الدراسة لم تكن مسابقة بين الدول في الترتيب. كانت محاولة لتقييم أوضاع المرأة في البلدان العربية التي لا يمكن اعتبارها جيدة في أي من بلدان الوطن العربي
قال له في لهجة لا تخلو من الشماتة «أختك مع الواد عضمة تحت شجرة المانغا اللي هناك». بدا عليه الغضب ونفرت عروق وجهه وهو ينطلق صوب الشجرة المزعومة ثم يعود أكثر غضباً ويقول لمبلغه «يا بن الكلب يا مفتري دي شجرة جميز مش مانغا».
مصطفى بسيوني / جريدة الأخبار
هل تبدو هذه النكتة مضحكة؟ لن تبدو كذلك إذا نظرنا إلى بعض ردود الأفعال التي انطلقت فور إعلان مؤسسة طومسون «رويترز» عن دراستها عن أوضاع المرأة في الأقطار العربية. الدراسة وضعت مصر في ذيل القائمة كأسوأ دولة في ما يتعلق بأوضاع المرأة لما تعانيه من تحرش واضطهاد وتهميش وإفقار وإهمال وشتى أنواع الانتهاكات.
الحقيقة أنّ وضع المصرية سيء بالفعل، وما تعانيه في المنزل والشارع والعمل لا يحتاج لدراسة «رويترز» لتأكيده. لا يخفى على أحد أنّ سير امرأة في شارع مزدحم أصبح مغامرة تعرّضها لانتهاكات تفوق ما يمكن وصفه. كذلك الأمر في وسائل المواصلات. لكن العديد من ردود الأفعال لم تكترث كثيراً لمناقشة وضع المرأة المصرية، لكنها تركزت على وضع ترتيب مصر بعد بلدان قبلية وملكية تفوق معاناة المرأة فيها معاناة المرأة المصرية، معتبرةً هذه الدراسة مغرضة ومنحازة وغير دقيقة. هذا المنطق الذي يتجاهل القضية الأصلية ويحاول الفرار لأي تفريعة هامشية هو ما فكر به ذلك الرجل الذي قرر أنها «شجرة جميز مش مانغا».
هي بالضبط عقلية المتواطئ الذي سيبرر أي شيء ويهرب من أي حقيقة مهما كانت ظاهرة وواضحة. بالتأكيد وضع المرأة في دول مثل اليمن وليبيا والسعودية وغيرها من الدول العربية ليس متميزاً. لا بد من أنّ حجم معاناتها ضخم. ولكن ماذا سيفيد المرأة المصرية إذا وضعت مصر في الترتيب قبل اليمن أو بعدها؟ هل سيعني ذلك أي تحسن في وضعها المتردي؟ الدراسة لم تكن مسابقة بين الدول في الترتيب. كانت محاولة لتقييم أوضاع المرأة في البلدان العربية التي لا يمكن اعتبارها جيدة في أي من بلدان الوطن العربي من المحيط إلى الخليج. التنافس على الترتيب هنا لا يعني شيئاً. وتجاهل ما ورد في الدراسة من أوضاع حقيقية تعيشها المرأة المصرية يساوي تماماً أن نقول إنّها «شجرة جميز مش مانغا».
حتى إذا قارنا وضع المرأة المصرية بوضع المرأة في أي بلد، يجب أن نضع في الاعتبار الدور الهام الذي لعبته نساء مصر من كافة الطبقات والمستويات الاجتماعية من أجل تغيير الأوضاع. لقد قادت المرأة المصرية ونظمت الإضرابات العمالية وأسست النقابات المستقلة في طول مصر وعرضها. لقد استشهدت فلاحات مصريات دفاعاً عن الأرض في مواجهة تطبيق قانون الإيجارات الزراعية الذي أتاح نزع الأراضي الزراعية من الفلاحين الفقراء لصالح كبار الملاك. في ليال متتالية، باتت المرأة تحرس ميدان التحرير ومختلف ميادين الثورة ووقفت بشجاعة تفوق شجاعة الرجال ضد سرقة الثورة. واجهت بتحدٍّ كشوف العذرية والانتهاكات الجسدية والنفسية التي تعرضت لها. تحدّت المتظاهرات المصريات حسني مبارك وتحمّلت هتك الأعراض والاغتصاب لإعلان رفض ترشح مبارك وتوريث نجله الحكم. وقفت النساء بمنتهى التحدي في عهد الاستبداد وعهد الثورة وفي كل مكان في مصر.
ألم يكن ذلك كافياً لكي تحظى المرأة فقط بمرور آمن في شوارع القاهرة وميادينها؟ عندما نضع الثمن الذي دفعته المرأة المصرية من أجل تحرير كل المجتمع، سنجد أن دراسة «رويترز» متواضعة جداً في تقديراتها لأنه لا يوجد مجتمع قامت فيه المرأة بما قامت به في مصر، وعندما نضع في اعتبارنا نضال المرأة المصرية، سيفوق حجم الظلم والاضطهاد أضعاف ما تحدثت عنه دراسة «رويترز».
العقول التي تبادر بإلى التعليق على دراسة «رويترز» بأننا لسنا أسوأ من اليمن وليبيا والخليج هي نفسها التي بادرت إلى اتهام الضحايا وقالت بمنتهى البرود «إيه اللي وداها هناك»، عندما فجع المجتمع المصرية بتعرية فتاة من الثوار وضربها من قبل الجنود في ميدان التحرير، وهي العقول التي ترفض أن ترى أي حقيقة وتتواطأ على الباطل وعلى أي جريمة وتبحث عن أي مبرر لها.
لم تفضح دراسة «رويترز» وضع المرأة المصرية فحسب، بل فضحت تلك العقول المتواطئة التي ستبرر أي شيء وستتغاضى عن أي جريمة وستبحث عن أي مهرب حتى لا تواجه حقائق تفقأ العيون. ستقول على أي ضحية «إيه اللي وداها هناك» وسترد على أي كارثة «دي شجرة جميز مش مانغا».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه