الفكر الوهابي الذي يدعوا لإقصاء الآخر بالقتل إذا رفض الدين الحق كما أسسه ابن عبد الوهاب، يجب تجريمه دولياً على غرار الفكر النازي والفاشي ومجاميعه السياسية.
ما عاد من مجال للسكوت على كل تلك الجرائم. بحور من الدماء في سوريا والعراق، تتهدد لبنان اليوم بعدما اجتاحت الجزائر ومصر وأفغانستان خلال عقود خلت. كلها جرائم مصدرها واحد أحد: الحركة الوهابية ومتفرعاتها من تنظيم قاعدة وغيره. آن الأوان لإطلاق حملة عربية دولية إسلامية لتجريم هذا الفكر وذاك النهج.
معاذ عابد / جريدة الأخبار
تنتسب الحركة الوهابية عقائدياً إلى الفئة الحنبلية المسماة بالمجسمة، والتي أسس لها ورسخ عقيدتها الدينية ابن تيمية الحراني. حركة قامت منذ بداياتها على القتل، على تصفية الآخر. حاول مؤسسها، محمد بن عبد الوهاب، أن ينشر مذهبه، الإصلاحي من وجهة نظره الدينية، بين القبائل البدوية التي تعتاش على الغزو كطبيعة لسكان البوادي العربية. لكن رفضها إياه بسبب وجود الأشراف في الحجاز من جهة وعدم وجود الوازع الديني لهذه القبائل من جهة أخرى حال دون اتمام مهمته الدينية التي ابتدعها وعمل عليها. وحين نشأت الحروب القبلية بين العشائر في الجزيرة العربية، والتي انتهت بترسيخ سلطة آل سعود، كان الحلف بين أتباع ابن عبد الوهاب وآل سعود ضرورة موضوعية أملته حاجة الأخيرين لغطاء ديني وحاجة ابن عبد الوهاب للسيف ولحركة تقوي منهجه الديني.
لم يكن لديه أي اهتمام بالولاية السياسية بقدر اهتمامه بالولاية الروحية والعقائدية. تحالف بين آل سعود وبين الوهابيين أسفر عن اتفاق جعل محمد بن سعود «أميراً للمؤمنين» وذريته من بعده لها السلطة الزمنية أي الحكم. على أن يكون الطرف الثاني، محمد بن عبد الوهاب، إماماً للدعوة، وذريته من بعده تتسلم السلطة الدينية التي من أولى مهامها تكفير كل من لا يسير مع أتباع الحركة الوهابية ولا يدفع ما لديه من مال، وقتل الرافضين كافة لقتال أعداء الدعوة الوهابية. ومن الواضح استمرار هذا الاتفاق إلى يومنا هذا، فمفتي السعودية عبدالله آل الشيخ ينتسب بالنسل إلى «الشيخ» محمد بن عبد الوهاب.
منذ نشأت هذه الحركة أعلنت بصراحة أنها هي دين الحق ومذهب السنة الصحيحة ومنهج التوحيد السليم ومن خالفها من عموم المسلمين أهل بدعة وضلالة وهم في النار إلا إذا تابوا وعادوا للدين السليم، الذي وضع قواعده ابن تيمية واسس لمنهجه الحديث ابن عبد الوهاب. وبدأت هذه الحركة، التي تشكلت من العصابات واللصوص، أعمالها الدموية مبكراً فأغارت أولى سراياها العسكرية، بعد أن أعلن الشيخ نفسه الجهاد، على الأعراب يسلبونهم المال والنساء ويعملون فيهم القتل.
وبدأت فتاوى التكفير والقتل تظهر. وأول من قتل كان أئمة المساجد كما ظهر في مجموعة رسائل بن عبد الوهاب في أحد المشهورين. يقول محمد بن عبد الوهاب: «إن عثمان بن معمَّر ــ حاكم بلد عيينة ــ مشركٌ كافر، فلما تحقق المسلمون من ذلك تعاهدوا على قتله بعد انتهائه من صلاة الجمعة، وقتلناه وهو في مصلاه بالمسجد في رجب 1163 هـ.». وانتشرت رحلة القتل الممنهج وطالت جرائم الوهابية كل الجزيرة العربية وما حولها حتى أنها وصلت إلى وسط الأردن في معركة زيزيا المعروفة بين القبائل الأردنية وبين الوهابيين وغزا الرياض، واستباح أموال أهلها ثم غزا الطائف وحدثت مجزرة معروفة مشهورة في التاريخ.
نما الفكر الوهابي وتطور إلى أن التقى بحركة الإخوان المسلمين في سبيعينيات القرن المنصرم في زواج بين فكر الاسلام السياسي الإخواني وبين الحركة الوهابية. وقتها طلب المرشد الإخواني من أحد أعضاء جماعته، وهو الارهابي المعروف عبد الله عزام، الذي كان يعمل مدرساً في السعودية الذهاب إلى أفغانستان لانشاء «قاعدة جهاد متقدمة» لتكون في المراحل اللاحقة درعاً عسكرياً للإخوان إذا تمكنوا من الحكم ولحمايته كما حصل في مصر حيث أكد توجه الإرهابيين إلى سيناء هذا الأمر كما نراه يومياً ونسمع عن القتل والتدمير في الجيش المصري وفي المصريين. ومن اللافت أنّ زعيم تنظيم «القاعدة» اليوم أيمن الظواهري كان طبيباً إخوانياً أُرسل إلى أفغانستان لعلاج الجرحى مع أطباء كثر منهم عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق.
بدأت جرائم الوهابية مع نشوء تنظيم القاعدة وحركة طالبان، وانتشار الفكر الوهابي بفعل التمويل الهائل الذي تضخه القنوات الدينية الممولة من السعودية وقطر بين بسطاء المسلمين في آلة دعائية هائلة موجهة لرفض الآخر أياً كان؛ فعلى سبيل المثال هناك قنوات لمحاربة المذهب الشيعي وقنوات لمحاربة التصوف ولمحاربة المسيحية. جرائم لا تعد ولا تحصى ظهرت في بداية التسعينيات في الجزائر بالقتل الممنهج الذي قامت به جماعاتها المتطرفة بحق الجزائريين، ثم انتشرت على شكل تفجيرات في كل مكان من العالم طالت داعمي «القاعدة» الرئيسيين في أفغانستان ومن أمدهم بصواريخ «ستينغر» والحديث عن الأميركيين أنفسهم. وفجرت القطارات في بريطانيا واسبانيا، قبل أن تبدأ حربهم الدموية في العراق الذي يغرق يوميا في بحور من الدماء.
عند بداية الأزمة في سوريا، جمع تنظيم «القاعدة» وأتباع الفكر الوهابي الآلاف من أتباعها إلى سوريا حيث باشروا القتل على الهوية الطائفية بصورة تقشعر لها الأبدان من ذبح وسلخ للبشر وقطع للرؤوس وشيها بعد سلخها عن الجماجم في مشاهد مقززة تظهر مدى وحشية هذا المنهج.
ومع ذلك، فقد فشلت التفجيرات في باكستان والعراق ومصر وسوريا والأردن وأخيراً لبنان في تحقيق أهدافها في معظم هذه الدول.
الفكر الوهابي الذي يدعوا لإقصاء الآخر بالقتل إذا رفض الدين الحق كما أسسه ابن عبد الوهاب، يجب تجريمه دولياً على غرار الفكر النازي والفاشي ومجاميعه السياسية. هذه هي الحملة التي يجب أن تبدأ اللجان الحقوقية والقانونية العمل من أجل رفع دعوى قضائية دولية ضدها. يجب البدء بجمع التوكيلات من ذوي ضحايا هذه الحركة المجرمة وأتباعها، وما أكثرهم في كل مكان، ومن كل من يرى أن هذه الحركة تشكل تهديداً على حياته وعلى حياة أسرته والشواهد التي ستدعم مثل هذه القضية تحتاج الى شاحنات كبيرة لحمل ملفاتها الورقية وحدها. يجب النيل منها ومعاقبة مموليها وداعميها ورعاتها السياسيين والدينيين في كل مكان كضرورة أخلاقية.
لم يعد هناك مجال للشك بأنها كحركة وفكر ضد الإنسانية. هي تدعو إلى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. يجب العمل الدؤوب والفاعل حتى تُخمد نيران الحقد الهمجي الأعمى التي انطلقت بعبارة ابن عبد الوهاب في نجد : «من دخل في دعوتنا فله ما لنا وعليه ما علينا ومن لم يدخل معنا فهو كافر حلال الدم والمال».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
رابط المقال على صفحة جريدة الأخبار :http://www.al-akhbar.com/node/197060