ترسم روسيّا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين مستقبل الشرق الأوسط بالتشارك والتضامن مع الولايات المتّحدة الأميركية، التي لا تستطيع أن تكون لاعباً وحيداً في هذه المنطقة الحيوية من العالم
مارلين خليفة
ترسم روسيّا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين مستقبل الشرق الأوسط بالتشارك والتضامن مع الولايات المتّحدة الأميركية، التي لا تستطيع أن تكون لاعباً وحيداً في هذه المنطقة الحيوية من العالم، وهذا ما ثبت بما لا يقبل الجدل في سوريا، وخصوصاً بعد أن فرضت روسيا اتفاق تسوية منع الضربة الأميركية الجوية ضدّ نظام الرئيس بشار الأسد، منقذة واشنطن من شرك أوقعت نفسها فيه.
لذا فإن الحوار مع سفير روسيا ألكسندر زاسبكين يكتسب أهمية قصوى عند كلّ منعطف سياسي يتعلق بالمنطقة، فكيف راهنا على مسافة زمنية قريبة من انعقاد مؤتمر «جنيف2» برعاية مباشرة من روسيا؟.
من الصعب انتزاع مواقف مباشرة من ديبلوماسيّ فذ مثل زاسبكين، لكنّ السفير المخضرم أطلق في جلسة حواريّة مع أسرة «السفير» مواقف يقرأ من بين سطورها ثبات وحزم روسيان يبرهنان مقاربتها أزمة سوريا بمهارة لاعب شطرنج متفوّق.
لقاء بوتين وبندر
تعليقاً على زيارة رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان الى موسكو ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال السفير زاسبكين: «ما أقوله هو تحليل وليس لديّ معلومات تفصيلية عن اللقاء، في الفترة الماضية اتصل الرئيس بوتين بعدة رؤساء دول تمهيداً لتذليل العقبات أمام مؤتمر جنيف 2، وهذا عمل متواصل، والدور السعودي مهمّ جدّا، لذا أردنا الحديث مع السعوديين في هذا الموضوع، أقله لكي لا يكون للسعودية موقف سلبي تجاه المؤتمر بل أن يكون مؤيداً». يضيف: «ثمّة قواسم مشتركة مع السعودية، وكذلك بعض التباينات التي قد تكون موجودة مع أطراف غربيين أيضاً، تريد روسيا تسوية سياسية في سوريا، والسعوديون يقولون ذلك أيضاً. أغلبية الأطراف تريد ذلك باستثناء منظمة القاعدة وبعض العصابات الإرهابية، أما بقية الأطراف فتريد تسوية سياسية لكن من منظار أهدافها».
يخوض زاسبكين، ردّاً على أسئلة «السفير»، في مضمون العلاقة العسكرية مع السعودية، مشيراً الى «أن التعاون العسكري مطروح منذ زمن لكنّ تقدمه كان بطيئاً جداً، بالنسبة الى روسيا كان القرار السياسي بالتعاون موجوداً، والسؤال المطروح للمستقبل عما إذا سيتطور التعاون الى عقود ملموسة أم سيبقى في إطار التفاهمات المبدئية؟ وفي كل الأحوال لا يتعلق هذا الأمر بالنزاع السوري».
يرفض السفير زاسبكين الخوض في تفاصيل المستقبل السوري أو إعطاء تفاصيل محدّدة حول طبيعة النظام المقبل والمرحلة الانتقالية، يقول: «ترى روسيا حلاً مختلطاً يجمع بين النظام الحالي والمعارضة. أما تسليم السلطة من النظام الى المعارضة فهذا غير وارد إطلاقاً. في الوقت عينه لا يمكن أن يبقى النظام على حاله. أما كيف سيتم التوافق؟ فهذا متروك لاجتماع جنيف2 الذي سيبحث التفاصيل التي لا يمكننا تحديدها منذ الآن». يضيف: «أية محاولة لتوريطنا في الحديث أكثر عن هذا الموضوع هو مضرّ للتسوية في سوريا، نريد أن يتمّ عقد جنيف2 وأن تحضره جميع الأطراف من المعارضة ومن النظام، لذا نحن حذرون جدّاً في التعامل مع الطرفين كي لا يشعر أحدهما بالاستفزاز، وجلّ ما نتوخاه أن يكون بيان مؤتمر جنيف 2 قاسماً مشتركاً للجميع: الاطراف السورية المشاركة».
يلفت إلى أن روسيا «لا تمانع أن تكون المفاوضات السياسية حول التسوية من دون سقف زمني، شرط عدم معرفة خواتيمها، لكنّها تدعو في الوقت عينه الى وقف دورة العنف وفقاً لبيان جنيف1».
بالنسبة الى إيران، يصف السفير زاسبكين العلاقة الروسية الإيرانية بأنها «متينة وليست عرضة لأية اهتزاز ولأية مساومة».
ويقول إنّ موسكو «تدعو الى مشاركة إيران في جنيف2، لأن مشاركتها مفيدة جدّاً كدولة مؤثرة على الوضع في سوريا».
يعود زاسبكين الى الحديث عما يسمّيه «الاتفاق النوعي في جنيف1» قائلا: «لهذا الاتفاق حول مرحلة انتقالية معنى سياسي كبير جدّاً، وهو كما يبدو يتفوّق على رغبات النظام من ناحية والمعارضة من ناحية ثانية. يرغب النظام بإجراء إصلاحات، لكن يريد أن يكون الحوار حولها بقيادته وفقاً لبرنامج خطط له، في حين ترغب المعارضة بالعكس وبتغيير النظام. لكن في جنيف1 اتفقنا على مرحلة انتقالية تنطلق من تفاهم الأطراف الخارجية بغية مساعدة الأطراف الداخلية لتكوين إصلاح فعلي وجوهري وليس سطحياً، وهذا لا يعني إسقاط النظام وتسليمه السلطة الى المعارضة، هذا أمر نوعي حققه جنيف1، أما جنيف2 فسيشهد مناقشة التفاصيل».
المتطرفون خطر على لبنان
يسأل السفير الروسي تعليقاً على سياسة النأي بالنفس في لبنان: «في الظروف الراهنة حيث يصعب عزل لبنان عمّا يجري في سوريا، لماذا يجب علينا أن نطلب من حزب الله الخروج من سوريا في حين كنّا نطالب منذ عامين بعدم تدخّل جماعات مسلحة أخرى في شمال لبنان في الحرب الدائرة في سوريا ولم يردّ علينا أحد؟».
ويشرح أنّ موسكو «أيّدت سياسة النأي بالنفس منذ بداية النزاع السوري حين كانت أطراف في الشمال اللبناني متورطة في الحرب وكانت السلطات اللبنانية تتخذ حينذاك ما في وسعها من إجراءات لمنع الانغماس اللبناني في سوريا. وأيدت روسيا إجماعاً في مجلس الأمن الدولي حول هذه السياسة عبر تأييدها لإعلان بعبدا، وانسحب الأمر على اجتماعات سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي في لبنان، الذين رأوا ضرورة تمتين الاستقرار اللبناني من قبل جميع الأطراف الموافقين على عدم زعزعة الأمن، واتفقوا أنه إذا حصل أمر ما فسيكون من صنع جهة مجهولة. بعدها حصل تورّط لحزب الله في سوريا، ونحن تشبثنا بسياسة النأي بالنفس كي لا يتم تصعيد الأوضاع في لبنان انطلاقاً من رغبة في عزله عمّا يحدث في سوريا». يضيف: «نحن نستمر في المطالبة بتطبيق إعلان بعبدا كما هو وعلى جميع الأطراف، أما الأمر الآخر الممكن فهو فعل ما يمكن فعله للحفاظ على الاستقرار اللبناني، ثمة حرب حقيقية دائرة في سوريا، أما في لبنان فنريد الاستقرار».
يحذر زاسبكين، في معرض ردّه على أسئلة «السفير»، من «وصول المتطرفين الى الحكم في سوريا، وهو أخطر ما قد يتعرّض له لبنان، لذا عندما نتحدث عن وقف الحرب في سوريا نقصد بدرجة أولى لبنان، لأنّ إقامة سلطة للمتطرفين في أيّة بقعة من سوريّا تشير الى بداية توسّع لهذا الكيان في الاتجاهات كلّها، لأن سياسة المتطرفين هي التوسّع».
يؤكد السفير زاسبكين أن «القرار الدّولي باستقرار لبنان لا يزال قائماً، الاجماع الدولي حول استقرار لبنان متين، إذ لا توجد قوة تريد الفتنة أو تصعيد الأوضاع في لبنان. ندرك أنه منذ فترة تحصل حوادث إرهابية في بعض المناطق لا نقدر على تفسيرها، لكننا ننطلق من مبدأ أن ثمة قدرات للسلطات اللبنانية بمساعدة المجتمع الدّولي لتطويق المشاكل». ويحذر زاسبكين أنه «في حال استمرّ تصعيد الأوضاع في سوريا سيكون الكأس سلبيّاً على لبنان وسيكون من الصعب تطويق المشاكل، أما الإجماع الدولي حول استقرار لبنان فسيستمر».
يقول السفير زاسبكين كلاماً قوياً ضدّ الإرهاب ورعاته: «نحن نحارب الإرهاب في كلّ مكان، ونحارب جميع من يقوّي الإرهابيين. لا يمكن أن يقود أحدهم الإرهاب ثم يأتي للتحدث معنا لأننا سنعتبره عدوّاً، بغضّ النظر عن جنسية الشخص ومنصبه».
بالنسبة الى تشكيل الحكومة والاستقطاب الداخلي يقول: «لا تتدخل روسيا في الشؤون الداخلية للدول، ولا تقف مع طرف دون آخر، وهي في لبنان على مسافة متساوية بين قوى 8 و14 آذار. المهم تشكيل الحكومة، ولا فارق لدينا في ما يخص الخيارات المقترحة من قبل اللبنانيين، وأسمع من بعض الزملاء في الدول الغربية كلاماً يصبّ أيضاً في هذا الاتجاه، ولا ألاحظ أيّ إصرار عن سيناريوهات معينة».
الأقليات المسيحية
لا تدعو روسيا الى تحالف الأقليات، بل الى عودة العلاقات الطبيعية بين الطوائف، وخصوصاً في سوريا، ويقول إن «الإرهاب هو المسؤول الأول عن إشعال الفتنة ومن يموّله هو المسؤول الثاني ومن يحرّض عليه هو المسؤول الثالث، أما من يرتكب الجريمة فهو المسؤول الأول».
متطرقاً الى القمّة التي جمعت منذ أسبوعين البابا فرنسيس والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الفاتيكان، يقول زاسبكين: «التنسيق قائم بين الكاثوليك والأرثوذكس عندما يطرح موضوع المسيحيين في المنطقة، سمعنا مراراً كلاماً عن أن بعض ممثلي الاوساط الغربية يشجعون الهجرة المسيحية من المنطقة لاعتبارات إنسانية وبسبب ما يطال المسيحيين من عنف، روسيا هي من المدافعين بشكل حاسم عن بقاء المسيحيين في هذه المنطقة، فبقاء المسيحيين هو مبدئي».
ثمّة اهتمام للشركات الروسية بملفي النفط والغاز، وفي الأسبوع الفائت قام رئيس اتحاد منتجي النفط والغاز في روسيا (مؤسسة خاصّة) يوري شافرانيك بزيارة استطلاعية الى لبنان في هذا الخصوص.
http://www.assafir.com/Article.aspx
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه