عرف لبنان كثيراً من شعراء الزجل، ولا سيما في جبل لبنان وجبل عامل. وما النخبة من الأعلام الواردة في هذا الكتاب إلا عدد محدود (26 شاعراً) من مجموع شعراء الزجل
"روائع الزجل" كتاب من إشراف وتقديم رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين وكلية الآداب والعلوم الإنسانية، (دائرة المنشورات في الجامعة اللبنانية – طباعة دار بلال للطباعة والنشر – 2014).
يتضمن هذا الكتاب: تقديم ومقدمة، والموضوعات الآتية: "الزجل نشأته أنواعه وموضوعاته"، أبرز المصادر والمراجع: رشيد نخله، أسعد الخوري الفغالي، علي الحاج، علي الحاج البعلبكي، أنيس روحانا، أسعد السبعلي، طانيوس الحملاوي، كميل خليفه، وليم صعب، أسعد سابا، ميشال القهوجي، جان رعد، حنّا موسى، عبد المنعم فقيه، أنيس الفغالي، عبد الجليل وهبي، أسعد سعيد، خليل روكز، زين شعيب، السيد محمد المصطفى، جوزف الهاشم، جورج أبو أنطوان، جريس البستاني، موسى زغيب، خليل شحرور وطليع حمدان.
جاء في التقديم بقلم الدكتور عدنان السيد حسين: تهتم الجامعة اللبنانية بالزجل، ولا سيما الزجل اللبناني، في إطار اهتمامها بالأدب الشعبي. والأدب الشعبي مادة مقررة في البرامج الأكاديمية لكلية الآداب والعلوم الإنسانية. يمكن القول أن الزجل هو نوع من الشعر، له وزن وقافية؛ تشتقّ كلماته من العربية الفصحى، وإن كان بعضها يُقال بالعامية.
إنه يحاكي الطبيعة والإنسان معاً. وقد اجتذب عدداً كبيراً من المريدين، فكانت حفلات الزجل – وخصوصاً المباراة منها – حاشدة بالآلاف، وأحياناً بعشرات الآلاف من عشاق هذا الفن الشعري. صحيح إن لبنان تميز بزجل متطور، بصورة خاصة بعد نشوء المسرح الزجلي من خلال كبيرين هما: أسعد الخوري الفغالي (شحرور الوادي) وعلي الحاج القماطي؛ بيد أن المغرب عرف (الملحون) وهو نوع من الزجل، كما عرفت بلاد مصر واليمن "الأهازيج"، بينما عرفت بلاد الرافدين "الأبوذية" العراقية".
بكلمة أخرى، ثمة خيط يربط بين هذه الأنواع من الزجل، ما يؤكد علاقة الشعر الزجلي بالعربية الفصحى. لكن، لماذا تميز لبنان في هذا المضمار؟ لأن الطبيعة الريفية هي البيئة المساعدة، على ما فيها من سحر وجمال. وكيف إذا كان مناخ الحرية، والانفتاح الثقافية، من العوامل المساعدة والمشجّعة؟.
عرف لبنان كثيراً من شعراء الزجل، ولا سيما في جبل لبنان وجبل عامل. وما النخبة من الأعلام الواردة في هذا الكتاب إلا عدد محدود (26 شاعراً) من مجموع شعراء الزجل. قد يظن بعض المتابعين أن شعراء الزجل أميّون يعيشون على الفطرة، وهذا غير صحيح. منهم من كان أستاذاً أو مدرّساً أو مثقفاً.
تفتخر الجامعة اللبنانية بهذا العمل الثقافي، وتؤكد مجدداً على أهمية ما أحدثه الشعر الزجلي في بلانا وبلاد العرب من روابط إنسانية، ومدلولات ثقافية، وانتماءات حضارية. وهذا جزء من رسالة الجامعة المبيّنة في قوانينها وأنظمتها، والمطبوعة على جبين الوطن انتماءً وولاءً.
وجاء في المقدمة الذي مهرها الدكتور محمد حمّود والدكتورة ديزيره حبيب سقال: نشأ الأدب العربي عموماً، والشعر خصوصاً – يوم كان هذا الشعر علمَ قوم لم يكن لهم علم سواه – في كنف البيئة الأرستقراطية، إذا جاز لنا استخدام هذا المصطلح، لأن شاعر القبيلة كان يتمتع بمنزلة مميّزة بين قومه، وفي وسط قبيلته، بل في أوساط سائر القبائل؛ حتى إذا جاء الإسلام، وقامت سلطته، احتضن الخلفاء الشعراء ليصيروا، بغالبيّتهم، شعراء بلاط؛ ونادراً ما نلاحظ التفاتهم إلى هموم الناس، أو "هموم الشعب" كما نسمّيها اليوم، ما خلا أبياتاً قليلة في شعر أبي العتاهية، أو أبي الشمقمق، أو الخبز أرزي، أو سواهم... وحتى إذا التفت بعضهم إلى شيء من هذه الهموم، كان مؤرّخو الأدب يتحاشون ذكر هذا النتاج في مجاميعهم، لأسباب شتّى، أبرزها غلبة الاتجاه المحافظ، والنظرة المقدسة إلى اللسان الفصيح.
وعلى الرغم من وفرة "الأدب الشعبي" في تراثنا، فإننا لم نلتفت إلى "ألف ليلة وليلة" بجدية، إلا بعد أن صارت جزءاً من الأدب العالمي. ولكن، مع هذا، فإن أدبنا الشعبي هذا لم يحتلّ أي منزلة في مناهج تعليمنا الرسمي، سواء في المرحلة الثانوية، أو في المرحلة الجامعية ومراحل التعليم العالي.
المسألة إذاً، ليست جديدة – نعني غياب الزجل، أو الشعر المكتوب باللغة المحكية، والأغاني، والأهازيج الشعبية... عن هذه المناهج، على أهمية هذا النتاج في الدلالة على أوضاعنا الفكرية، والاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، والإنسانية. من هنا أهمية هذا الكتاب الذي سعى إلى أن يكون جامعاً قدر المستطاع، والذي يعود الفضل في إصداره إلى معالي رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين الذي قام بجمع النصوص، وأشرف على تبويبها؛ وهو صاحب الفكرة، فله الفضل الأول فيها، وفضل المتابعة والمشاركة في تنفيذها.
أما الغاية الأساسية لهذا الكتاب، من وجهة نظرنا، فيمكن اختصارها بالنقاط الآتية:
- أولاً: جمع عدة نصوص جرى تناقلها شفهياً، وهي غير معروفة في أي مكان آخر في محاولة لتشجيع المعنيين بجمع هذا النوع من النتاج وتوثيقه.
- ثانياً: التعريف بعدد كبير من شعراء الزجل المؤسسين، وبشيء من نتاجهم، في كتاب أكاديمي الطابع.
- ثالثاً: تكريس الزجل باعتباره فناً أدبياً يستحق التوقف عنده ودراسته في مناهجنا التعليمية والجامعية – ولا سيما أن بين البرامج اليوم مادة تحمل عنوان "الأدب الشعبي" – وهذا تكريس تطمح إليه مؤسسة أكاديمية تعتبر الأبرز من بين مؤسسات التعليم العالي في لبنان، نعني الجامعة اللبنانية.
- رابعاً: وضع مادة متواضعة بين أيدي طلابنا في الدراسات العليا (الماستر والدكتوراه) لينطلقوا منها في معالجة الإشكاليات التي طرحتها هذه الدراسة، وتلك التي تتفتق عن أذهانهم، والمرتبطة بموضوع الأدب الشعبي عموماً، والزجل خصوصاً.