27-11-2024 10:24 AM بتوقيت القدس المحتلة

"فانتازيا فلسطين" تعترض على إنهاء دور مسيحييها ..!

مجموعة شباب "خيبة بن غوريون"، هم شبان وشابات مسيحيون يعيشون في رواية"مفتاح لنجوى"، أعادوا لدارين الإيمان الراسخ بأن فلسطين جزء من وجدانهم ولن يتخلوا عنها أبداّ

فلسطين المحتلة ... رسم كاريكاتيري للشهيد ناجي العلي هل أصبحت قضية فلسطين جزءاً من شكل الفانتازيا التي تتحكّم اليوم بالإعلام العربي، والتي بدأت تطفو على سطح الرواية العربية؟!!.. الفانتازيا التي يجيدها اليوم العرب ليست من نسق المفهوم الغربي لهذه الكلمة، والتي قد تعني وجهاً من وجوه ما بعد الحداثة.

الفانتازيا بالنسبة إليهم هي ولوج الخيال لتسفيهه، وقتل الإنسان وإبداله بأخر "رقمي" لا شيفرة له ولا لون، تصنعه سياسات الأنظمة المتصهينة. فعلى ما يبدو، مؤخراً، لم تعد قضية فلسطين تغري الأدباء الروائيين بالعمل والانتاج، اللهم إلا قلة منهم.

الدكتورة والروائية اللبنانية فاتن المر، تمارس الفانتازيا على طريقتها الخاصة، لتتقصد إدخال قضية فلسطين إلى هذا العالم الخيالي والإفتراضي المبهر، وكأني بها تقول "فلسطين لا تزال حية تنبض رغم أسرها وبإمكانها أن تحتل الصدارة في أي عالم".
"فاتن المر"، يمكن أن نعدّها بحق الروائية الأولى التي تلجأ إلى استخدام "الرسائل الالكترونية"، الممثّل الحيوي للعالم الإفتراضي، في أول رواية عربية - لبنانية وموضوعها يختص بفلسطين القضية والرمز.

في رواية شيقة، "مفتاح لنجوى"، تحكي قصة فتاتين من فلسطين،إحدهما مسلمة والأخرى مسيحية، تروى لنا إلى جانبها قصة "عمة دارين" العجوز الفلسطينية، التي أحبت رجلاً في شبابها ثم اختفى، ورحلة البحث عنه استغرقت عمراً كاملاً، فأضحت رمزاً لحكاية الأرض التي سُرقت من أهلها وأجبروا على نسيانها والكفّ عن المطالبة بها، بهذا المعنى الحبيب الضائع هنا هو فلسطين، فهل عادت العمة ووجدت حبيبها في نهاية الرواية؟!..

توجهّ "موقع المنار"، في مناسبة اليوم الإعلامي المفتوح لدعم القضية الفلسطينية"، إلى بقاع لبنان الأشم، خزّان المقاومة، حيث تستقر أديبتنا العزيزة وتعلّم في مدارج فرع الآداب، الأدب الفرنسي تحديداً، وأجرى معها هذا الحوار "الفلسطيني" بجدارة :

غلاف رواية مفتاح لنجوى لفاتن المرنحو إعادة بناء الذاكرة الفلسطينية :

موقع المنار: لماذا تعمدتِ أن يكون اسلوب روايتك "مفتاح لنجوى" تجسداً للوسيلة الأكثر حداثة وهي البريد الالكتروني، الذي يختصر المسافات الزمنية، هل يمكننا أن نعدّ روايتك ضمن رواية ما بعد الحداثة؟!

- أنا لم أسع إلى إدراج روايتي ضمن أي تيار. إن الأسلوب الذي اخترته يشبه ما كان يسمى في الماضي رواية المراسلة اي التي تنقل رسائل بين شخصيتين او أكثر، ولكنه يترجم وسيلة التواصل الحديثة خاصة بين الشباب، فنحن أحيانا نجدهم جالسين في الغرفة نفسها ويتخاطبون بواسطة الرسائل النصية والرسائل الإلكترونية. لذلك كانت الرواية عبارة عن مجموعة من الرسائل المتبادلة بين صديقتين يافعتين، دارين ونجوى.

موقع المنار: من هي دارين، ومن هي نجوى، أنت تصورين دارين المسيحية بأنها صعبة المراس ومزاجية وأنها تقريبا تعيش بشكل مستقل عن أهلها، ألا تدعين بذلك المرأة للتمرد على تقاليد لا تزال "مقدسة" في نظر المجمتعات الدينية؟.

- ليس للدين علاقة بالطبع بتاتاً. اخترت أن اذكر الديانة في إطار محدد وهو إطار الفلسطينن الذين منحوا الجنسية اللبنانية بينما حجبت عن الآخرين، وكانت شخصية دارين شخصية محببة، بسبب تمردها على أهل سعوا إلى تناسي انتماءهم إلى الأرض التي هجروا منها، فسلكت الطريق المعاكس وراحت تعيد بناء الذاكرة التي حجبت عنها، لتعيد صياغة هوية متصالحة مع التاريخ وتمتلك رؤية واضحة إلى المستقبل. أما نجوى التي تعيش في مخيم شاتيلا، فقد أرهقها الفقر والقهر والغضب ممن يستغلون القضية للوصول إلى مآرب شخصية وممن يقعون في فخ الكلام ويخرجون عن مسار القرار فيصبحون مهمشين، بدأت نجوى، في أول الرواية بسلوك اتجاه معاكس للاتجاه الذي كانت دارين تسلكه، فهي كانت تعمل بكل ما أوتيت من قوة على الخروج من المتاهة التي يضيع فيها  عدد من الفلسطينيين الشباب في المخيمات، ولكن الطريقين يصلان في نهاية المطاف إلى نقطة التقاء تجسد قناعتهما بضرورة الصراع للخروج من الواقع الذي فرض عليهما.

- أما بالنسبة إلى التمرد، فأنا أدعو إلى التمرد على كل ما يمكن أن يعيق نهضة الأمة ووحدتها. وقد لا يكون الأهل دائماً أكثر علماً من اولادهم بما يؤمن مصلحتهم ومصلحة المجتمع.

هل إستعادة فلسطين أمر مستحيل ؟ :

موقع المنار: تصورين نجوى الفلسطينية المسلمة التي تريد الهروب من واقع المخيم المؤلم ومن ذكريات وطنها السليب بالذكريات الاليمة التي يحملها أهلها المهجرون، ولا تتركين أمامها بابا للامل، هل ترين أن استعادة فلسطين امرا مستحيلا؟.

- بل على العكس. هي بنظري أقرب من أي وقت مضى. في رواية "مفتاح لنجوى" أردت أن أخرج فلسطين من جو المأساة، فكان أولاً  المرح الذي يتجلى بين سطور رسائل الصبيتين، وكانت أيضاً الخاتمة السعيدة، في قصة العمة أولاً، العمة التي تلتقي بحبيبها بعد طول بحث، وفي اهتداء نجوى ودارين إلى مجموعة شباب أطلقوا على تحركهم اسم "خيبة بن غوريون" إذ أحبطوا نبوؤته في أن "الكبار يموتون والصغار ينسون". لم يمت الكبار قبل أن يورثوا حكاياتهم عن فلسطين وحلمهم بالعودة إلى أبنائهم، والصغار لم ينسوا، أو هذا ما أتمناه. ولكن أمنيتي هذه ليست مستقاة من عالم الخيال، بل هي تنقل واقعاً مثيراً للإعجاب. في نهاية الرواية، يخطط الشباب لما يسمونه ثورة المفاتيح وقد استوحيت تحركهم هذا من المسيرة إلى الشريط الحدودي في الخامس عشر من أيار حيث هجمت مجموعة من شباب الجيل الثالث الفلسطيني في لبنان على الشريط متحدين رصاص جنود العدو واستشهد عدد منهم.

كان ذلك برأيي مشهداً أرعب العدو وبرهن له عن فشل خططه التي سعت إلى جعل الزمن الذي يمر يبعد أصحاب الحق عن المطالبة بحقهم. أما نجوى، فهي تسلك في النهاية المنفذ الذي يتبدى من خلال تحرك أصدقائها الشباب. لذلك حملت الرواية عنوان "مفتاح لنجوى"، فهي تتسلم، بعد رفض وعناد، المفتاح الرمز من صديقتها التي ما فتئت تردد أن استرجاع الماضي الفلسطيني المسطر بالبطولات هو وسيلة للتصالح مع حاضر مأزوم وللبحث عن مخرج من المتاهة.

الروائية فاتن المر توقع روايتها مفتاح لنجوى في معرض الكتاب العام الماضيموقع المنار: تتوسعين في سرد الألم الفلسطيني في لبنان والمجازر التي تعرض لها هذا الوجود، ما الذي أضفته في روايتك هذه عن روايات أخرى تعرضت للموضوع نفسه؟.

- لا تكفي كل المكتبات في العالم لسرد الظلم الذي لحق بالفلسطينيين. وأنا، بكل تأكيد، لن تكفيني رواية واحدة لأعبر عن رفضي وألمي وأملي في كل ما يتعلق بفلسطين. ما تحمله هذه الرواية من جديد هو رؤية معاصرة لوضع الشباب الفلسطينيين اليوم بعد مرور هذا الوقت على النكسة والنكبة والتهجير  وأزمات لا تحصى حلت بأهلهم وتأرجح لا ينتهي بين الأمل والخيبات.

من جهة أخرى، ما قمت به ويقوم به بعض الكتاب الذين يصرون على كتابة أدباً ينقل هذا الواقع هو نقطة ماء تكاد لا ترى وسط بحر من هجمة ثقافية موجهة من عقول تخطط لتمحو فكرة المقاومة والصراع من أدبنا وفننا. قلت في أحد المؤتمرات حيث التقى عدد كبير من الكتاب في العالم العربي انني أشعر بأنني طائر يغرد خارج سربه إذ برز في الأدب اليوم توجه إلى الاستغناء عن القضايا الكبرى وتوجيه الأنظار نحو شؤون هامشية. لهذا السبب أرى أنه من الضروري أن تنشأ مؤسسات ثقافية تعمل على تشجيع الأدب المخلص لقيم المقاومة وعلى نشره وعلى التفكير بخطط لمواجهة الهجمة الثقافية المنظمة التي تشن علينا من قبل قوى تدرك أهمية الثقافة في التاثير على رؤية وحياة كل الشعوب. نحن، إلى الآن، نكتفي بالمواجهة بواسطة أسلحة بدائية ومن دون إمكانات فعالة.

- الزمن أصبح زمن المقاومة :

موقع المنار : البكاء على الماضي، والتحسر على الماضي سمة أساسية ملاحظة في روايتك، ألا تعتقدين أننا بصفتنا شعبا عربيا شبع من هذا التحسر، وأن الزمن أصبح زمن المقاومة وزمن تحويل الحلم إلى حقيقة؟..

- هذا بالتحديد ما يحصل مع نجوى، الشخصية التي تعبت من الدوران ضمن دائرة الألم والتعبير عنه وسعت إلى الخروج من تلك الدائرة بواسطة منافذ سدت في وجهها لأنها كانت منافذ مزورة، أو على الاقل لا تشكل مخرجاً حقيقياً،  ولكنها في النهاية تهتدي إلى ما يبدو لها ولأصدقائها سبيلاً للصراع. إنها وسيلة يجترحونها من عمق الوضع العقيم الذي يعيشون فيه.

موقع المنار: تروين حكاية صديقتين كلتهما من فلسطين، دارين المسيحية ونجوى المسلمة، ماذا اردت القول من ذلك؟!

- أردت بشكل أساسي أن أكون صريحة في تسليط الضوء على ما نخجل من ذكره صراحة وهو اختلاف النظرة إلى قضايا الحق والأرض والعدو بين المجموعات المختلفة في وطننا. وهذا شأن شديد الخطورة. كيف يمكن لشعب أن يعيش في مجتمع واحد وهو لا يملك نظرة موحدة إلى القيم الكبرى التي تحكم وجوده؟ يمكن للنظرة إلى القيم أن تكون نسبية وأن تختلف بين مجتمع وآخر ولكن ليس ضمن المجتمع الواحد. هذا هو بيت الداء في مجتمعنا. لا نتفق حول هوية عدونا، ومن هو العدو ومن العميل، وحول شكل الوطن الذي نريد أن نحيا فيه.

موقع المنار: أنت تصورين نمطاً من الصداقة بين امرأتين نعتقد أنه لم يعد موجودا بالقدر الكافي في زمننا الراهن، رغم نقاشهما المستمر على صفحات الرواية، أو لم تعد الصداقة جسرا للوصول إلى الأخر؟.

- ربما أنت على حق في سؤالك... أنا أفكر دائماً في الأسباب التي تؤدي إلى الانقسامات في حياتنا، يبدو أن الشقاق يخيم بظله على كل العلاقات. يكاد واحدنا أن لا يتفق مع نفسه. نحن نفتقد كثيراً لمفهوم الحوار، لا نعرف كيف نتحاور، يعمينا الغضب والتعنت والعنف ونسارع إلى إطلاق الأحكام القاسية على كل من يختلفون عنا بالرأي. أما في ما يتعلق بوسائل التواصل، فيبدو لي أنها وصلت إلى النتيجة المناقضة لتسميتها إذ باعدت بين من يلجأون إليها بشكل مبالغ فيه كما يحصل مع أكثرية الشباب، لذلك جعلت نجوى ودارين تعكسان مسار التواصل وتحولان الرسائل الهاتفية والإلكترونية جسراً تعبران عليه نحو صداقة جميلة.

- المسيحيون الفلسطينيون يؤكدون "خيبة بن غوريون" :

الأمل الوحيد للعودة هو المقاومةموقع المنار: تقولين على لسان نجوى أن المسيحيين الفلسطينين الذين يؤمنون بقضية بلدهم"فئة تنقرض"، ولكنك في الآن نفسه لم تتطرقي للأسباب، أو ليس كان حري بك ذلك؟!.

- أقول ذلك على لسان دارين . أو بالأحرى هي تقول إنها ظنت ذلك وتبين لها أن ما اعتقدته غير صحيح بعد أن التقت بمجموعة شباب "خيبة بن غوريون". أعود وأكرر أن مسألة الدين لم تطرح في الرواية إلا لتسليط الضوء على الاختلاف في المعاملة الني لقيها الفلسطينيون بناء على خلفية طائفية وحسابات أرى أنها كانت سبباً في خراب وطننا وعلى التخلف وفقدان الهوية الناتج عن الانصياع لتوجيهات تخدم مصالح صغيرة لقادة يتلاعبون بالغرائز الطائفية. لا يمكن للرواية أن تطرح افكاراً ومبادئ يتفق حولها الجميع، إذ تصبح عندها رواية تلقينية لا قيمة أدبية لها ولا تنقل بالفعل واقع المجتمع.

الرواية تضم بشكل أساسي شخصيات تطرح أفكاراً إشكالية، تتحاور حولها الشخصيات. اما الأدب المطلوب من كل من يحمل الهم الوطني فهو أدب يسلط الضوء على المشاكل والأزمات، فالأديب يحمل مسؤولية كبرى. في وطننا، حيث وجودنا الثقافي والفعلي مهدد من قبل عدو يخطط على المدى البعيد ليفرض علينا وعلى العالم ثقافة تتناسب وأغراضه، ليس الأدب الملتزم بالنسبة لنا ترفاً أو خياراً، بل هو ضرورة حيوية.