28-11-2024 04:36 AM بتوقيت القدس المحتلة

حسابات السعودية ..ورهاناتها الثلاث

حسابات السعودية ..ورهاناتها الثلاث

لقد افتتحت مقالتي حول "الإشباع الذاتي لعرب الإعتدال .. والمخاض العسير" في 31-08 من العام 2012 , من حيث انتهى المستشار الأمريكي الأسبق للأمن القومي زيغنيو بريجنسكي

حسن شقير*

لقد افتتحت مقالتي حول " الإشباع الذاتي لعرب الإعتدال .. والمخاض العسير"  في 31-08 من العام 2012 , من حيث انتهى المستشار الأمريكي الأسبق للأمن القومي زيغنيو بريجنسكي في كتابه "نظرة استراتيجية : أمريكا وأزمة القيادة العالمية " في توصيفه لما أصاب  أمريكا من وهن وضعف , بأن هذه الدولة تصرّفت –وفق ما أسماه بريجنسكي – " على أساس مبدأ الإكتفاء" أو الإشباع الذاتي , كما لو أنها اعتقدت حقاً أن التاريخ قد وصل إلى نهايته
لقد فصلت قي تلك المقالة أن الإشباع الذاتي قد أصاب أيضاً دول الإعتدال العربي , وتحديداً الخليجية منها , نظراً لإعتقادهم أن هذه اللوثة قد نزلت بساحتهم في أربعةٍ من الأبعاد : نفطياً , عسكرياً , ثورياً وجيوبوليتيكياً
وقد خلصت في تلك المقالة يومها أن عرب الإعتدال , وخصوصاً الخليجيين منهم , قد وصلوا إلى حد التخمة السياسية من تلك الإشباعات الذاتية الزائفة , حيث أصيبت وستصاب دولهم بعُسر هضم سياسي لجميع هذه الملفات .. مما سيُمهِّد لاحقاً إلى انفجارها الحتمي من داخل بلدانهم
اليوم , وبعد أن أصابهم ما أصاب راعيتهم أمريكا , وذلك وفقاً لمبدأ المقدمات والنتائج , نجد أن السعودية من بين كل أولئك تُصارع كي لا تصاب بذاك الداء الذي حل بأقرانها من  الدول المعتلّة
لقد كتب الكثير الكثير حول الحرد السعودي الأخير من إتفاقي أمريكا الكيميائي والنووي , وأن هذه الدولة تتصرف  اليوم - جرّاء قلة الوفاء الأمريكي لها – بعقلية ثأرية وتخريبية , رافضةً  الجسر الإيراني الذي مدته طهران نحوها في تكرار محاولاتها للوقوف على خاطرها في حفظ مكانتها الشرق أوسطية .. والذي لم يلق منها تجاوباً حتى الأن ! وذلك ربما مرده إلى مجموعة من الحسابات والرهانات التي تعوّل عليها في  إثبات وجودها ومكانتها المتضخمة  في الخليج والشرق الأوسط برمته.

الرهان الصهيوني
لئن نحينا جانباً المظلة الأمنية المشتركة التي حاكتها أمريكا , والتي أثبتت واقعيتها الفعلية في مجموعة من التطورات التي تعصف بالمنطقة منذ بداية الأزمة في سوريا , وخصوصاً في ذاك التنسيق الأمني القائم بين الكيان الصهيوني – ولو بالواسطة – مع السعودية على الأض السورية واللبنانية, وتلاقي الأهداف بينهما , وتوحيد " العدو " لديهما .. وغيرها من الإجراءات الثنائية التي جعلت من هذه المظلة فعلاً موجوداً .. ولكن بعيداً عن كل ذلك , تعوّل المملكة - في فترة عنادها هذه - على التاريخ البعيد والقصير في غلبة النظرة الصهيونية دائماً في الإختلاف في تحديد الأولويات بين أمريكا والكيان , في مختلف المواضيع التي تبدأ بالإستيطان ( الأزمة التي  نشبت بينهما في العام 2010 , واختتمت حينها لصالح التوافق بينهما على مبدأ – ما زال سارياً حتى اليوم – " لا تسأل , ولن أعلن " ) , وتقديم الأولويات في ملفي التفاوض الصهيوني مع السلطة الفلسطينية , وملف النووي الإيراني ( وإن اختلفا في التقييم حول مدى فعالية الإتفاق المبدئي  في الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني ) ,  وغيرها من الملفات الأخرى التي يكسب الترجيح فيها لصالح الصهيونية , وذلك بفعل تأثير اللوبيات الصهيونية في  الملاعب السياسية الأمريكية في مجملها ...وخصوصاً أن الولايات المتحدة الأمريكية مقبلةٌ في العام  القادم على إنتخابات نصفية , ينشط فيها الحزبان الأمريكيان على التودد لتلك اللوبيات الصهيونية نظراً لما لها تأثير على المرشحين والراي العام الأمريكي برمته ... من هنا يمكن القول أن السعودية – إذا ما استمرت في عنادها وحردها – ربما تُراهن على بتر الإتفاق الإيراني – الدولي وإجهاض أي تقدم نحو نهاياته , وذلك بفعل صهيوني , قد تكون قد وُعدت به!
ينبغي التذكير فقط أن عقيدة الصهاينة المخادعة تقتضي أحياناً  في قتل بعض اليهود ,أو حتى بعض حلفائهم في سبيل  تحقيق مآربهم السياسية , وتركهم لخدمهم المخلصين على قارعة الطريق , ما تزال معاشة حيّة ً في وجدان الشعوب العربية والإسلامية والأممية على السواء. فكيف بخداعهم في السياسة ؟

الرهان الإيراني: تخريب الداخل
تدل المعطيات على  أن نظرة السعودية  لإيران – الثورة , تتم واقعاً من خلال منظار أمريكي أو حتى صهيوني , بعيداً عن منظارها الخاص ! إلاّ أن الحقد الأعمى الذي يعيشه  بعضُ  سياسيي المملكة , على ما جنته إيران من مكاسب سياسية وعلمية وتكنولوجية , بأيديها تارةً وبأيدي أعداءها تارةً أخرى , كل ذلك جعل من المملكة  تراهن في المستقبل الحالي والمنظور على تخريب الداخل الإيراني , في ظل عجزها المحتوم عن فعل ذلك من خلف  الحدود – سواء عبرها أو بالواسطة - , وذلك عبر المراهنة على فرز الرأي العام داخل إيران بعد الإتفاق النووي , عن طريق انطلاق صراع خفي بين أطياف الشعب الإيراني , حول المكانة والدور المستقبلي لإيران في المنطقة , وبناءً على ذاك المنظار الصهيوني , فإن الصهاينة يمنون أنفسهم- بوعود أمريكية - ومن خلفهم السعودية , بأن العقوبات الفعلية والحقيقية لن تُرفع بهذه السهولة عن إيران قبل حدوث السلة المتكاملة للحل , حيث أن الجمهورية الإسلامية – ودائماً من المنظور الصهيوني – ستبقى تتخبط في أزماتها الإقتصادية .. وستبقى هي وحلفائها مُستنزفة في الميدان السوري والعراقي وحتى اللبناني , مما سيجعل من كل هذا أزمةً حقيقية للنظام الإسلامي في إيران .. مما سيضطرها , والحال هكذا , أن تمد يداً أكثر بسطاً , وجسراً أكثر اتساعاً نحو السعودية , أوسع بكثير من حجم المملكة السياسي في المنطقة.

ما لم تدركه المملكة , أو لربما ما لا تُريد ادراكه , أن هيكلية النظام في إيران , يجعل منه أكثر مرونةً في تخطي العقوبات المفروضة عليه , وأكثر استثماراً للإتفاق النووي مع الدول الخمسة زائداً واحد , وذلك بجعل نظام العقوبات يتآكل وينهار بشكل تلقائي ودراماتيكي .. يصعب معها على أمريكا الأفلة , والصهيونية المرتجفة , من فرملة عجلات سقوطه .. مما سيؤدي حتماً إلى نتائج معاكسةٍ تماماً لما تتوخاه السعودية في المنطقة , حيث يكون – على الأرجح جداً – ما هو معروضٌ عليها إيرانياً اليوم , لن يكون كذلك بالتأكيد غداً.

الرهان الروسي
لم تحمل الزيارة الثانية لأمير الإستخبارات السعودية , أي عرضٍ مشابهٍ في طياته , لذاك العرض الذي اشتمله زيارته الأولى تلك , لأن ما تسرّب عن هذه الزيارة الأخيرة , لم يكن فيه بندر مهدداً ومتوعداً , أو مغرياً , أو حتى راشياً .. إنما هذه المرة كان ودوداً عارضاً وطالباً للمساعدة والمساندة لروسيا في كيفية تعزيز التعاون السعودي – الروسي في مجال الطاقة النووية , ومجال مكافحة الإرهاب , وتحديداً في بلاد القوقاز الروسي  , وذلك يُفسرفي التحليل السياسي  بطرحه عرضاً بتنظيم انتقال الإرهابيين من المخابئ الروسية  إلى المقابر السورية , ودون أية مطالبة   تُذكر بعدم قيام سوريا – الأسد , أو إيران – الثورة , أو حزب الله – المقاومة في محاربتهم الحصرية  لكل أولئك المُسفّرين .. وهذا ربما مرده إلى رغبة السعوديين في تبييض صفحتهم عند الروس الصاعدين والمؤثرين المستقبليين في المنطقة , ورد الصفعة لأمريكا وإغاضتها إيضاً ..فضلاً عن هدفها غير المعلن في زيادة كم هؤلاء الإرهابيين في سوريا ولبنان والعراق , فضلاً عن تركيا , وذلك لهدفٍ قديم – متجدد لإطالة أمد الإستنزاف المادي والبشري عند محور الممانعة ..  فتستحصل عندها على سجل نظيف في مكافحة الإرهاب العالمي , بدلاً من أن يبقى سجلها مدمغاً بصناعة الإرهاب وتفريخه.

هذا التذاكي السعودي – المبطن , يُعبِّر عن قصر نظرٍ , فماذا لو كان كلُ هذا التحشيد غير فعّالٍ في إطالة عمر الأزمة  ؟  وماذا لو اكتشف كل أولئك المغرر بهم , أنهم يُستعملون كورقة ابتزاز من قبل مشغليهم ؟ فيترك عندها الكثير منهم - من السوريين تحديداً - سلاحهم طوعاً ويستفيدون من مراسيم  العفو المتلاحقة ؟ وماذا لو كانت المقاومة وكل أطراف محور الممانعة قد خبأوا لهم المفاجآت المتلاحقة والقاضية ؟ وماذا سيفعل  مرسليهم ومشغلييهم  عندما يفقدون أدوارهم التي توخوها قبل أن تبدأ ؟ وماذا لو قرر أولئك الإرهابيين في تغيير وجهتهم نحو مستغليهم ومستعمليهم , على فرض الإنتقام ؟

بكلماتٍ مختصرة , الهامش الزمني يضيق حتماً أمام السعودية , حتى يكاد كل السحر الكوني الذي حيك لسوريا , سينقلب دفعةً واحدةً على الحلقة الأضعف من أولئك السحرة , والتي ستكون المملكة العربية السعودية في مقدمتهم , وعلى رأسهم ... فهل من يعقل فيها ؟ الأيام كفيلةٌ بالإجابة.

* باحث وكاتب سياسي