«صفر مشاكل»، المعادلة تركية في السياسة الخارجية، تصحّ في هذه الأيام مع لبنان بوضوح وصراحة.
مارلين خليفة
«صفر مشاكل»، المعادلة تركية في السياسة الخارجية، تصحّ في هذه الأيام مع لبنان بوضوح وصراحة. فعلى الرّغم من اهتزاز العلاقة التي ولّدها ملف المخطوفين اللبنانيين في أعزاز والتي أعقبها اختطاف طيارين تركيين الصيف الفائت ثم تمّ تحريرهما في صفقة متكاملة شملت اللبنانيين، فإن لبنان يبقى ذا «نكهة» ممــيزة بين جــميع الدول العــربية التي تحرص تركيا على نسج أفضل العلاقات معها.
هذه القناعة التركية ظهّرها بوضوح السفير التركي في بيروت سليمان إنان أوزيلديز أثناء لقاء حواري مع أسرة التحــرير في «السفير». ويشير السفير العارف بعمق للشأن اللبناني، إذ عمل في سفارة بلاده بين عامي 2002 و2004 قبل تعيينه سفيرا عام 2010، الى أنه طالما ردّد «أن تركيا صادقة مع لبنان ومحبّة لشــعبه، وتتــصرّف معــه بشــفافيّة مطلقة بعيدا من أيّة أجندات مخفيّة قد يتخيّلها البعض». وانطلاقا من هذه الفكرة، يقارب أوزيلديز ملفات شائكة عدّة.
المطرانان
كانت قضية المطرانين المخطوفين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي في سوريا مدخلاً طبيعياً للحوار مع السفير التركي: أين هما المطرانان المخطوفان؟ يرسم أوزيلديز ابتسامة ذات مغزى ويروي: «في الأسبوع الفائت طلبت مجموعة مسيحية أرثوذكسية التظاهر أمام مبنى سفارتنا في النقاش، ووزّع المتظاهرون أوراقا مطبوعة تظهّر صورا لآيا صوفيا مرورا بصور لراهبات معلولا المختطفات والمطرانين، الى حوادث أخرى حمّلوا تركيا مسؤوليتها كلّها، وهذا غريب، لأنه ليس لتركيا حضور في سوريا منذ عام 2012، وهي لا تمتلك وسائل للاستعلام للعثور على أيّ من المختطفين هناك». يتابع ردّا على تعقيب يستغرب هذا الانكفاء «غير الواقعي»: «لا أحد يعرف مكان وجود المطرانين، فهما اختطفا على مسافة زمنية مقدارها 10 دقائق من حلب في نيسان الفائت، والمعلومات عنهما غير مؤكّدة ولا دقيقة، وبالتالي لا أحد يعرف حقيقة مصيرهما. ونحن نأمل ونتمنّى أن يكونا بصحّة جيّدة وأن يتمّ تحريرهما بسرعة. نحن على اتصال مع الجماعات السريانية والأرثوذكسية الموجودة في تركيا، ولو كان لدى تركيا إمكانيات لتحريرهما لما قصّرت». نافياً «أن يكون على علم بأن تركيا قد طلبت مؤخراً تزويدها بمعلومات جديدة عن المطرانين».
ويعود أوزيلديز الى ملف مخطوفي أعزاز المحررين، لافتا الى أن «تركيا قامت بكلّ الجهد الممكن في بداية الأزمة للمساعدة في تحرير المختطفين اللبنانيين في أعزاز، وهي وفت بعهودها، لكن المختطفين اللبنانيين لم يكونوا يوما تحت سيطرتها ولا تحت سيطرة المعارضة المنظمة المدعومة من تركيا، بل كانوا بعهدة مجموعة من المهربين والمجرمين، وكان تدخّل قطر عنصراً مهمّاً وحاسماً في تحديد مصير المخطوفين التسعة الذين أفرج عنهم، وليس عامل اختطاف الطيارين التركيين في لبنان». مردفا: «لدى تركيا حوار مع المعارضة المنظمة في سوريا، لكنّها لا تسيطر على الأراضي في شمال سوريا».
وعن العلاقة مع «حزب الله» يقول: «لدينا اتصالات منتظمة مع حزب الله كما قال السيد حسن نصر الله قبل أسبوعين في مقابلة له».
يضيف ردّا على سؤال: «بالطبع نحن لسنا على الموجة ذاتها مع الحزب في ما يخصّ سوريا، لكن حزب الله هو حزب لبناني ينبغي أخذ وجهة نظره بالاعتبار، ونحن نستمع الى آرائه في ما يخصّ لبنان والمنطقة. التباين حول سوريا لا يعني أننا على خلاف معه، بل نتقاسم معه نقاطا مشتركة حول بعض القضايا».
التجارة والسياحة مع لبنان
تشكّل العلاقة التجارية بين تركيا ولبنان دليلا حاسما على تطوّر العلاقة بين البلدين «وهي في نموّ مستمر وذلك على قواعد ثابتة». ويقول السفير أوزيلديز إنّ «حجم التبادل التجاري وصل في العام الفائت الى 1.2 مليار دولار أميركي، فيما وصل في الأشهر التسعة الأولى من هذه السنة الى أكثر من مليار دولار». لافتا الى تواصل سياحي قوي بين تركيا ولبنان، «أكثر من 150 ألف لبناني زاروا تركيا هذه السنة، فيما تجاوز عدد الأتراك الذين اختاروا لبنان وجهة لهم الـ50 ألف مواطن تركي».
يضيف: «لقد فعلت السلطات اللبنانية ما في وسعها لتبقى العلاقة طبيعية، وقد صبّت الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي في 21 تشرين الثاني الفائت الى تركيا في هذا الهدف».
بالنسبة الى ملفّ النفط يشير أوزيلديز الى «طلب شركتين تركيتين اثنتين الاستثمار في النفط اللبناني بعد طلب استدراج العروض».
إيران جار قديم
ينفي أوزيلديز أن تكون السياسة الخارجية التركية بعد بدء الحراك العربي عام 2011 «تبحث عن تعريف لدورها في المنطقة»، بل يصفها بـ«الثابتة والواضحة والمرتكزة على قيم كونيّة أبرزها ما تطالب به الشعوب العربية ومنها الشعب السوري، ولا تزال تركيا تقيم علاقات جيدة مع الدول العربية برمّتها».
«في الأسابيع الأخيرة بدأت تركيا سلسلة محادثات على أعلى المستويات مع جيرانها، وخصوصا روسيا وإيران والعراق»، بحسب السفير التركي.
يقول أوزيلديز إن تركيا تؤيّد الاتفاق حول الملف النووي بين إيران ومجموعة الـ5+1 «إذ سينعكس إيجابيّا على طهران وتركيا والمنطقة برمتها». يضيف: «طالما كانت علاقاتنا ممتازة مع إيران على الرّغم من بعض التباينات في وجهات النّظر حول سوريا وبعض قضايا المنطقة، لكن طالما كان لدينا حوار مفتوح ودائم مع إيران، ونحن لسنا جيرانا فحسب بل جيران قدماء منذ مئات السنين، ولدينا واحدة من أقدم الحدود السياسية مع إيران منذ القرن السابع عشر، ويفوق حجم التجارة المتبادل بين بلدينا الـ21 مليار دولار أميركي».
وعن الحديث عن إمكانية قيام محور إيراني ـ تركي ـ إسرائيلي في المنطقة يقول: «هذا خيال مطلق».
عن العلاقة مع حركة «حماس» يقول السفير أوزيلديز: «إن تركيا تقيم علاقات جيدة معها، وثمة نية لرئيــس الوزراء الــتركي رجب طيب أردوغان لزيارة غزة، وتتقاســم تركــيا هموم أشــقائنا الفلسطينيين في غزّة، وهي تدعو الى الوحدة بين الفلسطينيين».
عمّا يتردّد عن عدم رضى الأميركيين عن الدّور التركي في سوريا قال السفير أوزيلديز: « ليس لدينا أي اختلاف في وجهات النّظر مع واشنطن، بل يربطنا تعاون وثيق في مسائل تخصّ المنطقة. وزير خارجيتنا داود أوغلو زار الولايات المتحدة الأميركية في تشرين الثاني الفائت وأجرى مباحثات مكثفة مع نظيره الأميركي جون كيري».
نفى أوزيلديز أن تكون تركيا قد اعتمدت سياسة هجومية ضد سوريا، مشيرا الى تعاونها مع المجتمع الدولي قبيل انعقاد مؤتمر «جنيف2»، «وتركيا معنية بالتحضيرات لهذا المؤتمر، وهي تستمر ببذل الجهود من أجل توحيد صفوف المعارضة السورية لكي تتمثل موحدة في المؤتمر الموعود في جنيف».
أوروبا
يشدّد أوزيلديز على أهمية العلاقات بين تركيا والاتّحاد الأوروبي، وعلى العملية المستمرة من أجل انضواء تركيا بعضوية كاملة في الاتحاد الذي يضمّ 28 دولة.
يعتبر أوزيلديز، الذي عمل سفيراً لبلاده في بروكسل وواشنطن وباريس، أنّ دخول تركيا الى الاتحاد الأوروبي «يتمّ تدريجيا، وقد تمّ تجديد المفاوضات أخيرا بين الطرفين، أما العائق الرئيسي فيتمثل في اعتراض بعض البلدان على انضمام تركيا الكامل الى الاتحاد، لكنّ تركيا هي اليوم جزء من أوروبا على مستويات عدّة، فهي شريكة في عدد من المنظمات الأوروبية، وهناك أكثر من 5 ملايين تركي يعيشون في أوروبا، وتركيا هي بين أقوى 7 اقتصاديات في أوروبّا».
يضيف أوزيلديز: «إذا انضمّت تركيا الى الاتحاد الأوروبي فسيكون الأمر ذا فائدة كبرى للمنطقة، وخصوصا للبنان وسوريا، لأن هذين البلدين سيكونان محاذيين للأنظمة الأوروبية الديموقراطية والمستقرّة».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه