"جنيفنا" الحقيقي معقود على الأرض و مستمر حتى النهاية، بهذه العبارات علّق ديبلوماسي سوري رفيع المستوى على تصريح رئيس الإئتلاف الوطني السوري أحمد الجربا، والذي يضع شروطاً للذهاب الى طاولة جنيف 2
علي يوسف حجازي*
"جنيفنا" الحقيقي معقود على الأرض و مستمر حتى النهاية، بهذه العبارات علّق ديبلوماسي سوري رفيع المستوى على تصريح رئيس الإئتلاف الوطني السوري أحمد الجربا، والذي يضع شروطاً للذهاب الى طاولة جنيف 2 ، وتابع قائلاً ( نحن كنا فيما مضى نستعجل حلاً سياسياً لعله يجنب سوريا المزيد من الدمار والقتل والخسارة في الإقتصاد ولكن نحن اليوم نؤمن بأنه لا يمكن لأي حل سياسي أن ينجح على الأرض إذا لم يترافق مع حسم عسكري يجتث الإرهاب من جذوره) .
قد يكون هذا الموقف هو الأقل حدة في مواقف الكثير من القيادات السورية لا سيما الأمنية منها والتي بات جلياً أنها عادت الى نظريتها الأساس وهي القدرة على إنجاز حسم عسكري شامل على إمتداد الخارطة السورية مشترطة تأمين إقفال الحدود التركية والأردنية بشكل لا لبس فيه وهذا ما لا يبدو بعيداً ، إذ تقول معلومات سربت من داخل الأروقة الديبلوماسية الإيرانية أن هناك بداية تبدل واضح في موقف الدولة التركية التي بدأت تدرك حقيقة ما كان الرئيس السوري بشار الأسد قد حذر منه وهو إمتداد الحريق الى دول الجوار، ولهذا تأتي الأخبار من الحدود الشمالية حاملة ما يفيد بأن الجيش التركي بدأ فعلياً في الخطوة الأولى في مسار طويل يهدف الى إعادة ضبط الحدود مع سوريا ومحاربة النشاط اللافت لتنظيمات إرهابية يبدو أنها إتخذت قرارها في توسيع نشاطها الأمنى الى الداخل التركي. ومن هنا جاء خبر ملاحقة الأجهزة الأمنية لأربع سيارات مفخخة، قيل إن داعش هي من أرسلتها لمعاقبة الحكومة التركية على قرارها تغيير قواعد اللعبة عند حدودها، والتي كانت في فترة سابقة خاضعة لقاعدة أن كل شيء مباح لطالما أن ذلك يصب في خانة إسقاط النظام في سوريا.
بالنسبة للأردن الذي يبدو أنه، وبحسب تعبير الديبلوماسي السوري نفسه، "لم يتعظ من الدرس التركي ولا زال ينصت للجنون السعودي. فتراه وبحسب معلومات أمنية قد لعب دوراً بارزاً على خط تدبير الهجوم الأخير، الذي شن على الغوطة الشرقية لإستعادة بعض القرى، بهدف فك الحصار عنها ليكون الرد السوري الذي شارك فيه حزب الله مباشرة قاسيا جداً". الديبلومسي تابع قائلاَ :"يجزم مصدر أمني مطلع أن هناك ما يقارب ثلث المهاجمين قد سقطوا بين قتيل وجريح وأسير فيما تعمد مجموعات مختصة على ملاحقة عناصر قيل إنها خضعت لدورات مكثفة في الأردن على أيدي خبراء أميركيين وبتمويل سعودي مباشر لتصفيتها، وبذلك نكون أمام واقع جديد وهو الإنتهاء من حلم البعض بقدرة هؤلاء على تغيير قواعد اللعبة وكسر العمود الفقري للمسلحين على أن تنتهي العملية بإستعادة نقاط كان قد إنسحب الجيش العربي السوري منها لإعتبارت عسكرية، مع قرار واضح بتوسيع دائرة العمليات لتكبير دائرة الأمان والدخول على خط بدء الحسم في مدن في الغوطة الشرقية، والتي سيسهل ضرب الجنون الأخير للمسلحين في عملية تحريرها ويعطي مثالاً على ذلك مدينة دوما. فالمعطيات الإستخباراتية تفيد بأنها خسرت في الهجوم الأخير من يشكلون ركيزة مسلحيها وكذلك أبرز من كانوا ينشطون إعلامياً فيها..
يبدو واضحاً في أحاديث الصالونات السياسية السورية حجم الإستخفاف بالدور الإستخباراتي السعودي، الذي ربط بمعركة القلمون، فيأتي تعليق لافت لأحد المعنيين مباشرة بالمعركة يقول فيه أنه يبدو لي أن المعركة ستنتهي قبل أن تبدأ فعليا. فنحن أمام مشهد لا ننكر أننا فوجئنا به، فنحن لا نبدأ في عملية إقتحام مدينة من مدن القلمون، لا سيما التي تشكل مراكز ثقل للمسلحين كقارة والنبك، حتى يبدأ المسلحين بالفرار تاركين خلفهم كل شيء ليبقى بعض الغرباء المتشددين يقاوموننا لساعات معدودة في الوقت الذي تبدأ فيه عمليات التخوين بين المجموعات المسلحة، لينتهي الأمر وكأن أمرة وولاء كل هذه المجموعات للدولة السورية. وتساءل الديبلوماسي إذا ما كانت قارة قد حررت والنبك في طريقها الى التحرير فيما يفر مسلحو يبرود بالعشرات قبل بدء العملية. فإلى متى ينتظر زهران علوش وجيشه الإفتراضي لمواجهتنا.
يصل اليوم حجم الإرتياح السوري لمسار الأمور لدرجة الترحيب بتحديد موعد بعيد المدى نسبياً لمؤتمر جنيف 2. فالقرار المتخذ هو تأمين حسم عسكري بدأت دائرته تتسع، من القلمون الى الغوطتين، مروراً بمحافظة حمص. فيما ينتظر أن تشهد الأسابيع المقبلة مفاجآت على خط المعركة في الشمال السوري، مع الجزم بأن هناك تبدلات في الوقائع الميدانية، تدفع المسؤولين السوريين الى التعاطي بثقة بارزة وبخطاب الواثق، بأن الفرج لم يعد ببعيد فنحن كنا سابقاً نحتاح أسابيع لنحرر قرية أما الآن فتحرير مدن لا يأخذ منا أكثر من أيام معدودة، نقضي معظمها في التطهير. فهناك من لم يعد يريد المواجهة لقناعته بأن أي مواجهة مع قواتنا المسلحة ستكون خاسرة. لذا يتعامل هؤلاء على مبدأ أن الهريبة "ثلثي المراجل". من هنا يأتي الربط بين ما يقوله العسكر وبين البيان عالي النبرة للخارجية السورية والذي جاء وكأنه يقول لمن يعنيهم الأمر، إنكم إذا ما أردتم الذهاب الى جنيف 2 بلا شروط فنحن بإنتظاركم أما إذا كنتم تصرون على شروطكم فلا داعي للإستعجال، فلدينا "جنيفنا" معقود على الأرض وحتى موعد المؤتمر سيخلق الله ما لا تعلمون، لذا دعونا وإياكم ننتظر .
* كاتب و محلل سياسي
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه