. حيث تبيّن أنّ دبلوماسية الممانعة هي أكثر مردودية من دبلوماسية الاستسلام والهزيمة.إيران انتزعت اليوم حقّها التّاريخي في تخصيب اليورانيوم .بينما بدا المتضرّر الأساسي من هذه الاتفاقية الانتقالية كما أظهرت تصريحات نيتنياهو هي إسرائيل التي اعتبرته خطأ تاريخيّا. وهذا صحيح. فما يعتبر انتصارا تاريخيا لإيران يعتبر خطأ تاريخيا في إسرائيل.المتضرر الثاني هو بعض المحاور الإقليمية الصغيرة في المنطقة التي لن تجد الغطاء الأمريكي بحكم الاتفاقية المبرمة لمزيد من المضي في سياسات استفزازية لإيران.ذلك لأنّ الاتفاق يشمل تخفيفا من العقوبات في شكل 7 مليار دولار من المبادلات التجارية.إيران التي لم تكن منذ البداية تتحدث عن نيتها في امتلاك السلاح النّووي تجد نفسها رابحة لأنّ الغية التنموية من التخصيب تمّت في مجال تنمية الصناعات الثقيلة وفي المجالات الأخرى العلمية كالطّب.لهذا الاتفاق آثار قريبة على المنطقة تحديدا. فهو من حيث أنّه مؤشّر لتحوّلات كبرى على مستوى النظام العالمي، هو مدخل جديد لتدبير مختلف للأزمة في المنطقة.التصريحات الجانبية التي صدرت عن بعض المسؤولين الأمريكيين مثل أوباما أو كيري هي مجرد تطمينات للجانب الإسرائيلي.بينما الواقع يؤكّد أنّ جملة من الترتيبات القادمة ستتأثّر بهذا الاتفاق ومنها ما يتعلّق بالوضع في سوريا ومآل جنيف2.إنّ العمل على طي الملف السوري أمر وشيك جدّا كان ينتظر أن تلعب أوراق كثيرة سبق وقلنا أنّها لم تلعب بعد من الجانب الإيراني والسوري.وبعد أن لعبت الورقة الكيماوية والنووية الإيرانية باتت كلّ الحلول سهلة وممكنة.الخاسرون إذن هي إسرائيل التي وجب من الآن أن تتعايش مع إيران حاضرة في كلّ ترتيبات المنطقة من الآن فصاعدا. كما خسرت تركيا أوردوغان التي تلّقت صفعة كبيرة اليوم على إثر  طرد الحكومة المصرية للسفير التركي بحجة التدخل في شؤون مصر الدّاخلية.قطر والرياض ومن يدور في فلكها في المنطقة كدول أو منظّمات ستتلقّى صفعة إستراتيجية كان الإيرانيون فيها على درجة عالية من الاقتدار والذّكاء.تشعر إيران إذن أنّها نجحت في سياستها الممانعة. فأكثر من ثلاثة عقود من الكفاح والتنمية والاستكفاء الذّاتي في سائر المجالات والقطاعات حقق نتائجه.النّووي بالنسبة للغرب هو أهم عنصر من عناصر الإيرانوفوبيا.ولقد استطاعت إيران ونجحت في فصل المصالح الغربية عن مصلحة إسرائيل.وهزمت كل محاور واشنطن بمستوى من الأداء الدبلوماسي يرتكز على بيت لحافظ الشيرازي:

سعادة الدارين في هذين البيتين
مداراة مع العدو ومروءة مع الصّديق

أمّا سوريا فهي الرّابح الكبير في هذه المعركة.فهي ميدانيا تواصل تطهير الجيوب الواقعة على أطراف بعض المدن.والمعركة التي تشهدها القلمون وهي في نتائجها الاستراتيجية شبيهة بمعركة القصير، هي مؤشّر يقرّب موعد نهايات الأعمال الميدانية التي وقّتتها القيادة السورية حسب تصريح للأسد في 6 أشهر. فلا حديث اليوم يعلوا في الأروقة الدولية والإقليمية على صوت جنيف 2. وهو مؤتمر ستدخله المعارضة السورية مشتّتة منهكة ضعيفة. أمّا الدّول المساندة للمعارضة المسلحة في سوريا فستواجه استحقاقات جنيف وقد أضعفها التقارب الأمريكي ـ الإيراني، وهو ما يجعل المؤتمر كما سبق وأخبرنا الأسد يكون شكليّا.إنّ الاتفاق حول الملف النووي بين إيران والغرب يقع في صلب التفاهمات الجيوستراتيجية الكبرى في المنطقة. ولا يمكن فصل الملف السوري عن سائر تلك الملفّات.إنّ ما حدث اليوم هو مؤشّر على عهد دولي جديد ستفرض على نظامه العالمي إرادات جديدة.وهو ما يستتبعه بروز محاور جديدة إقليمية ونمط مختلف في اللعبة واستحقاقا جيوسياسية مختلفة عن عهد التّفرّد الأمريكي بقرار المنطقة. وما يظهر اليوم من عبث السياسات المحورية في المنطقة هي نوع من المغامرة التي يعتقد من خلالها مهندسوها أنّ إظهار إمكانات بعض الدّول على التّشويش من شأنه أن يوقف مضي واشنطن في مواقفها.وهذا ستكون له انعكاسات كبرى حتما على هذه الدّول. مهما حاولت الهروب في أدغال أفريقيا كما فعل القذافي ذات يوم عبثا.

*باحث ومحلل سياسي مغربي

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه