بعد أن استعرضنا في الجزء الأوّل ردة فعل قوى الرابع عشر من آذار على تشكيل حكومة "كلنا للوطن، نستكمل في الجزء الثاني من التقرير الحديث عن شكل البيان الوزاري القادم..
بعد أن استعرضنا في الجزء الأوّل رد فعل قوى الرابع عشر من آذار على تشكيل حكومة "كلنا للوطن، كلّنا للعمل" وأهم الأسباب التي أفضت إلى تشكيلها، نستكمل في الجزء الثاني من التقرير الحديث عن شكل البيان الوزاري القادم، وكيف ستتعامل الحكومة مع الإستحقاقات التي تنتظرها، وكيفية مواجهة الرئيس نجيب ميقاتي للضغوطات الغربية، وإن كان سيصمد في وجهها أم لا.
البيان الوزاري .. ضربة على الحافر وضربة على المسمار
أول الإستحقاقات التي تواجهها الحكومة الحديثة الولادة هي صياغة بيانها الوزاري. فهل يجب الاستمرار في نفس الصيغة التي كانت تعتمدها الحكومات السابقة؟ سؤال يجيبنا عنه المحلل السياسي الإعلامي فيصل عبد الساتر، فيرى "أن حكومة الرئيس ميقاتي لن تحيد كثيراً عن الثوابت السياسية، فربما ستختلف الصياغة وبعض المفردات ولكن الروح ستبقى واحدة". ويتابع عبد الساتر "المشكلات الأساسية في لبنان هي الثوابت، كموضوع المقاومة والعلاقة بين لبنان وسوريا وموضوع القرارات الدولية وما إلى ذلك، وتجنباً من اصطدام البيان الوزاري برغبات وإرادات البعض وخصوصاً على المستوى الدولي، ربما سيلجأ ميقاتي لاختيار مفردات غير صادمة وكما يقال بالعامية )ضربة على الحافر وضربة على المسمار(، يعني أن يكون هناك توازن في اختيار المفردات وألا يأتي لا من قريب ولا من بعيد على ذكر موضوع المحكمة الدولية أو سلاح حزب الله بالاسم، ومن الممكن أن يقول نحن مع المقاومة وحقها في مقاومة المحتل ونحن ضد توجيه السلاح إلى الداخل وبهذه العبارة يكون جمع بين منهجين في التعاطي مع المواضيع. وباعتقادي أن هذا الأمر موجود في قاموس وذهن الرئيس ميقاتي ومن شكل معه الحكومة".
وبعد صياغة البيان الوزاري الذي لن يأخذ الكثير من الوقت بحسب المراقبين، تنتقل الحكومة إلى المرحلة التالية وهي "مرحلة نيل الثقة" في المجلس النيابي عملاً بأحكام الدستور اللبناني، و"هذا الموضوع أصبح منجزاً" بحسب عبد الساتر، إنما "يتفاوت الأمر بين أن تحصل على نفس عدد الأصوات الذي أوصل الرئيس ميقاتي إلى رئاسة مجلس الوزراء، أو ربما يكون هناك اختراق ببعض المستقلين أو بعض المحسوبين على 14 آذار، وهذا شيء إذا حصل يكون في خانة الإيجابية".
الحكومة لن "تشيل الزير من البير"
وبعد نيلها الثقة، تنتظر حكومة ميقاتي جملة من الإستحقاقات المفصلية، ومن أهم هذه اللإستحقاقات موضوع القرارات الدولية 1701 و1559، والمحكمة الدولية، وتطبيق اللامركزية الإدارية، وتطبيق التعديلات الدستورية، وإلغاء الطائفية السياسية، والدين الداخلي والخارجي والتراكمات، وصياغة قانون جديد للإنتخابات النيابية. ويرى عبد الساتر أن "كل هذه الإستحقاقات ستأخذ الوقت الكبير من عمل هذه الحكومة، سواء في عملها الميداني أو حتى في اشتراح الخطط اللازمة لإعادة تدوير المشكلات التي يضج بها المجتمع اللبناني".
"الكثير من اللبنانيين لا يمارسون السياسة بشكل ساذج وهم يعلمون أن هذه الحكومة لن "تشيل الزير من البير" ولا أي حكومة سابقة أو لاحقة تمكنت أو ستتمكن من ذلك، لأن المشكلات أكبر بكثير من أن تستطيع حكومة بمفردها أن تنتشل المجتمع اللبناني منها، فالمشكلات هي بنيوية داخلية على المستوى الإقتصادي والهيكلي. وهناك أيضاً مشاكل خارجية، فهناك شروط تفرض على الحكومات في لبنان لتمد بالمال اللازم والمعونات الدولية، وهذا الأمر يتنافى مع الكرامة الوطنية التي رفعتها المقاومة في كل السنوات السابقة، وبالتالي سوف يبقى الصراع على أشده بين منطقين: منطق يجعل لبنان وكأنه جنة للآخرين يمارسون كامل أنواع العربدة وليس له علاقة بما يحدث في المنطقة، أو المنطق الآخر الذي يقول إن الكرامة والسيادة الوطنية فوق كل اعتبار وأن القضية الفلسطينية هي قضية مركزية وبالتالي فإن الموازنة بين المنطقين تحتاج إلى صائغ لكي يمارس عملية الوزن بينهما".
الغرب يترقب لينقض .. فهل يصمد ميقاتي؟
لم تكن التصريحات الأميركية والغربية وتصريحات العدو الإسرائيلي مريحة، فهي بالطبع لم تهلل لهذه الحكومة إلا أنها لم تمارس التهويل بشكل الكبير، لكنها بانتظار ما ستسفر عنه الحكومة في بيانها الوزاري. فما يهم الغرب والولايات المتحدة بحسب عبد الساتر مسألتين:
1-الموقف من المحكمة الدولية وتداعياتها والقرار الظني المحتمل وكيف سيتعامل لبنان مع الموضوع وما له من تداعيات على المستوى الإقليمي.
2-القرارات الدولية المتعلقة بالمقاومة كالقرار 1701 ومندرجاته على المستوى الميداني، لأن المندرجات الميدانية للقرار ممكن أن تحمل الكثير من التفسيرات على مستوى الأمم المتحدة والمجالس الدولية التي ربما ستصطدم بالتفسير اللبناني، وبالتالي من الممكن أن يتسللوا من ثنايا هذا القرار فيوسعوه ليشمل شمال نهر الليطاني وليس جنوبه فقط.
ويتابع عبد الساتر "تجري تهيئة الجو المناسب ضد المقاومة بالإدعاء بأنها لا تتمتع بإجماع الشعب اللبناني، والبعض يصف سلاحها بأنه خارج الشرعية، وهذه المفردات التي باتت تنتشر في القاموس اللبناني لا تصب إلا في خدمة الأجندة الغربية المطروحة للبنان. وما تصريح العماد ميشال عون في مليتا الذي فاجأ الجميع، إلا خير دليل على الحرب الأميركية المفتوحة على المقاومة وكل الذين انخرطوا في حلف معها، ولن يكون بمنتهى السهولة الخروج من هذا الموضوع عبر بضعة كلمات في البيان الوزاري أو بضعة شروط وتحذيرات وتمنيات أميركية كما يحاول أن يروّج بعض المجعجعين في الداخل اللبناني".
إذاً الحكومة التي من المفترض أن تكون في سدة المسؤولية في المرحلة المقبلة يجب أن تواجه هذا المشروع، والرئيس ميقاتي يعرف أن هذا الأمر فيه الكثير من الصعوبات لا بل هو مواجهة مفتوحة بحد ذاته، وقد قبل التحدي على هذا الأساس، وصموده أمام هذه التحديات لا يتعلق بشخصية "الرئيس البطل" إنما هو بحاجة إلى تكاتف وتضامن فعلي على المستوى الحكومي والشعبي. وما لم يدركه الحريريون وحلفاؤهم في الداخل والخارج، أن إعصاراً ثورياً مرّ في لبنان في كانون الثاني أسقط حكماً فاسداً شلّ البلاد وزاد من حدة الانقسام والهوة بين اللبنانيين إلى درجة أن الفتنة أصبحت رفيقهم الدائم. وما نشــــهده حالياً من كلام عالي النبرة وتهديد ووعيد ليس سوى "ثورة مضــــادة" تحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولكن لا يبدو أن قطار الحكومة الميقاتية مجهّز لهذه العودة بل هو سائر نحو مستقبل أفضل للبنان، فحتى ولو لم تكن الحكومة على قدر الطموحات الكبيرة للبنانيين في المدى المنظور، إلا أنها على الأقل ستكون الخطوة الأولى على طريق الإصلاح والتغيير والتحرير والتحرّر.