هذه الدراسة تتصف بالجدية والرصانة. وهي تغوص عميقاً في ثنايا الأدب الفرنكوفوني، فيتوسل الكشف عن عدد من الإشكاليات التي ترتبط به، وبخاصة إشكالية الهوية وما يطرحه من قضايا نظرية وإيديولوجية على غير صعيد
صدر حديثاً كتاب بعنوان: "الأدب اللبناني باللغة الفرنسية وأزمة الهوية الوطنية" لزينب صالح الطحان، (ط.أولى 2013 – دار العودة – بيروت).
يتضمن الكتاب: إضافة إلى الإهداء والمقدمة، مواضيع عدّة: "اللغة الفرنسية في الوجدان اللبناني"، "المؤسسات التبشيرية ذات الدور الريادي"، "البعثات البروتستانتية الأميركية"، "مرحلة الفرنكوفونية القديمة – المعاصرة"، "مراحل تاريخ الأدب اللبناني باللغة بالفرنسية وأزمة الهوية الوطني"، "الروّاد الأوائل (1890 – 1920)"، "الحداثة الأولى (1920 – 1945)"، "الأدب اللبناني الفرنسي ما بعد الكولونيالية"، "الأدب اللبناني باللغة بالفرنسية"، "تداخل العولمة والتعددية الثقافية"، "حداثة تستبدل السلفية"، "عناصر تشكل أزمة الهوية الوطنية للأدب اللبناني باللغة الفرنسية ومركباتها الفكرية"، "الطابع الاستشراقي"، "الهوية الفرنكوفونية"، "الأدب اللبناني الفرنسي أدب ما بعد كولونيالي".
مهر المقدمّة الدكتور فؤاد خليل حيث جاء فيها: "هذه قراءة مكثفة لنماذج من الأدب الفرنكوفوني في لبنان، قدمتها الباحثة زينب الطحان في كتابها هذا. وقد جاءت حفراً نقدياً حول اشكالية الهوية لدى الأديب سواء في وجهها الفردي أم في وجهها الجماعي. كما جاءت محاورة مع حدّين في الوجود الهوياتي: الحدّ الأول، هو الكيانية الضيقة التي تسوّغ نفسها باسم الخصوصية الثقافية. والحدّ الثاني، هو الهجانة الهوياتية التي تبرر ذاتها بمنطق التواصلية والعالمية. ويبقى أن كل من يدلف إلى هذا الحد أو ذاك، أديباً كان أم كاتباً أم باحثاً، لن يتوافر يوماً على انتماء مرجعي أصيل، أي على مشترك أصيل يفزع إليه ويقيم كفرد في منزله، وفي بيته كجماعة؛ بل سوف يظل عابراً في إقامة غريبة حتى ولو امتلك المنازل الوثيرة...
هذه الدراسة تتصف بالجدية والرصانة. وهي تغوص عميقاً في ثنايا الأدب الفرنكوفوني، فيتوسل الكشف عن عدد من الإشكاليات التي ترتبط به، وبخاصة إشكالية الهوية وما يطرحه من قضايا نظرية وإيديولوجية على غير صعيد، ومن مواقف وممارسات شتى".
لا مراء في أن الأدب الفرنكوفوني في لبنان قدّم غير نتاج حلاق ومبدع في غير حقل له وميدان. كما حاز قدراً بارزاً في المجمل المنظومي لثقافته. فأمكن لمن يُعلي الخصوصية على المشترك أن يتفاخر بغنى التنوع اللبناني وثراء تجربته الثقافية وشمولها. لكن وبالتوازي مع ذلك، انسرب إلى قاع ذاك الأدب ما يمكن أن يُسمى لازمته البنيوية. وهي لازمة تتبدى في إشكالية الانتماء لدى الأديب الفرنكوفوني، أو انشراخ وحدة هويته، أو قلق انتمائه المرجعي من وطأة انتماءات تظهر عليه، من دون أن ترقى إلى مرجع أصيل يؤطر انتماءاته المتنوعة في وحدة متناغمة....
إن الجماعة حين تحدد هويتها ترتكز على انتماء مرجعي تبنى من خلاله نظرتها إلى ذاتها الجمعية، وإلى الجماعات الأخرى. لكن الذات الجمعية لا تعادل النحن إلا إذا تأسست على المشترك بين مكونات الجماعة. إن هوية الجماعة تتأسس على المشترك ولا تكون إلا به، مثلما يتأسس عليه الانتماء المرجعي للفرد. لكن بعد أن يتميز أو يتفرد على أساسه، أي بعد أن يبني حدّه الوجود المتمايز عن فرد آخر قد تمايز بدوره في وجوده عنه على أساس المشترك ذاته. أما إذا طُمس المشترك من الانتماءات الأخرى للجماعة، فإن الهوية الجماعية تتحول إلى هوية عصبوية وإقصائية، وفي أحيان كثيرة إلى هوية عرقية. غير أنه إذا ما تفاعل معها، واغتنى بها، فإن هوية الجماعة تترسّخ هوية جامعة تؤطر تلك الانتماءات وتتساوق معها في تطور متبادل.