باب الهوى اسمٌ على مسمّى. فوراء الأحداث التي تجري في منطقة باب الهوى بريف إدلب، كثير من الأسرار والخفايا التي تتناثر بين تفاصيلها شذرات الرواية المكتومة لأزمة طويلة أدمت الجغرافيا السورية بكل تفاصيلها
عبد الله سليمان علي
باب الهوى اسمٌ على مسمّى. فوراء الأحداث التي تجري في منطقة باب الهوى بريف إدلب، كثير من الأسرار والخفايا التي تتناثر بين تفاصيلها شذرات الرواية المكتومة لأزمة طويلة أدمت الجغرافيا السورية بكل تفاصيلها.
في اليوم الذي أعلن فيه عن «تحرير» معبر باب الهوى، في 19 تموز العام 2012، لم يكن كثير من السوريين قد سمع بوجود «مجلس شورى المجاهدين» على أراضي بلاده. كان الصخب الإعلامي في ذروته، وهو لا يردد إلا اسماً واحداً «الجيش الحر»، وهكذا نسب الفضل في السيطرة على معبر باب الهوى الى «كتائب الفاروق» تحت عنوان «الجيش الحر». لكن بعد أقلّ من شهرين، وتحديداً في الثالث من أيلول من العام ذاته، حدث الاغتيال الأول الذي وضع منطقة باب الهوى على كف عفريت.
خطفت «كتيبة الفاروق» (فاروق الشمال) رئيس «مجلس شورى المجاهدين» الشيخ فراس العبسي، وقامت بتصفيته بطريقة وحشية، ليتبين أن «الجهاديين» التابعين للعبسي كانوا هم في الحقيقة أول الواصلين إلى معبر باب الهوى وهم من سيطروا عليه في البداية، لتلحق بهم كتائب أخرى من بينها «الفاروق» و«درع الثورة»، ثم حدثت خلافات بين هذه الفصائل على إدارة المعبر، كان نتيجتها مقتل العبسي.
والعبسي، سعودي من أصل سوري، ولد في العام 1973 وترعرع في السعودية حيث نال الشهادة الثانوية، لينتقل بعدها إلى حلب ويحصل على شهادة طب الأسنان من جامعتها، ثم سافر إلى أفغانستان وشارك في القتال هناك تحت إمرة زعيم تنظيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن، وعاد إلى السعودية ليعتقل لمدة عام كامل، فانتقل إلى السودان حيث أقام أكثر من سبع سنوات، وأخيراً عاد إلى سوريا ليؤسس «مجلس شورى المجاهدين» الذي كان معظم عناصره من «المهاجرين»، وذلك في الوقت الذي كان قسم كبير من الإعلام وقسم مهم من المعارضة السورية، ينكر حتى وجود «جبهة النصرة» ويدّعي أنها صنيعة للنظام، في رفض واضح لأي مقولة تتحدث عن وجود لتنظيم «القاعدة» وقتاله إلى جانب «الجيش الحر»، بما يثبت رواية النظام السوري عن قتاله لتنظيمات إرهابية.
وليس هذا وحسب، بل إن «مجلس شورى المجاهدين» كان معروفاً باسم «مجلس شورى الدولة الإسلامية»، لكن أحداً لم ينتبه حينذاك، أما الآن فلن يبدو غريباً أن نعلم أن هذا المجلس كان من أول المبايعين لزعيم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) أبي بكر البغدادي، وأن أمير المجلس الذي خلف العبسي أي أبو أثير الأنصاري - هو حالياً والي حلب المعين من قبل البغدادي، ما يشير إلى احتمال وجود علاقة سابقة بين البغدادي وبين تأسيس «مجلس شورى المجاهدين»، وهذا بدوره يطرح تساؤلات عن حجم الدور الحقيقي الذي لعبه البغدادي وتنظيمه منذ بدء الأزمة السورية، وما زالت الكثير من جوانبه غير معلومة.
ولن يطول الوقت قبل أن تتكشف نقطة ثالثة لا تقل أهمية عن السابقتين، ففي الشهر الأول من العام الحالي، قُتل قائد كتيبة من «كتائب الفاروق» ثائر وقاص في منطقة باب الهوى، وفوراً توجهت أصابع الاتهام إلى «مجلس شورى المجاهدين» كونه صاحب المصلحة في الثأر والانتقام لمقتل زعيمه الراحل العبسي.
أما المفارقة فهي أن «جبهة النصرة»، التي يفترض أنها تابعة للبغدادي، (لم يكن قد حدث الخلاف بينهما بعد) سارعت وتبرأت من مقتل ثائر وقاص، وأعلنت أن «مجلس شورى المجاهدين» المتهم بقتل وقّاص، مجلس مستقل وغير تابع لها. وهي مفارقة من شأنها أن تلقي الضوء على أن جذور الخلاف بين الجولاني والبغدادي قد تكون موجودة منذ وقت سابق قبل انكشافها في نيسان الماضي.
النقطة الجوهرية، رغم كل ما سبق، هي أن باب الهوى كان في عين العاصفة منذ وقت طويل، و«الجهاديون» سواء عملوا باسم «مجلس شورى» أو «النصرة» أو «داعش»، كانوا يخططون للوصول إليه والتحكم به، وخسروا أول أمير من أمراء تنظيماتهم في معركة السيطرة عليه، ما يشير إلى أهمية معبر باب الهوى في نظرهم. وهو ما يرجح أنهم لن يتوقفوا عن محاولة السيطرة عليه مهما كان الثمن الذي يمكن أن يضطروا إلى دفعه لقاء ذلك.
وعبر باب الهوى، وبعد منتصف تموز العام 2012، دخل إلى سوريا أبو عمر الكويتي مؤسس «جماعة جند الخلافة» التي يقال أنها تضم بين صفوفها حوالي 200 شيشاني، والتي تبايع «أبو عيسى الرفاعي» خليفة للمسلمين. كما دخل الداغستاني المعروف بلقب «أبو البنات» وأسس كتيبة غالبيتها من الشيشان والأذريين والتتار، وحملت الكتيبة نفس اسمه أي «أبو البنات».
وقد استقر كل من أبو البنات وأبو عمر الكويتي في منطقة مشهد بالقرب من باب الهوى. وهناك حالياً علاقة تحالف قوية بين أبي عمر الكويتي وبين «داعش»، بينما تفككت كتيبة «أبو البنات»، وانضم قسم كبير منها إلى «جيش المهاجرين والأنصار» بقيادة عمر الشيشاني الذي بايع البغدادي أيضاً، أي أن الخيوط تتجمع مرة أخرى بيد زعيم «داعش».
لكن العقبة الكبيرة التي لم يستطع تنظيم «داعش» تجاوزها، هي عقبة الرفض التركي لاستلام «داعش» أي معبر حدودي مع تركيا وإدارته له، لذلك قضت الصيغة المتفق عليها أن تتولى فصائل أخرى إدارة المعابر، فاستلمت مثلاً «حركة أحرار الشام» كلاًّ من معبر تل أبيض ومعبر باب الهوى، في ظل تواجد مقرات تابعة لـ«الجيش الحر» والفصائل الإسلامية الأخرى التي كانت تحرص على تثبيت وجودها في منطقة المعبر نظراً للفوائد والتسهيلات التي يجرها عليها، وخصوصاً لجهة التهريب والإمداد، بينما استلمت «عاصفة الشمال» معبر باب السلامة قبل أن يطردها «داعش» ويستلمه «لواء التوحيد» الذي يستلم أيضاً معبر جرابلس، رغم أن «داعش» أسس إمارة كاملة في بلدة جرابلس.
لكن «داعش» لم يقنع على ما يبدو بنصيبه من معبر باب الهوى، وما زال يخطط لإحكام السيطرة على المعابر، ولكن بانتظار الوقت المناسب، فسعى مبدئياً إلى فرض سيطرته على أوسع منطقة تحيط بالمعابر.
فبالنسبة الى معبر باب الهوى، بدأت في منطقة الدانا بريف إدلب، التي شهدت في تموز الماضي اشتباكات عنيفة استمرت لحوالي أسبوعين بين «داعش» وكتائب من «الجيش الحر» انتهت إلى سيطرة «داعش» على المنطقة. أعقبتها فترة هدوء لم تكن طويلة، تخللها إرسال سيارات مفخخة إلى مقرات تابعة لـ«حركة أحرار الشام» و«أحفاد الرسول» في بلدة سرمدا القريبة أيضاً، سيطر بعدها «داعش» على قسم من البلدة. وكذلك سيطر على منطقة حزانو بعد اشتباكات مع «حلف الفضول» في أعقاب مقتل أمير «داعش» على الدانا أبو عبدالله الليبي.
وقد تزامنت السيارات المفخخة والسيطرة على منطقة حزانو وقسم من سرمدا مع الهجوم الذي شنه «داعش» على مدينة إعزاز وسيطرته عليه بعد أن طرد «لواء عاصفة الشمال» منها. وقد تكون عملية إعزاز أخرت التقدم في تنفيذ عملية السيطرة على محيط معبر باب الهوى، لكنها لم تلغها.
إذ بعد أن هدأت تداعيات اقتحام إعزاز، سارع «داعش» إلى التصادم مع «لواء صقور الإسلام» في منطقة أطمة القريبة من المعبر، حيث قام في 21 تشرين الثاني الماضي باقتحام مقرات اللواء وقتل وأسر عدد كبير من عناصره، والاستيلاء على مستودعات الأسلحة التابعة له. وفي 30 من نفس الشهر، قام «داعش» باقتحام مقر تابع لـ«لواء أحفاد الرسول» في منطقة باب الهوى، حيث حرر سبعة من عناصره كانوا محتجزين في المقر، وقتل وأسر من كان متواجداً به من عناصر «الأحفاد».
في هذه الأثناء، كانت ستة من أكبر الفصائل الإسلامية، تشمل «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» و«لواء التوحيد» و«صقور الشام» و«لواء الحق» و«أنصار الشام»، أعلنت توحدها تحت مسمّى «الجبهة الإسلامية»، وسارع بعض قياداتها إلى إعلان عدم علاقتهم بـ«هيئة أركان الجيش الحر»، بينما كان «داعش» يحذر من أن «الجبهة الإسلامية» هي مشروع «صحوات» يدعمه الغرب وتموله السعودية، والغاية من تشكيلها محاربة «المجاهدين»، ما رفع من وتيرة التشنج في الأجواء، وصار الترقب والحذر سيد الموقف.
يؤكد ذلك أنه، بعد الإعلان عن تشكيل «الجبهة الإسلامية»، ومنذ أيام فقط، حدث هجوم غامض على مقرات ومستودعات «هيئة الأركان» في منطقة باب الهوى. وفي حين ذكرت بعض الروايات، ومنها رواية المتحدث باسم «الجيش الحر» لؤي المقداد، أن عناصر وآليات «الجبهة الإسلامية» هاجمت مقرات «هيئة الأركان» واستولت على مستودعات الأسلحة، قالت رواية أخرى أن «داعش» هو من بدأ بالهجوم على مقرات «هيئة الأركان» وأنه تمكن من السيطرة على مستودعين من الأسلحة فسارعت قيادة «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» إلى التدخل ومحاصرة المستودعات المتبقية قبل أن يسيطر «داعش» عليها.
بغض النظر عمن بدأ الهجوم الأخير على مقرات «هيئة الأركان»، فالواضح أن الصراع المكتوم بين الفصائل المسلحة للسيطرة على معبر باب الهوى ما زال مستمراً، ويشي بأن مرحلة جديدة بدأت على صعيد العلاقة بين «داعش» من جهة و«الجبهة الإسلامية» و«جبهة النصرة» من جهة ثانية. مرحلة سيكون الاقتتال والاشتباك المسلح بين هذه الأطراف هو العنوان الأبرز فيها، وقد يكون مقتل «عطية مفضي العنزي- سالم الريمي» أول سعودي ينتمي إلى «داعش»، برصاص عناصر تابعين لـ«جبهة النصرة» على أحد الحواجز في الرقة منذ أيام، دليلا على ذلك.
http://www.assafir.com/Channels.aspx?EditionId=2641&ChannelId=63939
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه