22-11-2024 03:25 AM بتوقيت القدس المحتلة

عندما يفقد التلفزيون الحاجة المعرفية..

عندما يفقد التلفزيون الحاجة المعرفية..

وجد المجتمع الإنساني نفسه واقفاً بين المدرسة ووسائل الإعلام, هذان الجانبان يلعبان دور الأب والأم, فالمدرسة تمثل دور الأب, ووسائل الإعلام تمثل دور الأم.

المعرفة الاولى عبر المدونات المكتوبةلطالما كانت الكلمة المكتوبة المصدر الأول للمعرفة بلا منازع, في حين لم يكن للمثقف وسيلة إلى المعارف إلا من خلال المدونات المكتوبة، وما يتحدث به العلماء والأساتذة ويشافهون به طلاب العلم من المعارف، وقد كان هذا نهج الإنسانية على مدار أحقاب من الزمان. من هنا تبرز أول مؤسسة معرفية تقليدية عرفها التاريخ بعد الأسرة, وهي المدرسة.

ومع التطور الهائل في مختلف ميادين الحياة, وجد المجتمع الإنساني نفسه واقفاً بين المدرسة ووسائل الإعلام, هذان الجانبان يلعبان دور الأب والأم, فالمدرسة تمثل دور الأب, ووسائل الإعلام تمثل دور الأم. الأب يدرس ويدرب, والأم تضم إلى صدرها كل أنواع المعارف والمعلومات الآتية من جميع أنحاء العالم. وسنة الحياة تشير إلى أن الأب هو الذي يتولى شؤون أبنائه بالدرجة الأولى, لكن الكبار وحتى الأطفال الصغار لم يجدوا الأب الذي يملأ حياتهم ويشعرون بمكانته وأهميته, إنهم لم يجدوا سوى الأم الوسيلة الإعلامية كالتلفزيون مثلاً, حيث يلجؤون إليه هرباً من مشاكلهم وقضاء لوقت فراغهم, دون عناء أو تعب.

وتبقى أهم حاجة يلجأ إليها الفرد لإشباعها عن طريق استعمال وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون هي الحاجة المعرفية: Cognitive Needs, وهي الحاجة المرتبطة بتقوية المعلومات والمعرفة وفهم بيئتنا وهي تستند إلى الرغبة في فهم البيئة والسيطرة عليها وهي تشبع لدينا حب الاستطلاع والاكتشاف.

ورغم التقارب والتجانس بين المدرسة والتلفزيون, فقد أخذت تحاول كل من الأخيرتين خلق مؤسساتها التقليدية بداخلها وبطريقتها وبوسائلها وبأفرادها وبتمويلها, فالتلفزيون بات يهتم بضروب التسلية والإثارة. والحق أن المدرسة والتلفزيون يرتكزان على مبادئ يصعب التوفيق بينهما.

االحاجة المعرفية أساس وظيفة التلفزيونفالتلفزيون يهتم بعرض المشاهد المثيرة بكل ما فيها من سهولة, وسطحية, وسلبية, وتعليم بدون مجهود. أما المدرسة فتهتم بالعملية التربوية التي تتطلب الجهد والتعمق, والتعليم والنشاط الحقيقي. والمدرسة تعطي الأولوية لملكة التفكير والمنطق, أما التلفزيون فيعنى بتنمية ملكة الخيال والحواس. كذلك هناك تناقضات في رسالة كل من المدرسة والتلفزيون.

إن مهمة المدرسة هي توزيع ونشر المعرفة بين الأفراد, أما مهمة التلفزيون فهي الترفيه واستجابة لمتطلبات الحياة الحديثة التي تفرض حاجة الإنسان إلى ما يسليه بحكم ما اختصرت له التقنيات المتطورة من وقت وجهد.

ويعترف المدرسون حقاً بإمكان الإفادة من محاولات التلفزيون في عرض بعض الموضوعات التعليمية كالبرامج العلمية الشعبية الأساسية المترابطة التي لا تستطيع تقديمها سوى المدارس ولذلك لا يقدم التلفزيون سوى قشور المعلومات لا لبها.

برنامج إفتح يا سمسممن هنا تبرز أن الإشكالية ليست إشكالية وسائل بل إشكالية محتوى ما يقدم على التلفزيون.. بالتالي ضرورة تكامل الإعلام عامة والتلفزيون خاصة مع المعرفة, وضرورة بث برامج معرفية, نعني بها برامج المعلومات والبرامج ذات الأهداف التعليمية والمعرفية التي صممت لكافة فئات المجتمع, وخاصة للأطفال لتهيئتهم للمدرسة أو مساعدتهم في دراستهم. ومن أمثلتها برامج (افتح يا سمسم) الذي أنتجته مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي وبرنامج (المناهل) الذي أنتجه التلفزيون الأردني، وكلاهما نسختان معربتان من برنامجين أمريكيين هما على التوالي Sesame Street & Electric Company.  وهناك برنامج (سلامتك) للتوعية الصحية وبرنامج (قف) للتوعية المرورية من إنتاج مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي.

إن الطفل هو ثروة المستقبل, فمن خلاله يمكننا استثمار قادة المستقبل وعظماء الغد المشرق، فكما نجح افتح يا سمسم عام 1979م بالرغم من قِلة الإمكانيات ومحدودية الأفكار، نريد برامج يحصد لها نجاحًا لا مثيل له، فالأفكار كثيرة والإمكانيات أضخم والمجالات أصبحت أوسع والتجارب العلمية المستهدفة للطفل متنوعة وثريّة، تحتاج فقط أن ندقق النظر أكثر بما يُناسب فكر أطفال اليوم من ألعاب تنافسيّة مختلفة تُنمي التفكير وتشحذ الذهن على التركيز لمدة أطول فأطفالنا اليوم هم بأمس الحاجة إلى الهدوء النفسي والتوازن العاطفي الذي فُقد في هموم الكبار.

وتبقى المهمة الدقيقة والصعبة هي اختيار نوعيّة الأفكار التي ستُطرح في البرنامج. إذ لابد أن يُنظر لحاجات الطفولة المبكرة وفق الظروف العصريّة المحيطة، وأن تكون هناك رؤية مستقبليّة واضحة لمصير أطفال الجيل القادم، والتي من خلالها يمكن أن تُصاغ أفكار نيرة يستزاد بها في تربية الأبناء وتعليمهم، وأن تكون هناك مواءمة منسجمة بين احتياجات الأطفال ومنهج البرنامج، لضمان تحقيق الأهداف التربويّة والتعليميّة المنشودة.