بجواب مختصر، خلال 1000 يوم من عمر ثورة البحرين، كبرت المعارضة، وصغرت السلطة.إنه ليس جواباً بلاغياً، إنما هو جواب يختصر معنى ما حدث.
علي الديري*
بجواب مختصر، خلال 1000 يوم من عمر ثورة البحرين، كبرت المعارضة، وصغرت السلطة.إنه ليس جواباً بلاغياً، إنما هو جواب يختصر معنى ما حدث. كبرت المعارضة، والمعارضة هنا ليست الجمعيات السياسية فقط، هي كل الناس الذين يقفون ضد السلطة التي يمثلها ملك البحرين.
تبدو السلطة في اليوم 1000 من الثورة، طفلاً صغيرا يعاني من مرض التوحد، لا تجيد الكلام مع شعبها، تتلعثم في الكلام مع جيرانها، تصاب بحبسة الكلام أمام المنظمات الحقوقية. لا تسمع غير جارتها الكبرى وتجد فيها أماً تمنحها الأمان الذي لا تمتلكه. ترفض كل المبادرات التي تريد حل مرضها، تقول مصطلحات ومفاهيم سياسية لا تفهمها أبداً (ديمقراطية، مملكة دستورية، برلمان منتخب، مواطن، قانون، دستور، حوار، توافق وطني)
المصاب بمرض التوحد يظل صغيراً دوماً إذا لم يخضع للعلاج (خلال 1000 يوم في حالة الدول) يظل ينفذ حركات متكررة، كمداهمة البيوت وانتهاك حقوق الناس، ويفقد سكينته عند حصول أي تغيير، اتفاق الآخرين مع جيرانه مثلاً أو تغيير أي رئيس وزراء في العالم، أو تغير نبرة حليفه معه. يصاب بالذهول والترويع بمجرد أن يطرح معارضوه مبادرة لحلحلة وضعه.يحتاج دوماً لطمئنة لا من شعبه بل من الأساطين التي تأتي من خلف البحار.
تكبر الشعوب في الثورات، وتخرج من (توحدها) وتدخل (وحدتها) مع الشعوب الأخرى التي تشاركها الحلم بالحرية أو سبقتها في تحقيق حلمها. كَبُر البحرينيون وصغر آل خليفة. لا حاجة للكناية هنا ب(السلطة) فالمريض بالتوحد يحتاج المصارحة، وسبب أصيل في استمرار المرض هو الكناية عنه بدل تسميته.
الشعب الصغير غدا كبيراً، عصياً على أن يُسوّى، كبر في الألف يوم وصارت شعوب الثورات الأخرى تقاس به، تقاس بسلميته ونفسه الطويل ومدنيته وعمره الثوري.
وكبُرت الجمعيات السياسية بشعبها، أنتجت خطاباً سياسياً مسؤولاً، يعرف ما يريد، ويعرف حدود ما يمكن أن يحققه، ويعرف الصعوبات التي تحول دون ما يريد، ويعرف نقاط ضعفه.
في يومها الألف فرضت الثورة البحرينية نفسها على المستوى الإقليمي، صارت جزءا من تسوية إقليمية، لكنها ليست ورقة للاستخدام، لأن مطالب أهلها لا مساومة عليها، هي عنوان من عناوين التسوية الإقليمية بالثقل الذي منحه لها أهلها، فهم طوال 1000 يوم لم يتوقفوا عن تغذية ثورتهم بأسباب الثبات والصمود والإمداد بما يجعلها حية حاضرة في الأرض والجدران والسماء وشاشات الفضائيات (رغم خذلانها) والأثير الافتراضي.
لديها مخزون من المقاومة السلمية، ما يجعلها مدرسة لكل الشعوب، حتماً سينصفها التاريخ، كما أنصف (نيلسون مانديلا)سيحج لها الناس، وينصتون لأبطالها الذين وضعوها على سكة الحرية.
موت (مانديلا) وضع السلطة في خانة الاتهام ووضع المعارضة في خانة الأصدقاء، السلطة بدت نموذجا لما حاربه (مانديلا) بسياستها الفاضحة في التمييز، والمعارضة بدت الصديق الذي حرص على أن يزور تجربة (مانديلا) ويتعلم من تجربته التعالي والمغفرة لا النسيان والصبر والتحمل، وهذا ما ظهر في شكل التعازي التي اهتمت كثيرا بها المعارضة. باختصار كما إسرائيل وجدت تحرجاً في المشاركة في جنازة مانديلا وجد نظام التمييز البحريني الحرج ذاته وإن بشكل آخر.
1000 ورموزها الذين في السجون يحملونها رغم أنف الجلاد، ورموزها الذين خارج السجون يرفعونها في كل مكان، لا السلطة أسكت من في خارج السجون ولا تمكنت من من في داخلها.
بعد 1000يوم، أفقدت الثورة العائلة المالكة هيبتها، تلاحقها في العواصم الغربية، وتهز صورتها في الإعلام العالمي، وتقض مضجعها في الداخل، وتفقدها سيطرتها على الأرض.
1000 يوم والثورة مستمرة والحلم بالتغيير مستمر والناس غير مقتنعة أبداً بالتراجع، على الرغم من كلمات ماجدة الرومي للدكتاتور، ومقالات جهاد الخازن الملفقة، وحملة كيم كاردشنا ومؤتمرات البحرين عاصمة السياحة والصحافة والثقافة وحملات شركات العلاقات العامة.كل ذلك لم يجعل من السلطة كبيرة، بقيت في المؤخرة كأرخص شيء في العالم.
*كاتب بحريني.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه