29-11-2024 07:46 PM بتوقيت القدس المحتلة

ملاجئ الطوارئ الدمشقية: الأخوات الفلسطينيات تساندن إخوانهنّ

ملاجئ الطوارئ الدمشقية: الأخوات الفلسطينيات تساندن إخوانهنّ

لا يركّز هذا الحديث الموجز على الحال المزرية للمهجّرين الفلسطينيين والسوريين وأولئك العالقين في مناطق خطرة داخل دمشق

كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله

حي الزهيرة، جنوبي دمشق

لا يركّز هذا الحديث الموجز على الحال المزرية للمهجّرين الفلسطينيين والسوريين وأولئك العالقين في مناطق خطرة داخل دمشق، حيث قمت بزيارةٍ للمدارس الرسمية سابقاً في دمشق، التي يبلغ عددها 24 مدرسة يتمّ استخدامها الآن كملاجئ. وإنما الهدف من هذا التحديث هو تسليط الضوء على روح الجماعة والتضامن والمقاومة والنوايا الحسنة بين الفلسطينيين هنا في دمشق، الذين أُرغِموا على الخروج من مخيّم اليرموك وغيره من المخيّمات، وكيف يتمّ حشدهم وتحضيرهم لشتاء قاسٍ وقريب يتوقّعه المرء في هذه الليالي الباردة.

وهذا ليس من أجل نفي أنّ كلّ المآوي تشكّل مكان وجودٍ هشٍّ إجتماعياً للأشخاص المهجّرين داخل البلاد، بحسب ما تصفهم وكالات الغوث. وفي المدارس السابقة، لا يوجد المازوت لإشعال المدافئ، ومما تحتاجه الملاجئ أيضاً الأغطية "الحرارية"، والأغذية والأدوية والملابس الشتوية والأحذية والقبعات الصوفية للأطفال الذين يمشون في الصباح الباكر إلى المدارس الحكومية في الأحياء المجاورة.

ويعود الفضل في ذلك إلى التعاون المتواصل بين الحكومة السورية، وخصوصاً وزارة التربية والتعليم، وبين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى التابعة للأمم المتحدة (الأونروا)، أصبح الكثير من المدارس الرسمية سابقاً جاهزاً لاستقبال المهجّرين. بالإضافة إلى أنّ وزارة التربية والتعليم قد وضعت نوبتين في كثير من المدارس ما يوفّر للشبان نوبة دراسة من السابعة صباحاً وحتى الظهر، تتبعها نوبة من الظهر وحتى الخامسة مساءً.

وقبيل اندلاع النزاع المسلّح في سورية، كانت منطقة اليرموك، وهي ضاحية جنوبي العاصمة دمشق، تأوي أكثر من 160 ألف لاجئ فلسطيني. وفي كانون الأول/ ديسمبر من العام 2012 وخلال الأشهر التي تلته، تسبّب النزاع المسلّح بهروب أكثر من 140 ألف لاجئ فلسطيني على الأقلّ من منازلهم في اليرموك، بعدما أوجدت المعارضة المسلحة لنفسها مكاناً هناك، مقابل سيطرة القوات الحكومية على المحيط. وبين كانون الأول/ديسمبر من العام 2012، وحزيران/يونيو 2013، كان المدنيون ما يزالون يستطيعون الحصول على مساعدة (الأونروا) عند مدخل الزهيرة في اليرموك. إلا أنّه ومنذ منتصف تموز/يوليو من العام 2013، أصبح آلاف اللاجئين الفلسطينيين عالقين في المنطقة، مع إمكانية ضئيلة في الوصول إلى المحالً التجارية وإمكانية التحرّك بحريّة.

وبين المدارس الأربع التي تحوّلت إلى ملاجئ جنوبي دمشق في منطقة مخيّم اليرموك، والمدارس الثماني المجاورة، التي شاهدتها أيضاً، مدرسة الفياضين الرسمية الإبتدائية التي تؤوي أكثر من 56 عائلة، نصفها من الفلسطينيين، إذ يبلغ عددهم 260 فرداً. وثمّة هناك مطبخ نظيف واسع تستخدمه بالتناوب حوالى ستّ عائلات دفعة واحدة بناءً على جدول محدّد. وغالباً ما تقدّم الحكومة السورية وبعض المنظمات غير الحكومية حصصاً غذائيةً تكفي عادةً لعائلة مؤلّفة من خمسة أشخاص ولمدّة 15 يوماً. وفي مدرسة "الفياضين" أيضاً آلة غسيل إيطالية الصنع، قدّمها رجل أعمال فلسطيني على أن يشترك في استخدامها جميع الساكنين في المدرسة. وهناك مستوىً عالٍ من خدمات الصرف الصحّي، كما أنّ الحمّامات نظيفة. وتأتي فِرق طبّية ثلاث مرّات أسبوعيّاً لإدارة الرعاية الصحيّة المقدّمة مجاناً من الحكومة. وقد أدّت العقوبات الأميركية إلى قطع إمداد عدد من الأدوية الضرورية، وخصوصاً تلك اللازمة لمرضى السرطان والحالات التي تتطلّب جرعات أسبوعيّة من الأدوية، ولكن لا تتوفّر الجرعات الآن إلا بشكل شهريّ في أغلب الأحيان. وتجدر الإشارة إلى أنه يتمّ تطبيق قواعد الإيواء. فعلى سبيل المثال، إذا لم تضع عائلة ما أولادها الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 15 عاماً، يتمّ إخلاء هذه العائلة. وقد أٌخبِرتُ عن ذلك مطوّلاً من لاعبَي كرة سلّة سوريَّين محترفَين في المنتخب الوطني وهما هاني ومحمّد، اللذان علّقا منتهما وحياة عائلتيهما لإدارة أربع مدارس أصبحت ملاجئ جنوبيّ دمشق.

وقد سألني الكثير من الفلسطينيين في هذه المدارس عمّا إذا كانت بحوزتي أيّ معلومات حول أبناء بلادهم الذين ما زالوا عالقين داخل مخيّم اليرموك. ويزداد قلقهم لأن عائلاتهم تنقل لهم أن المساعدات الإنسانية ما زالت غير ممكنة الوصول إليهم، وقد وُعِدوا كثيراً بفتح "ممرات إنسانية"، بالرغم من دعوات (الأونروا) المتكررة والجهود، لا يتمتّع 32 ألف مدنيّ فلسطينيّ عالقين في مخيّم اليرموك إلا بالقليل من حريّة الحركة أو المساعدات الإنسانيةة، بالإضافة إلى مواجهة الموت والإصابات الخطرة من جرّاء النزاع المسلّح، يتعرّض سكان اليرموك المدنيين إلى صدمات نفسيّة، وسوء تغذية وانعدام الرعاية الصحيّة. وقد دعا بيان مجلس الأمن في الأمم المتحدة حول الحال الإنسانية في سورية بتاريخ 2 تشرين الأول/أوكتوبر 2013، إلى جانب عدد من البنود، جميع الأطراف إلى توفير الحصول على المساعدات الإنسانية "والإلتزام بموجبات ذلك وفقاً للقانون الدولي الإنساني".

ويزداد الأمل بين أكثر من 100 ألف لاجئ مهجّر من مخيّم اليرموك، ثمّ يضعف مجدّداً مع كلّ إعلان بترك الميليشيات المخيّم للإدارة الفلسطينية المدنيّة، وكلّ إعلان مضاد. وقد فشلت هذا الأسبوع تسوية مزعومة تضمّ مفاوضات حادّة وتتوسّط لها منظّمة التحرير الفلسطينية لوضع حدّ للقتال في مخيّم اليرموك، بعد إصرار مقاتلي المعارضة المقرّبين من حماس على احتسابهم ضمن المجموعات التي ستدير شؤون المخيّم في ما بعد. وقد توصّل مسؤولون من منظّمة التحرير الفلسطينية مؤخّراً إلى إتفاق مبدأي مع مختلف الفصائل الفلسطينية ومجموعات المعارضة المسلّحة الأمر الذي قد يؤدّي إلى وقف إطلاق النار، إلا أنها استثنت حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامّة بقيادة أحمد جبريل. وخلال 72 ساعة، تمّ الإعلان عن اقتراح جديد في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، ما زال يشير إلى إمكانية التطبيق.

وبموجب هذه "الإتفاقية"، قال خالد عبد المجيد من جبهة الصراع الشعبي الفلسطيني إنّ "المجموعات المسلّحة في مخيّم اليرموك، المعروفة أيضاً باسم تحالف فصائل المقاومة الفلسطينية،  قد تنسحب من المخيّم قريباً جدّاً". وفي تصريح لـ "الوطن"، قال عبد المجيد: "ما يحصل في اليرموك هو أنّ معظم الفصائل قد أعادت التواصل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامّة، بالإضافة إلى فصائل تحالف المقاومة الفلسطينية، بعد فشل مبادرة منظّمة التحرير الفلسطينية (لحلّ أزمة المخيّم). وبذلك عبّرت هذه الفصائل عن نيتها بإعادة تنظيم وضعها، والتعامل مع المسألة والإنسحاب من المخيّم". وأضاف أنّ النقاش مع هذه المجموعات قد تمّ عبر وسطاء، وفي بعض الأحيان عبر التواصل المباشر مع بعض منهم.

وقد شهدتُ أنا على حقيقة أنّه منذ 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، كان الهدوء التام هو المسيطر على مخيّم اليرموك. وكانت فرق الخدمات من لجنة المساعدة الفلسطينية تنظّف شوارع المخيّم وتزيل الأوساخ. وقد دعيت إلى اليرموك للشهادة على هذه الأعمال. إلا أن الحصول على إذن حكوميّ لازم لذلك، إضافةً إلى أنّ موعد الدخول ليس ثابتاً.

ويتأمّل بعض اللاجئين من المخيّم، إلا أنهم وخلال المقابلات الأخيرة عبّروا عن شكوكهم من نجاح هذه المبادرة الأخيرة مقارنةً مع عشرات المبادرات التي سبقتها. إلا أنّ الأيام القليلة المقبلة ستكون كفيلة بالإجابة.

والمخاوف واضحة إزاء ذلك بسبب الشتاء القارس الموعود الذي لم يعد بعيداً، وستكون الحال أكثر قساوةً بين المخيّمات المئتين والخمسين وخصوصاً في سهل البقاع اللبناني المجاور لأن الجدران البلاستيكية والخيم ذات الأسقف المستعارة في 25 مخيّماً من مخيّمات اللجوء معرّضة للفيضانات ويتشارك فيها اللاجئون الفلسطينيون والسوريون.

 إخواننا وأخواتنا...

على أمل أن تسمح التحديثات حول الوضع الفلسطيني في سورية بالمزيد من التفاصيل حول نماذج كثيرة من الفلسطينيين الذين يساعدون الفلسطينيين، وحول المساعدة الجماعية للأخوات والأخوة. إلا أنّ مثالاً موجزاً عن عائلة رائعة ما زال عالقاً في ذاكرتي.

ويعود المشهد إلى عائلة خالد الجراحي من حيفا، التي تعيش حاليّاً في مدرسة "طاهر الجزري" الرسمية. وقد سمح لي السيد الجراحي باستخدام اسمه علناً لأنه يريد أن يعيد التواصل مع أصدقائه وأقربائه الذين كان قد أضاع التواصل معهم منذ أحداث تشرين الثاني/نوفمبر 2013 التي طالت بعض أحياء اليرموك، كي يعرفوا أنّ عائلته ما زالت على قيد الحياة وبصحّة جيّدة.

ويا لهذه العائلة المذهلة! تتضمّن عائلته خمسة أفراد في عمر الشباب، وشابة في أوائل العشرينيات، وفتيين اثنين. ما أثّر فيّ بشكل عميق هو الروح الموجودة بين هذه الأخوات، وشخصياتهنّ والإخلاص في مساعدة بعضهم البعض ضمن حوالى 260 لاجئ يتشاركون في هذه المدرسة، في حين أنهنّ يتجنّبن التذمّر حول محنتهم. تعيش عائلة الجراحي في مساحة لا يزيد عرضها ربما عن ثلاثة أمتار وطولها عن ستة أمتار. أمّا فرشات النوم الإسفنجية فهي مرتّبة على جانب الحائط بشكل جميل، إلى جانب الوسائد. وفي الجانب الآخر من الغرفة ثمّة فاصل بلاستيكي بينهم وبين العائلة المجاورة. هل هذا غريب؟ نعم، ولكنّه ملهم بالتأكيد. والفتيات، اللواتي لغتهنّ الإنكليزية جيّدة، شرحن كيف ولماذا أسسوا مدرسة للأطفال في هذا المأوى الوحيد، وكيف نظّموها. وقد عرضوا عليّ دليل التعليم الذي كتبوه وشرحوا كيف يديرون هذه المدرسة مع ما يتمّ تقديمه بين الحين والآخر من الأقلام والألوان والدفاتر من قبل منظمات فلسطينية غير حكومية، أو حتّى من قبل الزوار الأجانب.

لم نتناقش في السياسة، إلا أنّ اثنتين من الأخوات قد ذكّرتني بشخصيّة "إلينيور" في فيلم "العقل والعاطفة". فهالة هي البنت الأكبر في عائلة الجراحي، والأكثر عاطفيّةً ومحافظةً. وتتولّى هذه الفتاة التخطيط للدروس في "مدرسة الأخوات" غير الرسمية في هذا المأوى، وهي تعلّم أختها الأصغر المتهوّرة زينة قوانين المدرسة للأطفال، محاولةً المحافظة على تركيزها وتركيز أختها الأصغر منها. وقد عرضت هالة عليّ ما كتبته من قواعد اللغة الإنكليزية التي تتعلّمها من أحد كتب قواعد (الأونروا) الممزقة. وتشير إلى ما كتبته بخطّ يدها الممتاز وتسألني عن النعوت الحالية والصفات التعريفية المتتالية وصيغة الماضي الأسبق! والمفارقة هنا هي أنني آخر مرّة سمعت عن هذه القواعد كانت منذ حوالى 50 عاماً، وليس لديّ أدنى فكرة عن معناها، إن كنت قد تعلّمته أصلاً، وهذا محطّ سؤال أيضاً.

أما أختها الأصغر زينة، فهي تجسّد شخصيّة "ماريان" في الفيلم نفسه، فهي لا تعبّر عن مشاعرها وتصرّ كثيراً على أنها جاهزة للعودة إلى اليرموك "بالرغم من المخاطر، وحتى لو قُتلت في طريقي للعودة إلى المنزل"! أما أمها فاطمة فتتجهّم، في حين لا توافقها هالة الرأي عندما تصرّ على أنها تريد تعليم الأطفال الرقص في الشوارع وخارج الملجأ المغلق، إلى جانب تسلّق الأشجار "كي يتمكنوا من التعبير عن أنفسهم تحت السماء بالشكل المناسب".

وبحزن وعدم رغبة بترك هذه العائلة ومأواها، تركت ومن كان معي عائلة الجراحي الرائعة متسائلاً ما إذا كانت الآنسة العاطفية والآنسة العاقلة ستنتصران، أم أن كلّاً من هاتين الأختين المميزتين تشكّل توازناً جيّداً للأخرى، من خلال خدمتهم لأبناء بلدهم في ملاجئ الطوارئ.

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه

فرنكلين لامب يقوم ببحث في سورية ولبنان. يمكنكم التواصل معه على بريده الإلكتروني

fplamb@gmail.com