22-11-2024 11:24 AM بتوقيت القدس المحتلة

حكومة ميقاتي، تهديدات "مستقبلية" واستحقاقات وترقب غربي (1/2)

حكومة ميقاتي، تهديدات

لم يكن أحد ينتظر من فريق الرابع عشر من آذار أن يقابل الحكومة الجديدة بغير ما قابلها به من هجوم متعدد الإتجاهات إلى درجة إهانة الرؤساء الثلاثة وتخوينهم واتهامهم بتنفيذ رغبة خارجية في تشكيل الحكومة

 لم يكن أحد ينتظر من فريق الرابع عشر من آذار أن يقابل الحكومة الجديدة بغير ما قابلها به من هجوم متعدد الإتجاهات إلى درجة إهانة الرؤساء الثلاثة وتخوينهم واتهامهم بتنفيذ رغبة خارجية في تشكيل الحكومة. فقد كان المستقبليون يراهنون على عجز الرئيس نجيب ميقاتي عن تشكيل الحكومة، لكن التشكيل المفاجئ أفقد الأكثرية القديمة صوابها، ومنذ اللحظة الأولى للإعلان عن التأليف وصفت الحكومة بأنها "حكومة سورية"، بل "حكومة جسر الشغور"! وادعى فريق 14 آذار بأن الحكومة قد تألفت تنفيذاً لرغبة الرئيس السوري بشار الأسد. وثمة من لمّح إلى أن 14 آذار ستشكل "حكومة ظل" لمراقبة أعمال الحكومة، وتكليف "وزراء ظل" للتصدي لوزارات يعتبرها "الزرق" أساسية بالنسبة إليهم، هذا عدا عن التواصل مع الموظفين الذين زرعتهم الحريرية في هذه الوزارات طوال عقدين من الزمن، بغية عرقلة أي مشاريع تتعارض مع مصالحهم.
وبالتزامن مع الموقف الحريري البعيد كل البعد عن القيم الديمقراطية التي تفرض الانحناء أمام تداول السلطة، قامت عصابة "الرؤوس السود" بإشعال نار الفتنة في عاصمة الشمال، فاختتمت تظاهرة طرابلس السلمية المكللة بالورود، والتي  تشبه بوداعتها وأيديولوجيتها مقابر جسر الشغور الجماعية، بحفل ألعاب نارية وكوكتيل على شرف زيارة الرئيس ميقاتي للمنطقة .. نعم هكذا تكون المعارضة السلمية البناءة !

ولأن عصابة "الرؤوس السود" لا تقتصر على مئات المسلحين المدججين بالسلاح الأزرق، كشف حزب المستقبل أن كل ما يخشاه هو الانتقام من أتباعه في الإدارات العامة! ومن حقه طبعاً أن يخاف ويشن حرباً إستباقية، لأن حجم الفساد الذي نشره "الزرق" في الإدارة اللبنانية كبير جداً، وخير دليل على ذلك إقامة الإدارات الموازية التي حالت دون استعادة الدولة للسلطة كما حال دون قيام دولة نظيفة وعادلة، تسودها المساواة ويسودها حكم القانون، والمثال الفاقع للانحرافات في السلوك الحريري ما ظهر أخيراً في وزارات المال والداخلية والعدل والاتصالات والتي تعتبر معالجته من أولويات الحكومة الجديدة. وكل الصراخ والضجيج الذي يتسبب به الثلاثي الهجومي جعجع – الجميّل – السنيورة، وبغياب أو تغييب لاعب الأساس سعد الحريري الذي خرج إلى جهة مجهولة ولم يعد، لا هدف منه ولا طائل سوى التغطية على المشيخة الحريرية التي حلّت محل مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى حث أميركا وأوروبا على التدخل في الشأن اللبناني والضغط على ميقاتي، وعلى أي حال من الأحوال فإن هذا التدخل لم يتوقف يوماً.

وفي ظل الوضع الأمني المتأزم في لبنان والمنطقة، والتوتر السياسي الآخذ في التصاعد، والإستحقاقات التي سيواجهها لبنان في المستقبل القريب، ماذا ينتظر حكومة "كلنا للوطن، كلنا للعمل"؟

حقد "مستقبلي" غير مبرر
"الفرضية التي تقول بأن النظام السوري منهار وهو بحاجة إلى حكومة في لبنان لتدعمه سخيفة لدرجة أنها لا تستأهل الرد عليها، فهل لبنان هو من سينقذ سوريا أو نظام الرئيس بشار الأسد من السقوط؟ هذا الكلام فيه الكثير من اللاواقعية. صحيح أن لبنان يملك حجماً معنوياً ويعود بالفائدة على سوريا، إنما فائدة لبنان هي تجنيب سوريا الإختراق الأمني الذي يؤدي إلى الجرائم والقتل وتخريب الإستقرار الأمني والسياسي في سوريا، لكن لا يستطيع لبنان أن يلجم المخربين"، يقول المحلل السياسي فيصل عبد الساتر رداً على الإتهامات التي وجهتها ما تسمى بالمعارضة اللبنانية لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

ويتابع عبد الساتر " أما وصف تشكيل الحكومة في لبنان على أنه استجابة لقرار سوري، وأنها حكومة جسر الشغور كما ادعى احد النواب اللبنانيين من تيار المستقبل، فيه شيء من الفظاظة واللؤم والحقد الغير مبرر، فهو يريد أن يقول إن هذه الحكومة ستمارس نفس منطق السوريين في ما ذهبت إليه الأمور في جسر الشغور، لكن لم يخرج علينا هذا النائب ليوصّف للناس أن ما حدث في جسر الشغور كانت العصابات المسلحة من افتعله عندما اعتدت على بنية النظام السياسي والأمني ورجال الأمن والشرطة وارتكبت أبشع المجازر الجماعية، هذا الأمر تناساه سعادته وركز فقط على الحملة التي قام بها النظام لحماية مؤسساته وشعبه وأهله والأملاك العامة".

صُدموا فرفعوا سقف التهديدات
هذا ويرى عبد الساتر أن المستفيد الأوّل من تشكيل الحكومة هو لبنان "الذي لا يستطيع أن يبقى في ظل حكومة تصريف أعمال طيلة خمسة أشهر دون أن يكون هناك أي فائدة على الصعيد الميداني، فأهم ما في المرحلة الجديدة هو أنها تخلصت من حكومة تصريف الأعمال التي لم تكن تفعل شيئاً في الفترة الماضية سوى أنها ساهمت في تراكم كثير من المشكلات في البلد.
"هؤلاء عبّروا عن صدمتهم لخسارتهم السلطة، ولم يكونوا في وارد أن يخسروا السلطة التنفيذية، لذلك رفعوا سقف التهديدات والتصريحات على المستوى الإعلامي، قائلين إنهم سيكونون معارضة غير عادية وما إلى ذلك، في محاولة لإستعادة لغة كان البعض يحمل على فريق الثامن من آذار في اعتمادها في فترة معينة، ولكن على الأقل، فإن هذا الفريق انطلق من مقولة أساسية وهي أن لبنان تعرض لعدوان إسرائيلي وكان جزء من الفريق الحاكم في تلك الفترة يتلاقى مع العدوان الإسرائيلي في أهدافه، لكن اليوم ماذا لدى المعارضة من مآخذ على الفريق الذي وصل إلى السلطة؟ هل الأكثرية الجديدة مع إسرائيل وأميركا مثلاً؟! كلا بالتأكيد، وإذا التقى هذا الفريق مع سوريا أو إيران أو بعض الدول العربية فهذا يشرّف سجلّه السياسي في حين أن من خسروا السلطة لم يضم سجلّهم الكثير من الصفحات البيضاء"، يقول عبد الساتر

 

خمسة عوامل أدت إلى تشكيل الحكومة

أما بالنسبة للعوامل التي ساهمت في تشكيل الحكومة بشكل فجائي وبعد طول انتظار فهي:

1-إدراك المجتمع الدولي أنه لا يمكن الذهاب بعيداً في ممارسة نفس الفعل الذي مورس في ليبيا على سوريا وأن الدرس الليبي سيكون حاضراً لدى الكثيرين في المنطقة، هذا ما دفع بالمجتمع الغربي عموماً إلى إعادة قراءة ما حصل في ليبيا وما يمكن أن يحدث في سوريا إذا ما ذهب إلى نفس السيناريو، خصوصاً بعد رسالة لا لبس فيها من الروسي والصيني بأنه لن يؤيد أي قرار فيه إدانة لسوريا، بل على العكس من ذلك، ذهب الروسي والصيني إلى تبني فكرة مختلفة تماماً وهي أن النظام السوري يحارب مسلحين ومجرمين وهذا الأمر غير موجود في كل قاموس الولايات المتحدة الأميركية والدول المتحالفة معها. إذاً أدرك المجتمع الغربي عجزه عن أخذ المجتمع الدولي عموماً إلى مواجهة مع سوريا.

2-خوف الأميركي من انفجار كبير في المنطقة إذا ما بقيت الأمور على ما هي عليه. فقد تنبه الأميركي إلى أهمية وخطورة التجربة التي حدثت في 15 أيار الفائت (التحرك الفلسطيني على الحدود مع فلسطين المحتلة في ذكرى النكبة)، وأن إمكانية تكرارها موجودة وليست بعيدة أو مستحيلة سواء في لبنان أو سوريا أو مصر أو الأردن، فلم يستطع الغرب أن يستمر بعملية "البلوك" السياسي.

3-تراجع الضغط التركي الشديد على سوريا على المستوى الإعلامي والسياسي، الأمر الذي التقط إشارته الرئيس ميقاتي، فانعكس الإرتياح العام في سوريا لما آلت إليه الأمور على الداخل اللبناني.

4-تذليل بعض العقبات التي كانت مطروحة بين الفرقاء داخل التكتل الواحد، فعلى الرغم من أنها لم تكن أساساً في عدم تشكيل الحكومة، لكنها كانت ذريعة لعدم تشكيلها.

5-استدعاء أو غياب أو تغييب سعد الحريري عن الساحة اللبنانية، فلا تصريح ولا إعلام ولا بيان ولا أي حركة ميدانية، والبعض يقول أنه في إقامة جبرية، وعلى ما يبدو هناك شيئاً ما رتّب من بعض الدول العربية. وأياً كان الوضع، يمكننا القول إن هناك غياب له الكثير من علامات الاستفهام ساهم بشكل أو بآخر في تخفيف حدة المواجهة.

إذاً تشكلت الحكومة وأفقدت فريق الرابع عشر من آذار توازنه، وهذا التوازن لن يستعاد في ظل الثنائية التي تحكم اليوم المناخ السياسي لقوى المعارضة الجديدة، أي جعجع والجميّل، وخاصة في ظل غياب الحريري الذي لن يفلح بعض رجال الدين المتطوعين الآن في حملاتهم الإعلامية بأن يكونوا بديلاً عنه بأي شكل من الأشكال.

في الجزء الثاني من التقرير: كيف سيكون شكل البيان الوزاري القادم؟ ما هي الإستحقاقات التي تنتظر حكومة ميقاتي؟ كيف سيواجه الضغوطات الغربية؟ وهل سيصمد في وجهها؟