تعمّد التقرير الخلط بين مفهومين مختلفين، عمليّات المقاومة لدحر المحتلّ، والتفجيرات الإرهابيّة التي تنفّذها جماعات تكفيريّة في إطار صراع سياسي ومذهبي مجّاني وعبثي.
لا تجد بعض القنوات المحلية ضرراً في تحوير مفاهيم مرتبطة بذاكرة جزء كبير من الشعب اللبناني. ولم تتردّد بعض المحطات اللبنانية خلال الأسبوع الماضي، في عرض تقارير تهدف «إلى تعريف المشاهدين على تاريخ العمليات الانتحارية»، عقب تفجير السفارة الإيرانية في بئر حسن.
هكذا، بثّت «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، و«المستقبل»، و«أم تي في»، تقارير تجعل من العمليّات الانتحاريّة الإرهابيّة الأخيرة، امتداداً لعمليّات المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي للبنان!..
جوي سليم/ جريدة السفير
بسؤال «من أين انطلقت العمليات الإرهابية وهل في نظر محور الممانعة هي بطولة أم إرهاب؟» قدّمت نشرة أخبار «أم تي في» لتقريرٍ خاص، عرض تاريخ «العمليات الانتحارية في لبنان». تضمّن التقرير في البداية إشارة إلى تاريخ «الكاميكاز» اليابانيين، لينتقل إلى الشهيدين صلاح غندور وسناء محيدلي في لبنان، وصولاً إلى فلسطين، حيث نفّذت حركة «حماس» سلسلة عمليّات (أغفلت معدّة التقرير الجهة المستهدفة بها).
يذكّر التقرير أنّ تلك العمليّات كانت موضع ترحيب من «كل ّمن انضمّ إلى محور الممانعة، وضمنه «حزب الله». دعّمت دنيز رحمة فخري تقريرها بصور لزعيم القاعدة أسامة بن لادن، وهو يتوعّد الولايات المتحدة الأميركية، قبل هجمات 11 أيلول.. لتختم بما اعتبرته «مفارقةً»، وهي «أنّ ثقافة العمليّات الانتحارية عُمِّمت، فانتقلت من فلسطين إلى العراق إلى سوريا واليوم إلى لبنان، والمفارقة أنّها في سوريا ولبنان صارت إرهابيّة بنظر محور الممانعة»!
تعمّد التقرير الخلط بين مفهومين مختلفين، عمليّات المقاومة لدحر المحتلّ، والتفجيرات الإرهابيّة التي تنفّذها جماعات تكفيريّة في إطار صراع سياسي ومذهبي مجّاني وعبثي. وبهدف التأكيد على الرابط التاريخي الخفيّ بين الانتحاريين والمقاومة، تضمّن تقرير «أم تي في» مقتطفات من مقابلة قديمة مع الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله يشرح فيها طبيعة العمل الاستشهادي وبعده الديني. المقتطفات نفسها أوردتها قناة «المستقبل» ضمن تقرير لمحمد بركات بعنوان «السيد حسن نصرالله يبرّر العمليات الانتحارية ويدافع عنها»، إذ اعتبر معدّ التقرير أنّ نصرالله يقع في التناقض حين يبرّر تلك العمليات ويعود ليدينها، «من دون محاولة فهم لماذا أقدم لبناني على تفجير نفسه» (!)، بحسب تعبيره. هل تريد «المستقبل» من المشاهد أن يتفهمّ «دوافع» الانتحاري إذاً، من خلال الربط بينه وبين خطاب أمين عام «حزب الله»، وهو الجهة التي يعاديها ذلك الانتحاري؟
وكانت «المؤسسة اللبنانية للإرسال» قد بثّت أيضاً تقريراً بعنوان «ظاهرة التفجيرات الانتحاريّة ليست جديدة على لبنان»، من إعداد يزبك وهبة. «أل بي سي آي» لم تنجُ من أخطاء زميلتيها، إذ سمّى وهبة عمليات المقاومة بالعمليات الانتحارية التي نفذها «حزب الله وأحزاب القومي والبعث والشيوعي»، واضعاً بدوره عملية الشهيدين أحمد قصير وسناء محيدلي في خانة العمليات الانتحارية.
السجال حول مصطلح «العمليّات الاستشهاديّة» ليس بجديد، إذ كان هناك دوماً من يحاول تصنيف تلك العمليّات ضمن خانة الانتحار المجّاني.. لكنّ الجديد هو وضع مقاومين ساهموا في تحرير الأراضي اللبنانيّة من الاحتلال الإسرائيلي، وطبعوا وعينا السياسي الجماعي، في الخانة نفسها مع منفّذي عمليات انتحارية إرهابيّة، تروّع مواطنين لبنانيين أبرياء. لبرهةٍ، قد يشعر المشاهد أنّ معدّي التقارير والمؤسسات التي يعملون لصالحها، قادمون من كوكب آخر، أو ربما مراسلون أجانب يقاربون العمليات الاستشهادية للمرّة الأولى، بطريقةٍ لا تمسّهم.. إذ أنّهم ظهروا غير قادرين على التمييز البديهي بين عمليات المقاومة ضدّ جنود الاحتلال في حربٍ طويلة أدّت إلى التحرير في العام 2000، وبين عمليّات إجراميّة ذات طابع مذهبي، أودت بحياة مدنيين لبنانيين.
أغفلت التقارير المذكورة، عن جهلٍ أو عمداً، الدوافع التي انطلق منها المقاومون للدفاع عن أرضهم وشعبهم بوجه العدو الإسرائيلي، محاولةً التلميح إلى تشابه في العقيدة الدينية بين المقاومين والانتحاريين. وتناست أنّ الهدف المعلن لعمليّات المقاومة الإسلاميّة مثلاً، كان دوماً تحرير الأرض من الاحتلال.. وتناست أنّ شهداء وشهيدات مثل سناء محيدلي، ووجدي الصايغ، وابتسام حرب، ولولا عبود أتوا من طوائف مختلفة، ونفّذوا عملياتهم البطولية لتحرير أرضهم، وليس طمعاً بلقاء حور العين، ولا تنفيذاً لواجب «جهاديّ» بالقضاء على «الكفّار».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه