ابرز ما جاء في الصحف الصادرة في بيروت صباح اليوم الاثنين 2/12/2013
رصدت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم التطورات الامنية على الساحة اللبنانية، ولا سيما المعارك الدائرة منذ يومين في مدينة طرابلس والتي راح ضحيتها اكثر من عشرة ضحايا وعشرات الجرحى. وكان لهذه الصحف متابعات لابرز التطورات السياسية على صعيد الازمة المستمرة في سوريا.
الاخبار
طرابلس تشتعل: 10 قتلى وتهديدات متبادلة بالحصار
انفجرت طرابلس مجدداً. استحالت الاعتداءات المتكررة على «علويّي جبل محسن» فوضى مسلّحة. عمليات كرّ وفرّ استُخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والصاروخية. هكذا، بعد انقضاء شهر على جولة العنف الأخيرة، اندلعت حربٌ جديدة في عاصمة الشمال راح ضحيتها أكثر من 50 بين قتيل وجريح
لم تهدأ طرابلس بعد. حدة الاشتباكات مستمرة طالما أن تغذية المسلحين بالذخيرة مستمرة. هكذا اعتاد القاطنون في العاصمة الشمالية. يسكت أزيز الرصاص، فيخرج هؤلاء بعدها يُلملمون جرحاهم وقتلاهم، ثم تعود الحياة كأنّ شيئاً لم يكن. وكذلك يعود ضبّاط الاستخبارات والمعلومات إلى مراكزهم من دون أي محاسبة بشأن السلاح والمسلّحين، وأيضاً، كأنّ شيئاً لم يكن.
طرابلس تشتعل. المسؤولية في الدرجة الأولى تقع على «أولياء الأمن» قبل «أولياء الدم». يضاف إلى ذلك التسيّب الأمني مصحوباً باحتقان سياسي ومذهبي كبير، وانقسام سياسي خرج هجاءً عبر وسائل الإعلام. وفي ظل غياب أي علاج جدّي للوضع المتدهور، بدءاً من ترك المعتدين والمجرمين يسرحون ويمرحون من دون محاسبة، كان لا بدّ لجولة العنف الـ 18 من أن تندلع بين باب التبانة وجبل محسن.
قرابة التاسعة من صباح السبت، وبينما كان وسيم الخطيب عائداً إلى منزله في جبل محسن، أطلق مسلّحون معروفون النار على قدميه في منطقة المنكوبين المجاورة، فانضم إلى 35 آخرين أُصيبوا. هذا الاعتداء فجّر الوضع ودارت اشتباكات على كل المحاور. فسُجّل في اليوم الأول سقوط 6 قتلى و29 جريحاً، منهم 7 عسكريين وضابط، قبل أن يستقر الرقم النهائي حتى مساء أمس على 10 قتلى وأكثر من 40 جريحاً.
أولياء الدّم في التبانة والجبل
في موازاة ذلك، طالب بيان حمل توقيع «الجناح العسكري لأولياء الدم وكل الشرفاء في طرابلس»، وزع على مواقع التواصل الاجتماعي، بـ«قطع الكهرباء والماء عن جبل محسن، ومنع دخول شاحنات النظافة إليه، ومنع الدخول والخروج لأي كان، وأن كل سكان الجبل مستهدفون إلى حين تسليم المجرمين من آل عيد والمتورطين في جريمة تفجير المسجدين». وحذّر من «أن كل من يحاول مساعدتهم أو التغطية عليهم هو هدف مشروع لنا». تبع هذا التصعيد غير المسبوق على صعيد الصراع التاريخي بين المنطقتين، صدور بيان حمل توقيع «شباب باب التبانة»، أعلنوا فيه أن «أي شخص يريد الخروج من جبل محسن سيتعرض للقتل»، محذّرين أصحاب المحال والشركات التي لديها عمال من جبل محسن بأنها «ستتعرض للأذى من قبل شباب التبانة إذا لم تصرفهم». قوبل التصعيد بتصعيد أكبر في جبل محسن. فقد هدد «قادة المحاور في جبل محسن»، وهو تنظيم يظهر للعلن للمرة الأولى في المنطقة، بأنه «ابتداءً من اليوم ( الاثنين)، فإن مدينة طرابلس ستكون كلها مرمى لعملياتنا، وسنقوم بالرد على أي اعتداء باعتداء مضاعف»، معلنين تأييدهم لما جاء في بيان أولياء الدم في جبل محسن، الذين هددوا بأنهم «لن يسمحوا بعد اليوم بأي اعتداء على أي مواطن في جبل محسن ولا على أي منشأة أو مؤسسة يملكها ابن جبل محسن، وأن ردنا سيكون في كل لبنان وأذرعنا طويلة». كما أعلنوا «فرض حصار كامل على مدينة طرابلس حتى تسليم كل من حرّض وهدر دم أبناء جبل محسن إلى القضاء بتهمة القتل، وسنلاحق أي طرابلسي». «وأولياء دم» الجبل هم عوائل الشبّان الـ ٣٥ الذين أُطلق الرصاص على أرجلهم.
عنف على كل المحاور
وكادت الاشتباكات أن تؤدي إلى وقوع مجزرة نتيجة احتجاز تلاميذ «مدرسة لقمان» في باب التبانة في صفوفهم، لولا تدخل الجيش لنقل التلاميذ والمعلمين بواسطة ملالاته إلى مناطق آمنة.
كذلك لم تتوقف الاشتباكات العنيفة طيلة يوم أمس على كل المحاور المحيطة بمنطقة جبل محسن، في باب التبانة والمنكوبين وريفا والقبة ومشروع الحريري وطلعة العمري والحارة البرانية، ما أدى إلى سقوط 3 قتلى في محيط مدرسة «نهج البلاغة» في باب التبانة، واحتراق بعض المنازل والسيارات والمحال التجارية نتيجة تبادل القصف بالقذائف الصاروخية (ب 7 وب 10). كما أقفلت الأسواق الرئيسية القريبة من مناطق الاشتباكات، وتحديداً سوقي القمح والخضر، وقطعت طريق طرابلس ـــ عكار الدولية نتيجة تعرضها لرصاص القنص، وصرفت المدارس القريبة من مناطق التوتر طلابها، في حين ألغت مدارس أخرى، بعيدة عن خطوط التماس، ساعات تقوية إضافية لتعويض الطلاب عما فاتهم من دروس بسبب اشتباكات الجولة السابقة. وأُفيد مساءً عن وقوع انفجار في بناية الحلبي في جبل محسن أدى الى انهيار ثلاث طبقات منها، من دون أن يُفاد عن وقوع إصابات. وقد أعلن المسؤول الإعلامي في الحزب العربي الديموقراطي عبد اللطيف صالح أن مسلحين من التبانة عمدوا الى تفخيخ المبنى وتفجيره، لافتاً الى أن الدفاع المدني لم يتمكن من الوصول الى مكان المبنى بسبب كثافة النيران.
وفي ردود الفعل، رأى رئيس كتلة المستقبل الرئيس السنيورة «ان هناك حاجة من أجل اتخاذ قرارات حازمة، حتى لو اقتضى الأمر تغيير رؤساء الأجهزة الأمنية والعسكرية في المدينة ». أما النائب خالد الضاهر، فأعلن أنه «إذا لم تقم أجهزة الدولة الرسمية خلال 48 ساعة بإيقاف هؤلاء القتلة والمجرمين ومن يطلق النار على طرابلس، فإنني سأكون مع الشعب في الدفاع عن نفسه». وبعد تردد شائعات عن وجود عناصر وخبراء عسكريين من حزب الله في جبل محسن، أصدر الحزب بياناً أدان فيه «الادعادات الباطلة التي لا تستند إلى أي أساس أو دليل». واعتبر البيان أنّ: «حزب الله يرى أن الحل السياسي المدعوم من الجميع هو الذي ينهي هذا النزف القاتل في المدينة، ويوقف العصابات الإجرامية عن التمادي في اعتداءاتها بحق المدينة وأهلها».
النهار
طرابلس: الجولة الـ 18 تهدّد السلم الأهلي
على رغم تواتر معلومات من مصادر رسمية عن سعي جدي لتوفير حل يعيد طرابلس الى أجواء الهدنة ليس أكثر، فان الجولة الـ 18 كانت بمثابة الانكشاف الشامل المخيف للوضع. سقطت الدولة هناك، ومعها كل المرجعيات والقيادات، لتصير المدينة رهينة قادة محاور لدى الطرفين المتصارعين بما ينذر بانجرارها الى حرب أهلية استعملت فيها في اليومين الاخيرين كل أنواع الاسلحة بما فيها التفجيرات والقنابل المضيئة ليلا. وكانت حصيلة أمس 15 قتيلا ونحو 40 جريحا، منهم 9 جرحى للجيش بينهم ضابطان. وعلمت "النهار" ان أحد العسكريين الجرحى في حال حرجة. وفي الحصيلة ايضا مزيد من الاحتقان السياسي المذهبي الطائفي، اضافة الى ضعف الثقة بالاجهزة الامنية وبدورها عبّر عنه مفتي المدينة الشيخ مالك الشعار الذي قال: ان "جميع قادة المحاور في طرابلس في أحضان الاجهزة الامنية والاجهزة الامنية تعلم علم اليقين كل ما يحدث وفي أي محور وهي على علاقة بما يحدث بطرابلس".
ابتداء من اليوم ستكون الامرة كاملة للجيش اللبناني لضبط الوضع، علما ان الجيش يسابق الانهيار الشامل بعمليات دهم من الجانبين، لكن الشكوك كبيرة في قدرته على ضبط التدهور الكبير سريعا. والقرار الذي تحدث عنه الرئيس نجيب ميقاتي اثر الاجتماع الامني السبت كان صحيحا، وسيترجم اليوم بمرسوم عن رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الاعمال لتكريس هذه الامرة، اضافة الى قرار بارسال 600 رجل من قوى الامن الداخلي والامن العام الى المدينة.
لكن الواقع الميداني يختلف كثيرا عن واقع الاجتماعات، فالتصعيد على الارض وفي التهديد بفرض حصار على مدينة طرابلس بدءا من صباح اليوم ممن سموا أنفسهم قادة المحاور في جبل محسن، والذين أعلنوا في بيان نيتهم "فرض حصار كامل على مدينة طرابلس حتى تسليم كل من حرض وهدر دم أبناء جبل محسن"، جعل منسوب التوتر مرتفعا ليل امس، اذ استعد قادة محاور التبانة لنهار جديد يتوقعون فيه اشتداد وتيرة القصف ليطاول شوارع في المدينة من خارج محاور القتال المعهودة. وأبلغ أحد قادة محاور التبانة "النهار" ليلا ان "لا مؤشرات لحلول. لم يتصل بنا أحد حتى الساعة ويطلب الاجتماع معنا للنظر في وقف النار. القذائف تتساقط علينا ولا يمكن ان نواجهها بالتهدئة".
أما المسؤول في "الحزب العربي الديموقراطي" أحمد فضة فقال لـ"النهار" إنه لا يمكن تأكيد صحة البيان الذي هدد بحصار المدينة من اليوم و"لكن نؤكد كحزب ان الامور خرجت من أيدينا بعد سلسلة الاعتداءات على أهالي الجبل الذين يقومون الآن بحركة شعبية غير منظمة للدفاع عن أنفسهم".
وأكد عضو المجلس الاسلامي العلوي الشيخ أحمد الضايع صحة المعلومات المتداولة عن التصعيد في اتجاه حصار طرابلس. وقال لـ "النهار": "ناشدنا الدولة والجميع ومنهم خصومنا ان يتوقفوا عن الاعتداء على أبناء الجبل، وعن فرض حصار علينا، لكن دون جدوى، وكان كل يوم جديد يحمل قصة اعتداء جديد على أهلنا الذين طفح بهم الكيل وبدأوا الدفاع عن أنفسهم، وهم ذاهبون الى الاخير لمنع تكرار الاعتداءات عليهم ما دامت الدولة لم تستطع حمايتهم". وتوقع الضايع تصعيداً للمعركة الدائرة، معتبراً بدوره ان الامور خرجت من السيطرة.
في المقابل، رأى الشيخ نبيل رحيم في اتصال مع "النهار" ان "الحزب العربي الديموقراطي" يرتكب "مجزرة في حق أبناء طرابلس، فقد سقط لنا 14 شهيداً حتى اللحظة، وأصيب أكثر من 40 شخصاً بجروح". وقال إن الجيش يرد على مصادر النيران، مشيراً الى عدم مشاركة كل القوى المسلحة الطرابلسية في المعركة الدائرة حتى اللحظة. وحذر من تفاقم الامور مع استمرار سقوط الشهداء والتهديد بحصار طرابلس.
الجسر
في المقابل، صرح نائب طرابلس عن كتلة "المستقبل" سمير الجسر لـ "النهار" بأن هناك "بصيص ضوء" يمكن ان يشكل نقطة انطلاق لمعالجة التدهور في المدينة وذلك انطلاقا من قرار اتخذ بـ"توحيد أمرة القوى الامنية واسنادها الى الجيش"، متوقعا ان يصدر اليوم مرسوم عن رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الاعمال لتكريس هذه الامرة. وأضاف ان هناك قرارا آخر بارسال 600 عنصر من قوى الامن الداخلي والامن العام الى المدينة سيتابعه وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال مروان شربل وذلك لتسلم المهمات التي ليست من اختصاص الجيش. ولفت الى ان هذه الخطوات تمت بالتشاور المباشر بين ميقاتي وسليمان وقائد الجيش العماد جان قهوجي. وأعرب الجسر عن الامل في "تحقيق تقدم من شأنه اسقاط الذرائع التي تحول دون الامساك بزمام الموقف واعطاء الجيش الامكان للقيام بدوره كاملا".
برّي
وشكل الوضع في طرابلس محور حركة الاتصالات. وكشف الرئيس نبيه بري انه كان أبلغ الرئيس ميقاتي "ضرورة عدم ترك الوضع في طرابلس على هذا المنوال". ووضع أمامه خريطة طريق تتمثل ببقاء ميقاتي وسائر القيادات في المدينة أكثر أيام الاسبوع والتفرغ لمشكلات المدينة، وتبديل قادة الاجهزة الامنية وصولا الى رؤساء المخافر وعدم الوقوف في وجه وحدات الجيش وتمركزها في سائر الاماكن، والمطلب الاخير كان دعا اليه الرئيس فؤاد السنيورة وأيده فيه بري.
القوات النظامية سيطرت على غرب النبك المقداد: حلول جنيف لن تتم إلا بموافقة الأسد
قتل 24 شخصا على الاقل في غارة شنتها مروحيات النظام السوري على مدينة الباب في محافظة حلب هي الثانية في 24 ساعة، فيما سقطت قذيفة هاون صباحا على المدرسة الفرنسية في دمشق من غير أن توقع اصابات.
وأفاد "المرصد السوري لحقوق الانسان" الذي يتخذ لندن مقراً له ان القوات السورية النظامية سيطرت على القسم الغربي من مدينة النبك بالقلمون، بعد انسحاب "جبهة النصرة" وكتائب إسلامية مقاتلة و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" منه، في محاولة من القوات النظامية لفتح طريق حمص - دمشق الدولي بالتزامن مع قصف لمرصد صيدنايا الذي تسيطر عليه المعارضة.
في غضون ذلك، أعلن نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في مقابلة مع قناة "الميادين" التي تتخذ بيروت مقراً لها ان اي قرار لن يصدر عن مؤتمر جنيف - 2 المقرر عقده في كانون الثاني المقبل "الا بموافقة" الرئيس السوري بشار الاسد.
وقال أن "الوفد الذي سيذهب الى جنيف سيحمل تعليمات وتوجيهات ومواقف وقراءات الرئيس الأسد وإن الحلول لن تتم ايضا إلا بموافقة الرئيس الأسد". واضاف في كلامه عن جنيف - 2: "سنجلس حول الطاولة وسنتناقش دون أي تدخل خارجي ويجب أن نبحث في كل هذه المسائل وأن تكون هناك في نهاية المطاف حكومة موسعة".
وتم الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا والامم المتحدة على عقد مؤتمر جنيف – 2" في 22 كانون الثاني 2014.
ويشترط "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" عدم قيام الرئيس السوري باي دور خلال الفترة الانتقالية للموافقة على المشاركة في هذا المؤتمر، في حين يرفض النظام تماما هذا الامر.
الى ذلك، بحث الأسد مع مستشار الأمن الوطني العراقي فالح فياض، في الجهود المبذولة لايجاد حل سياسي للأزمة في سوريا وضرورة مكافحة الارهاب في المنطقة. كما تم التشاور في الاعداد لمؤتمر جنيف - 2 و"أهمية عمل الأطراف الاقليميين والدوليين لتوفير ظروف نجاحه". وتناول اللقاء أيضا أهمية العمل لتحسين الوضع الانساني في سوريا، إلى آخر التطورات الاقليمية.
المستقبل
السنيورة تغدّى عند برّي أمس ويتعشى عند الراعي اليوم
"الأمن بالتراضي" يستبيح طرابلس
بقيت طرابلس أمس، لليوم الثاني على التوالي، جرحاً مفتوحاً تحت رحمة اعتداءات "الحزب العربي الديموقراطي" على مختلف مناطقها وأحيائها، في ردّ واضح على الخطة الأمنية وعلى دعوات المدينة وفاعلياتها لأن تمسك الدولة بزمام الأمور وتضرب بيد من حديد، ونتيجة لسياسة "الأمن بالتراضي" المتّبعة وعدم اتخاذ قرار بنزع السلاح من كل المتقاتلين، بحسب تأكيد مصدر أمني.
ورغم الاجتماع الأمني الذي عقده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أول من أمس مع نواب المدينة وممثلين عن الأجهزة الأمنية والاتفاق خلال الاجتماع على توحيد القوى الأمنية بإمرة الجيش، استؤنفت الاعتداءات وعمليات القنص على كل المحاور منذ الصباح، وسط تبادل بيانات التهديد بين "أولياء الدم" في جبل محسن وفي التبانة. فيما أعلنت قيادة الجيش في بيان أن وحداتها "نفّذت عمليات دهم لأماكن تجمّع المسلحين ومراكز القناصة، وأوقفت ثمانية مسلّحين وضبطت كمية من "الأسلحة الحربية..". وقد بلغت حصيلة ضحايا جولة العنف الثامنة عشرة 12 شهيداً من المدنيين الأبرياء بينهم أطفال ونساء، و49 جريحاً بينهم ضابط و11 جندياً من الجيش وعنصر من قوى الأمن الداخلي.
ومساء أعلنت الوكالة الوطنية للاعلام، أن "انفجاراً وقع في بناية الحلبي في جبل محسن، أدى الى انهيار ثلاث طبقات منها، ولم يُفد عن وقوع إصابات". وفي وقت ادعى الحزب العربي الديمقراطي أن مقاتلين تسللوا من منطقة باب التبانة وفجّروا المبنى، رجّح مصدر أمني لـ"المستقبل" أن يكون الانفجار ناجماً عن انفجار مخزن للأسلحة عائد للحزب.
شربل
وعزا وزير الداخلية مروان شربل تجدّد هذه الاعتداءات الى ما سماه "حقداً أعمى بين الطرفين تفاقم بعد التفجيرين في طرابلس وتضاعف بعد الاعتداء على العمال العلويين". وقال لـ"المستقبل": "ان كلاًّ من طرفي القتال اصبح يريد إثبات نفوذه، المسألة تعدّت تبادل الرصاص والقذائف وبلغت حدّ تبادل التهديد بإقفال المدارس وغيرها". وختم قائلاً ان حلّ المشكلة "تجاوز قدرة الأجهزة والقوى الأمنية وبات يتطلب قراراً سياسياً كبيراً يُتّخذ في اجتماع يضم كل المسؤولين عن الاقتتال يعلنونه هم بأنفسهم، "آملاً أن تكون خطوة توحيد كل القوى الأمنية بإمرة الجيش اللبناني "حلاً لهذه المعضلة".
"المستقبل"
وبدوره اعتبر نائب طرابلس سمير الجسر أن توحيد القوى بإمرة الجيش "فرصة قد تشكّل بصيص نور كونها تقطع الطريق على كل من يرفع المسؤولية عن نفسه في مواجهة ما يحصل ويرميها على الآخرين". وأضاف لـ"المستقبل" أن الاجتماع الأمني الذي عقد أول من أمس في طرابلس "أقرّ الاستعانة بستماية عنصر قوى أمن داخلي اضافي"، داعياً الدولة الى القيام بدورها "وتوقيف المطلوبين بدءاً من المتهمين بتفجير المسجدين وصولاً الى مطلقي النار وفارضي الخوات والمتعدين على الأملاك العامة وهم معروفون جميعاً".
وفيما اعتبر المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي في تصريح لـ"المستقبل" أن ما يجري في طرابلس إنما يصبّ في محاولة البعض تغيير مناخ المدينة وهواها السياسي لصالح فريق 8 آذار في ظل حكومة نجيب ميقاتي، وهذا أمر مستحيل"، دعا في تصريح آخر ميقاتي الى "الاعتكاف ورفع الصوت واتخاذ القرار لوقف هذه الجريمة، وإلا فلن تقبل منك طرابلس أنت وكل المقصّرين أو المتآمرين من أمنيين وسياسييين أقل من الرحيل، لأن دماء الأبرياء لا ترحم".
السنيورة
وأكد رئيس كتلة "المستقبل" النيابية الرئيس فؤاد السنيورة أن هناك "من يعمل من أجل إبقاء طرابلس جرحاً نازفاً"، ورأى أن هناك حاجة "لأن تعمد الدولة الى سحب السلاح من الجميع في طرابلس"، معتبراً ان "التراخي الأمني منذ تفجيري المسجدين دفع بالبعض لأن يحاول أن يأخذ زمام الأمر بيده ولأن يستعمل السلاح للقصاص ممن ليسوا هم مسؤولون عن هذا الأمر". وقال: "هذا أمر مرفوض جملة وتفصيلاً ونعرف أنه لا يجوز لا بالقانون ولا بالشرع ولا بالانسانية، فلا تزر وازرة وزر أخرى.. وهذا يشكّل مظهراً من مظاهر تردّي دور الدولة وحضورها وهيبتها".
وكان الرئيس السنيورة زار أمس رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي استبقاه الى مائدة الغداء ودار الحديث حول الأوضاع والتطورات الراهنة، في ظلّ "أجواء ايجابية" كما قالت أوساط السنيورة.
وعلمت "المستقبل" أن السنيورة سيزور اليوم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في بكركي تلبية لدعوة على العشاء على رأس وفد من كتلة "المستقبل" لمتابعة البحث حول الاستحقاق الرئاسي والاقتراحات الممكنة للحؤول دون حصول فراغ في هذا الاستحقاق.
وكان البطريرك استقبل قبل أيام عضوي الكتلة النائبين أحمد فتفت وهادي حبيش للغاية نفسها.
فتفت
من جهته، أوضح عضو كتلة "المستقبل" النائب أحمد فتفت لـ"المستقبل" أن "وضع طرابلس سيئ جداً ومن الواضح أن هناك من يشعل المدينة بقرار ما، وهناك عدم تنفيذ للخطة الأمنية بجدية، والجدية تبتدئ بإحالة كل من علي عيد ورفعت عيد على القضاء، ومن دون ذلك لن تهدأ الأمور، والناس تشعر بالظلم ويبدو أن الوضع الراهن في المدينة سيطول جداً".
"عين الحلوة"
وفي الوضع الأمني ايضاً، توتر الوضع بعد ظهر أمس في مخيم عين الحلوة إثر اغتيال العنصر في حركة "فتح" محمد عبد الهادي عبد الحميد الملقّب بـ"السعدي"، وإصابة العنصر في "الجبهة الشعبية" عبد اليوسف بجروح.
وهذا هو الحادث الأمني الثاني الذي يشهده المخيم في غضون يومين متتاليين بعد الاشتباك الذي وقع بين عناصر من "فتح" وآخرين من "جند الشام". وقال أمين سرّ حركة "فتح" في المخيم العميد ماهر شبايطة لـ"المستقبل" إن الوضع في المخيم "متوتر جداً لكنه ممسوك حتى الآن".
اللواء
ليل طرابلس مثل نهارها: قرابة 70 قتيلاً وجريحاً برصاص القنص
برّي والسنيورة يتوافقان على السعي لتهدئة الموقف...
وسجال بين ميقاتي وريفي حول «الإعتكاف»
«الجرح المفتوح» في طرابلس، والذي زادت حصيلته يوم أمس عن 14 قتيلاً وأكثر من 50 جريحاً في تطور ميداني - عسكري لم تشهده كل الجولات السابقة، فضلاً عن تفخيخ مبان وإطلاق قنابل مضيئة في أجواء محاور القتال في التبانة وجبل محسن، ضاعف من حجم المخاوف التي تقضّ مضاجع اللبنانيين، في ضوء العجز عن السيطرة على الموقف، الأمر الذي من شأنه أن يهدد بتوسع نطاق الاشتباكات واتساع رقعة العنف والعنف المضاد أولاً، وثانياً انتقاله إلى مناطق أخرى تشهد احتقاناً متزايداً.
وكما انشغلت الأوساط السياسية وأهالي المدينة بمتابعة أخبار القصف والقنص نهاراً، تابعت ليلاً المعلومات والأنباء عن اقتحامات وتفجيرات، في ظل سجال برز بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، حول مطالبة الأخير باعتكاف رئيس الحكومة احتجاجاً على ما يجري، وتهديد النائب خالد ضاهر بالالتحاق «بالشعب للدفاع عن نفسه ما لم يتم إيقاف القتلة والمجرمين خلال 48 ساعة»، في حين طالب وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل القوى السياسية التي «تمون» على المسلحين بالطلب إلى الدولة حسم الموقف.
وإذا كان «حزب الله» نفى بصورة مطلقة أن يكون لديه خبراء على الأرض يقاتلون إلى جانب المسلحين في جبل محسن أو مناصري الحزب العربي الديمقراطي، فإن إمام مسجد «السلام»الذي تعرّض للتفجير في طرابلس الشيخ بلال بارودي نفى أن تكون هناك لجنة عسكرية لأولياء الدم، مؤكداً أن خيارهم دائماً هو الدولة وتحت سقف القانون.
وفيما كانت المعالجات الرسمية تكاد تغيب تماماً عن مسرح الأحداث، فإن اللقاء الدوري بين الرئيس نبيه بري ورئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة، ناقش باستفاضة مخاطر ما يجري في طرابلس، من زاويتين، الأولى: ضرورة حصر ذيول هذه الاشتباكات، والثانية: ضرورة اضطلاع القوى الأمنية بدورها لوقف النزف وإحالة المتورطين، سواء في تفجير مسجدي «التقوى» و«السلام» أو التعدي على العمال والمواطنين من جبل محسن وإطلاق النار على أرجلهم إلى القضاء.
وأوضحت مصادر المجتمعين أن الطرفين أكدا على ضرورة احتواء ما يجري والنأي بالمدينة عن أي صراعات.
وأكدت أن أجواء اللقاء، وهو الرابع في خلال الأشهر الثلاثة الماضية، اتسمت بالإيجابية والصراحة، وتم التوافق على استمرار التواصل ومتابعة النقاش لمختلف الملفات المطروحة، مشيرة إلى أن «لا جديد على مستوى تأليف الحكومة، وهذا الاستحقاق ما زال يراوح مكانه».
ونفت المصادر أن يكون البحث تطرق إلى زيارة محتملة للرئيس بري إلى المملكة العربية السعودية، في مسعى لتنقية العلاقات السعودية - الإيرانية، وإن كان رئيس المجلس أطلع الرئيس السنيورة على نتائج زيارته الأخيرة لطهران.
وبحسب معلومات لمصدر نيابي في كتلة «المستقبل» فإن اللقاء الذي تخلله مأدبة غداء أقامها الرئيس بري على شرف ضيفه في عين التينة، كان مناسبة لمتابعة البحث في كل المواضيع والملفات المطروحة، من موضوع الحكومة، إلى الحوار، إلى الأزمة السورية، إلى الجلسات المعطلة لمجلس النواب، إلى نتائج زيارة إيران، مشيراً إلى أن الأجواء كانت جيدة، بحسب ما أكد أيضاً الرئيس السنيورة بنفسه، وعلى متابعة اللقاءات، علماً أن هذه اللقاءات كانت تعقد بشكل دوري كل أسبوعين، إلا أن هذا اللقاء تأخر بسبب مصادفة ذكرى عاشوراء.
وأكد المصدر النيابي لـ «اللواء» أنه حصل في اللقاء شيء من التقدّم من دون أن يكون هناك اتفاق على ملف من الملفات المطروحة، مشيراً إلى أن «هذا الشيء من التقدّم لا يعني أن الرئيسين قد انتهيا من بحث ملف ما وانتقلا للبحث في ملف آخر».
وكان الرئيس السنيورة قد أكّد في خلال ندوة صحفية عقدها في مكتبه في الهلالية - صيدا، بأن هناك من يعمل من أجل إبقاء طرابلس جرحاً نازفاً، وأن هناك حاجة لأن تعمد الدولة إلى سحب السلاح من الجميع في المدينة، وأن التراخي الأمني منذ تفجير المسجدين دفع بالبعض لأن يحاول أن يأخذ زمام الأمر بيده، ولأن يستعمل السلاح للقصاص ممن ليسوا هم مسؤولين عن هذا الامر، وهو مرفوض جملة وتفصيلاً، ونعرف انه لا يجوز لا بالقانون ولا بالشرع ولا بالانسانية، فلا تزر وازرة وزر أخرى، وأن هذا يُشكّل مظهراً من مظاهر تردي الدولة وحضورها وهيبتها، مقترحاً استبدال قادة الأجهزة الأمنية الموجودين حالياً في طرابلس.
واعتبر الرئيس السنيورة أن هناك مصلحة وسريعة في أن يُبادر «حزب الله» الى الانسحاب من سوريا، اقتداء بمصلحته بداية، وثانياً لمنع المزيد من التدهور في العلاقات اللبنانية - اللبنانية، مؤكداً موقف «تيار المستقبل» المتمسك بالشراكة اللبنانية والعمل على خفض مستويات التوتر بتشكيل حكومة انتقالية، ولا سيما اننا على ابواب مرحلة انتخاب رئيس للجمهورية.
في غضون ذلك، أبلغت مصادر سياسية مطلعة «اللواء» انه مع عودة المعارك مجدداً إلى طرابلس، فان الانشغال السياسي سينحصر في كيفية تهدئة الوضع وفرض الأمن، من دون أن تستبعد بأن يشهد القصر الجمهوري اليوم اجتماعات أمنية يعقدها رئيس الجمهورية ميشال سليمان للاطلاع على سير الأحداث في المدينة، وبذل جهود مضاعفة لوقف نزيف الدم هناك.
ميقاتي
وكان لافتاً للانتباه، أمس، البيان - النداء الذي وجهه الرئيس ميقاتي إلى الطرابلسيين، وفيه تعهد باتخاذ موقف موحد بالتوافق مع جميع نواب المدينة، حيال أي خلل أو تلكؤ في تنفيذ ما اتخذ من قرارات، مشيراً إلى انه «ستكون لنا كلمة واحدة حيال ما يجري، فلا رئاسة دائمة ولا نيابة تدوم ولا زعامة تفيد ولا شيء يستحق سقوط الأبرياء وتدمير طرابلس».
وقال أن «طرابلس هي للجميع وصدرها الرحب ومحبتها تتسع للجميع. اما من يستهدفها فسيلفظه التاريخ وسيحاسب في الدنيا والآخرة على ما جنت يداه».
ونفت أوساط ميقاتي أن يكون في وارد الاعتكاف أو الرحيل، بحسب ما طالبه به أمس اللواء ريفي، مشيرة إلى أن الأخير كان مسؤولاً عن الأمن خلال 16 جولة سابقة، ولم يفعل شيئاً لوقف نزيف الدم فيها.
وكشف الرئيس ميقاتي في بيانه، أن الاجتماع الموسع الذي انعقد في دارته في طرابلس السبت في حضور وزير الداخلية ونواب المدينة والقادة الأمنيين، اتخذ فيه قرار، بعد التشاور مع الرئيس سليمان، بوضع كل القوى الأمنية تحت إمرة قيادة الجيش، وأن يقوم الجيش باتخاذ كل الإجراءات المناسبة والحاسمة لضبط الأمن، كما اصدر القضاء مذكرات توقيف بحق جميع المخلين بأمن المدينة وأهلها، ونحن على يقين بأن الجيش سيقوم بالمهمات الملقاة على عاتقه وسينفذ المذكرات القضائية بمجملها.
طرابلس الجريحة
ولكن حتى ساعة متأخرة من الليل، كانت الاشتباكات لا تزال مستمرة، من دون أن ينفذ الجيش قراره بالحسم دون الرجوع إلى السياسيين، وعنفت الاشتباكات على محور المنكوبين والريفا - جبل محسن، اعتباراً من العاشر والنصف ليلاً، وبدأت القذائف تطال أبعد من محاور القتال إلى مناطق كانت تعتبر أكثر أمناً، ما أدى إلى حالة هلع لدى سكان المناطق الخلفية لأماكن الاشتباكات، حيث تطلق القذائف الصاروخية على نحو متواصل، ويقوم الجيش بالرد على مصادر النيران بالاسلحة المناسبة.
وأعلنت معظم المدارس الخاصة والرسمية عن اقفال أبوابها اليوم بسبب الاشتباكات ونظراً لتدهور الأوضاع، وتحديداً في مناطق: الميناء، الضم والفرز، أبي سمراء والقبة، فضلاً عن وسط المدينة ومحيطها، وكذلك المدارس القريبة من محاور القتال وصولاً الى البداوي ودير عمار وحتى المنية.
ولاحظت مصادر مطلعة أن الجولة الثامنة عشرة التي بدأت عملياً منذ السبت وظلت مشتعلة، اتسمت بدخول أنواع جديدة من الأسلحة، من بينها قناصات متطورة ذات مدى بعيد، وهذا ما يفسّر سقوط هذا العدد الكبير من القتلى في اليوم الأوّل، ومعظمهم قتلوا بعمليات قنص من جبل محسن، على اعتبار ان القتلى الـ14 الذين تمّ احصاؤهم أو نقلوا إلى المستشفيات جميعهم من طرابلس، وكانت اصاباتهم بالرأس، في حين لم يعلن حصول اصابات في جبل محسن باستثناء ثلاث.
يضاف إلى ذلك كثافة النيران المستخدمة في الاشتباكات، وهذا ما يُؤكّد وجود تطوّر في الخبرات العسكرية لدي المسلحين في جبل محسن والذين باتت لديهم مقدرة قتالية، وتحولت منطقتهم إلى «قلعة عسكرية» على كتف المدينة مع خط امداد استراتيجي من أحد المراكز التابعة لتنظيم فلسطيني موال للنظام السوري.
وصدرت نداءات إلى سكان المناطق القريبة من المحاور للنزول من الطبقات العليا، خوفاً من استهدافها بالقصف.
في المقابل، بثت محطة تلفزيون L.B.C تسجيلاً صوتياً للمسؤول السياسي للحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد يقول فيه أن «الجيش اهلنا ولا نخطئ بحقه» متمنياً اخذ الحيطة من قذائف الهاون، حيث اتهم أحد الأجهزة الأمنية بالتعاون مع المسلحين في قصف منزله بقذائف الهاون ليل السبت - الأحد.
وكشفت معلومات أن قوة من الجيش حاولت الدخول على أكثر من محور، لكن النار أطلقت عليها من جبل محسن، فأصيب ضابط، ونعى الجيش الجندي عبدالله عجاج نتيجة اصابته بطلق ناري في الرأس في محلة البقار، وهو في لباسه المدني لأنه في وضع مأذونية.
وفي صيدا، عاد التوتر إلى مخيم عين الحلوة، بعد وفاة العنصر في حركة «فتح» محمّد السعدي الذي اصيب بجروح خطرة في رأسه اثر اقدام مجهول على اطلاق النار عليه داخل المخيم. وأشار قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب إلى وجود طابور خامس يريد عدم الاستقرار للمخيم، متوقعاً احتمال أن يكون هناك ترابط بين ما يحصل في طرابلس وما حصل في المخيم.
السفير
الجولة 18: عشرات الضحايا من المدنيين والعسكريين
حريق طرابلس.. يحاصر الجيش
غسان ريفي
غرقت طرابلس بدماء أبنائها أمس.
والمفارقة، أن جولة العنف الرقم 18 في طرابلس لم تكن مفاجئة، ذلك أن كل المؤشرات في الأيام الماضية كانت تنبئ بمواجهة جديدة «حتمية». ومع ذلك، تُركت الأمور على غاربها، ولم يسجل أي تحرك وقائي حقيقي لمنع الانفجار قبل وقوعه، ولحماية الخطة الأمنية، الحديثة العهد، من الانهيار.
ليست الخطة الأمنية فقط هي التي سقطت في طرابلس، بل سقط معها بـ«الضربة القاضية» سياسيو المدينة وقادتها المفترضون الذين فقدوا ما تبقى من مصداقية، ونُزعت عنهم آخر أوراق التوت، لاسيما ان أحدا لم يعد يصدق بياناتهم المنتهية الصلاحية.
وكأنه لا يكفي طرابلس أن تصبح رهينة قادة المجموعات المسلحة الذين يُمسكون بخطوط التماس وخطوط الطول والعرض في المدينة، حتى ظهر «أولياء الدم» في باب التبانة وجبل محسن، فاقتحموا المشهد وتحولوا بين ليلة وضحاها الى أحد أرقامه الصعبة.
وأما الجيش اللبناني، فيدفع، شأنه شأن المواطنين، ثمن العجز الرسمي والنقص في الغطاء السياسي، وهو الذي سقط له في اليومين الماضيين عدد من الشهداء والجرحى، وبدا محاطا بحزام من النار والتحريض السياسي الممزوج بدعوات الحسم والرد، لكأن هناك من يريد اسقاط الجيش في كل لبنان، لكن عبر بوابة الفيحاء.
إنها جولة من الحرب المتعددة الأوجه التي تعصف بعاصمة لبنان الثانية... حرب يتم في كل مرة اختراع أسباب لها، «غب الطلب»، لتبقى المدينة مقيمة على خط التوتر الدائم، كساحة مفتوحة لتصفية الحسابات المحلية والاقليمية.
الحرب التي «تقضم» ميزات طرابلس من التنوع والتعايش والوحدة الوطنية والسلم الأهلي، وتهدد نسيجها الاجتماعي، وكيانها الاقتصادي.
الحرب التي يُردّ فيها على الدم بالدم، تحت شعار «أولياء الدم».
الحرب التي لم تعد تميز طرابلس عن سائر المدن السورية التي يتقاتل أهلها مع النظام وضده... وأحيانا بشكل عبثي.
حرب يخوضها أهل طرابلس ضد أنفسهم، فيغتالون سمعتهم وتاريخهم بأيديهم، ويحاصرون مناطقهم برصاص قناصيهم، ويعزلون مدينتهم بانفعالاتهم، ويحتجون على ظلم دولتهم بتعطيل مصالحهم، ويواجهون خصومهم بقطع الطرق على أبنائهم، وبزعزعة أمنهم وتدمير ممتلكاتهم وقتل أطفالهم...
الحرب التي تستخدمها جهات سياسية للتضحية بمدينة من وزن طرابلس، فتقاتل بخزان بشري لطالما اعتمدت عليه سياسيا وانتخابيا، بهدف تحقيق مكاسب محلية، أو لتسديد فواتير إقليمية.
يدرك المختلفون سياسيا في لبنان، أن ما يجري في طرابلس لا يمكن فصله عما يحصل في سوريا اليوم، وأن ورقة الاستقرار في العاصمة الثانية لم تعد بأيدي اللاعبين المحليين، بل أصبحت ضمن المنظومة الاقليمية التي تفتش عبر طرابلس وغيرها من المناطق عن مساحة للضغط من أجل تحسين شروط اللعبة سواء عسكريا أو تفاوضيا، وأن أحدا من اللاعبين غير مستعد للتضحية بهذه الورقة في الوقت الراهن، خصوصا في ظل الاختلال الواضح في موازين القوى في المنطقة.
وليست صدفة أن تتزامن الجولة 18 مع اشتداد غبار معارك الغوطتين والقلمون في سوريا، فجولات العنف في طرابلس لطالما تماهت مع عناوين مدن وأحداث سورية عدة، وإن كانت شرارتها ناتجة عن «فتنة محلية» يُنفخ فيها بعناية من قبل خبراء تسخين أرضيات المحاور.
ويبدو واضحا في هذا الاطار أن توافق القيادات السياسية في طرابلس مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان على تسليم قيادة الأجهزة الأمنية في المدينة الى الجيش، وتكليفه رسميا بمعالجة الوضع الأمني في المدينة، قد أوقف فعليا كل أشكال التفاوض مع المجموعات المسلحة من الطرفين لوقف إطلاق النار، والموافقة على دخول الجيش كما كان يحصل في كل مرة، وبالتالي فإن الأمور باتت متروكة إما لمعركة طاحنة تنهك الطرفين، وإما لتدخل عسكري حاسم للجيش قد تدفع المناطق الطرابلسية كلها ثمنا باهظا له.
لكن أخطر ما تواجهه طرابلس اليوم هو اللغة السياسية المزدوجة من قبل بعض القيادات، التي تدعم الجيش اللبناني في العلن، وتحرّض عليه سرا، وتقف على خاطر المجموعات المسلحة عند كل مناسبة، وهذا ما أفشل سابقا كل مبادرات الحل وجعل وقف إطلاق النار مؤقتا بهدنة هشة، وهذا ما من شأنه أن يحول طرابلس الى مدينة خارجة عن القانون وعرضة لشتى أنواع الاختراقات.
والأخطر أن تكون معركة طرابلس تحمل في طياتها أبعادا جديدة من نوع احتجاج بعض دول الاقليم على افتقادها للغطاء السياسي الدولي، وتحديدا الأميركي، لحكومة أمر واقع تنهي حالة المراوحة المستمرة منذ نحو ثمانية أشهر.
وكانت اشتباكات الجولة 18 قد اندلعت صباح السبت الماضي، بعد الاعتداء في محلة المنكوبين على شخص من جبل محسن، وتواصلت المعارك، أمس، تتقطع حينا وتشتد أحيانا، لتحصد على مدى يومين قرابة عشرة قتلى وأكثر من خمسين جريحا.
وعقد الرئيس نجيب ميقاتي اجتماعا حضره وزراء المدينة ونوابها والقادة الأمنيون، بمشاركة وزير الداخلية مروان شربل، وعلم أنه تم التوافق خلاله على وضع كل الاجهزة الأمنية العاملة في المدينة بإمرة الجيش اللبناني، والطلب منه معالجة الوضع.
وبالفعل، تولى الجيش الرد على مصادر النيران بغزارة، كما نفذ مداهمات وأوقف عددا من المسلحين وصادر كميات من الذخائر والاسلحة. لكن الاشتباكات استمرت على المحاور الساخنة، وسجل سقوط قذائف هاون على أحياء باب التبانة وجبل محسن والمنكوبين والزاهرية.
وعلمت «السفير» ان الرئيس نبيه بري كان قد اقترح على الرئيس ميقاتي، قبيل سفره الى طهران «خريطة طريق» لمعالجة الوضع في طرابلس، تتضمن النقاط الآتية:
ــ انتشار الجيش في كل أحياء طرابلس، وصولا الى عمق باب التبانة وجبل محسن، ومنحه كل التغطية السياسية اللازمة لضبط الأمن وإطلاق يده في ملاحقة المسلحين، على قاعدة أن الأمن لا يكون بالتراضي.
ـ تغيير تركيبة الاجهزة الامنية في المدينة، واستبدالها بدم جديد.
ــ تكثيف زعماء طرابلس السياسيين حضورهم في المدينة، وتفعيله بأشكال مختلفة، وإلا فإن السلاح سيملأ الفراغ .
الموضوعات المدرجة تعرض أبرز ما جاء في الصحف، وموقع المنار لا يتبنى مضمونها