يدرك نجيب ميقاتي ان البلد بات في حاجة قصوى الى صدمة ايجابية تخرجه من الواقع التعطيلي المتفشي فيه على كل المستويات منذ اشهر، ويهدد بالمزيد من الجمود والتعطيل.
نبيل هيثم
ميقاتي: كل الأولويات أمام مجلس الوزراء.. والنفط أيضاً
يدرك نجيب ميقاتي ان البلد بات في حاجة قصوى الى صدمة ايجابية تخرجه من الواقع التعطيلي المتفشي فيه على كل المستويات منذ اشهر، ويهدد بالمزيد من الجمود والتعطيل.
تلك الصدمة، كما يراها ميقاتي، مسؤولية مشتركة وشاملة من كل القوى السياسية، اذ لا تنفع المكابرة او المزايدة او الاستعراضات، او محاولة حصد الشعبية على حساب الاولويات، خاصة ان تلك القوى تدرك ان البلد لا يقلّع ابدا بتصريف الاعمال، وإن كانت الحكومة المستقيلة تقوم بواجبها كاملا في هذا المجال.
الضرورات المحلية تتراكم، في رأي ميقاتي، وكذلك الاعباء على كل المستويات، فيما المنطقة تتأرجح من حول لبنان ويُعاد رسم خارطتها وتوازناتها السياسية، وهذا يتطلب من كل القوى السياسية حداً ادنى من المواكبة والتنبّه واستشعار الخطر، والحؤول دون ان يأتي ما قد يرسم على حساب لبنان. ومن هنا يبدو ميقاتي على شيء من الاطمئنان «انا، بما املك من معطيات ونتيجة اتصالاتي الدولية، على يقين ان الاسرة الدولية تريد الاستقرار للبنان وعدم الاخلال به».
ولأن تراكم الضرورات ارتفع الى حد بات ثقيلا، وينذر بعدم قدرة البلد على التنفّس السياسي والاقتصادي والامني والمعيشي «لا يجوز على الاطلاق الاكتفاء بمراقبة هذا المريض او البقاء مكتوفي الايدي فيما حالته الصحية تتراجع يوما بعد يوم. نحن في وضع غير طبيعي على الاطلاق. في كل الحالات، تصريف الاعمال يكون لفترة قصيرة، فها نحن دخلنا الشهر الثامن من تصريف الاعمال وليس ما يؤشر الى اننا قد لا ندخل الشهر التاسع والعاشر... وربما اكثر، وبالتالي الحال لم يعد يحتمل، وبات يتطلب القيام بخطوات ومبادرات».
ومن هنا، يتقيّد ميقاتي بقاعدة «الضرورات تبيح المحظورات»، وتبعا لذلك، كان لا بد من يلقي حجرا في المياه اللبنانية، او بالاحرى المياه الحكومية الراكدة: «انا جدي جدا في إعادة إحياء جلسات مجلس الوزراء، واعتقد انه لا يوجد اي مانع لا قانوني ولا دستوري يمنعني من ان امارس صلاحياتي كاملة».
لا ينفي ميقاتي انه لطالما صرّح في السابق انه لا يريد تعويم حكومة تصريف الاعمال، ولا عقد جلسات لمجلس الوزراء تخدم هدف التفعيل او التعويم «فلو كنت اسعى الى ذلك لما كنت استقلت اصلا». وفي سبيل هذا الهدف اطلق ميقاتي جولة مشاورات، وسيتابعها مع الرؤساء والقوى السياسية، لتحديد التوقيت الملائم لعقد جلسة لمجلس الوزراء، على اساس ان تكون حاجة للبلد، لا ان تكون تحديا او استفزازا لأحد، حيث باتت الضرورات تحتم على كل القوى ان تدرك اننا نتوخى المصلحة اللبنانية ونضعها فوق كل الاعتبارات».
لقد دخلت عملية ادارة الدولة وشؤونها ضمن آلية تسري فيها موافقات استثنائية مع رئيس الجمهورية على بعض الامور، «ولكن ثمة امورا تهم الدولة والناس باتت اكثر من ملحة، ولا ينطبق عليها منطق الموافقات الاستثنائية، بل تتطلب مجلس الوزراء، وثمة عشرات لا بل المئات من هذه الامور التي تتراكم في الادراج وتنتظر اقرارها في مجلس الوزراء، وبالتالي توضع موضع التنفيذ.
وفي جانب آخر، ومنعا من تعالي اصوات تقول ان رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الاعمال مستأثران بالموافقات الاستثنائية، فليأخذ مجلس الوزراء دوره ويتخذ القرارات المناسبة في كل القضايا الضرورية والملحة، وبالتالي فليسيّر امور الدولة بطريقة قانونية ونظامية الى حين تشكيل حكومة جديدة».
لا جدول اعمال محددا لجلسة، او جلسات، مجلس الوزراء المقبلة، والتي إن تم التوافق حول عقدها قد تعقد قبل نهاية السنة الحالية او مع بداية السنة الجديدة، بل ان جدول الاعمال المطلوب هو البحث في كيفية التصدي للامور الحياتية والاقتصادية والمعيشية والامنية الخانقة، خاصة في طرابلس، فضلا عن موضوع النازحين السوريين الذي يفترض ان يبقي كل الدولة في حال استنفار للتصدي له ومواجهة اعبائه على المستويات كافة.
ولا يقتصر الامر على تلك الأمور فقط، بل ان موضوع النفط، كما يراه ميقاتي، له اولوية في سلم الضرورات، وبالتالي ليس مستبعدا ابدا ان يكون ملف النفط احد البنود التي ستبحث على طاولة مجلس الوزراء ان تسنى لها الانعقاد. المهم في رأي ميقاتي «ان يتأمن الاجماع حول هذه المسألة الحيوية والمهمة للبنان، ولا يمكن ان نقاربه الا في ظل توافق شامل حوله».
من هنا قد يتطلب الامر عقد جلسة واحدة، ان تم التوافق حوله، وقد يتطلب اكثر من جلسة، المهم، يقول ميقاتي: «انا لا اخرج النفط ابدا من جدول اعمال مجلس الوزراء، علما انه يحتاج الى مزيد من التشاور لتحقيق اجماع حوله، ولا اعتقد ان احدا ضد النفط. وكما ان هناك من هو موافق على هذا الملف كما هو حاليا، هناك متحفظون، وانا اريد ان ادرس الموضوع من كل جوانبه، وهذا يفترض ان نتعمق اكثر لكي يأتي متكاملا، والمهم ان يحل بالنقاش، وبالتالي الامور غير مقفلة ابدا».
وعندما يُسأل ميقاتي عما اذا كان قرار إحياء جلسات مجلس الوزراء ينسحب على مجلس النواب وبالتالي المشاركة في جلسات مجلس النواب، يجيب: «من المبكر الاجابة على هذا السؤال».
في جانب آخر، ازاح منطق الموافقات الاستثنائية البند المتعلق بتمويل المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري «لأن موقفنا المبدئي معروف لناحية التزام لبنان بالتزاماته الدولية، فمنذ ان وردنا الطلب من المحكمة الدولية، احلنا الامر بدورنا الى وزارة المال التي افادت بانها تستطيع ان تقوم بدفع التزام لبنان (37 مليونا و500 الف دولار) ولكن بشكل مقسط على دفعات (يتردد انه من احتياط الموازنة). لقد اجرينا المقتضى انا ورئيس الجمهورية واعطيت وزارة المال موافقة استثنائية، والمسألة باتت عندها وهي تقوم بما يلزم على هذا الصعيد، ولا اعتقد ان هناك مشكلة، وبالتالي يمكن القول ان هذا الامر انتهى وسلك طريقه الطبيعي».
واذا كانت البوصلة الميقاتية تؤشر إلى الاتجاه الحكومي بهدف إحياء جلسات مجلس الوزراء، فإنها تؤشر في الجانب الآخر إلى طرابلس كنقطة اهتمام اولى في اجندة نجيب ميقاتي.
وربطا بذلك، وكذلك بموقعه كرئيس للحكومة، يدرك ميقاتي انه لو قُيِّض للبعض ان يقصيه عن الحياة السياسية لما توانى لحظة عن ذلك، وثمة عشرات المحاولات تعرض لها الرجل واخفق من هم خلفها في تحقيق هذا الهدف. كما يدرك انه لو قُيِّض للبعض ترحيله عن مدينته طرابلس لما تأخر لحظة، والشواهد كثيرة بدءًا من يوم الغضب وحتى الامس القريب، فهناك من يريد إفشال الخطة الامنية لكي يقال ان نجيب ميقاتي هو الفاشل، وبالتالي إبعاده عن الساحة الطرابلسية والتخفيف من وزنه وحضوره.
يسمع ميقاتي الكثير، ويرى الكثير، ومع ذلك قراره «عدم التعاطي وعدم الاصغاء الا لمنطق العقل الذي يصدر عن القيادات الطرابلسية المتوازنة والعاقلة. هناك محاولات تعطيل وإلقاء اتهامات وما الى ذلك من مزايدات، ولكن كما كنت اؤكد دائما انني لن ادخل في سجال مع احد، خاصة ان لدي قناعة ان كل واحد يتكلم بأصله واخلاقه».
يعلق ميقاتي املا كبيرا على نجاح الخطة الامنية في طرابلس، «وقيام الجيش بدوره كاملا الى جانب اهله في طرابلس، كل طرابلس، خاصة ان الخطة الامنية التي تقررت هي لخدمة المدينة وهدفها نزع الفتيل، والجيش يشكل خشبة الخلاص، وهو ليس لفئة بل لكل اللبنانيين، ووجوده في طرابلس هو بين اهله وفي بيئته الحاضنة له ولدوره الوطني. واقول للطرابلسيين: دعونا ننقذ المدينة ونجعلها مثالا يحتذى».
وكما ان الهاجس الامني يشكل اولوية قصوى بالنسبة الى ميقاتي لتوفير الامن والامان للطرابلسيين، فثمة اولويات طرابلسية لا تقل اهمية وضعها ميقاتي في اجندة اولوياته، لا سيما منها انماء طرابلس، «وتحديدا توفير فرص العمل للشباب الطرابلسي لما يزيد عن ألفي شاب، فهناك مسألة محزنة وهي ان طرابلس تكاد تفرغ من شبابها ونخبها وطاقاتها وكفاءاتها. هناك هجرة واضحة للطرابلسيين، المسيحيين والمسلمين، وهذا يرتب علينا جميعا مسؤوليات جسام للتركيز على طرابلس بشكل خاص، وكذلك على الضنية وعكار والشمال بشكل عام».
ولكن ماذا عن سائر المناطق؟ يجيب ميقاتي: «ان اولى اولوياتي هي الحفاظ على طرابلس وتاريخها وماضيها وحاضرها ومستقبلها، وموقعها كعاصمة لبنان الثانية، والحفاظ على هويتها الوطنية والعربية، وكذلك على تاريخها النضالي. على طرابلس المثال والنموذج في العيش المشترك بين كل فئات المجتمع اللبناني. ومن جهة ثانية، انا لم اعتبر نفسي يوما الا رئيس حكومة كل لبنان، واحافظ على كل الناس، وعلى رأسهم الطائفة السنية لانها هي ضمانة لبنان، كما سائر الطوائف اللبنانية».
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=2641&articleId=941&ChannelId=63937
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه