يقول لنا» كن واثقاً اننا بتنا نخاف من الاسلاميين اكثر مما نخاف من اهل النظام ولكن تصور ما يمكن ان يحل بي اذا شاهدني ابو بكر البغدادي انا و ادخن السيكار، او حتى وانا اضع خاتم الزواج في اصبعي».
نتصل بصديق قديم انتقل الى الائتلاف الوطني السوري لانه يعشق تدخين السيكار. لا يتورع عن قول ذلك علنا ومازحا « يا صاحبي لا اريد ان اكون ونستون تشرشل او الفرد هيتشكوك او ارنستوتشي غيفارا، لكنني اريد ان اشعر في يوم ما بأنني لست مخلوقا عربيا عجيبا.انظر الينا، ألا نشبه المخلوقات العجيبة؟».
نبيه البرجي / جريدة الديار
حين اتصلت به قبل ايام، وسألته عن وضع الائتلاف، قال لي «تنك، والله تنك»، ولكن ليتذكر ما قاله لي عندما قفز بهلوانياً الى احضان رجب طيب اردوغان «الآن عدت مخلوقا عربيا عجيبا». قالها ضاحكا، ولكن ليضيف «عليك ان تتصور ان احمد العاصي الجربا هو الذي سيقودنا الى جمهورية افلاطون. ولا ادري لماذا اشعر عندما يتحدث هذا الرجل بأنه ينقلنا بسرعة البرق الى الجاهلية. لكنك تعلم ان الجاهلية هي التي اتت به الى هذا المنصب».
الصديق القديم صحافي، وساخر، ويستهجن كيف ان اعضاء الائتلاف موزعون بين اسطنبول وباريس، قبل ان يستدرك «لو ذهبنا الى سوريا لقطعوا رؤوسنا؟». من؟ ان الائتلاف يمر في مأزق خطير. كنا منذ البداية نتوقع هذا الانهيار الدراماتيكي للجيش السوري الحر. كل الضباط الذين انشقوا تصوروا انهم سيتحولون الى وزراء بين ليلة و ضحاها، لم يحصل هذا ولن يحصل. بالطبع هناك من عانى من الانتقائية داخل النظام، واحيانا من الهلهلة في مفاصل كثيرة وحساسة، لكن هؤلاء انكفأوا. تصور ان احدهم توجه الى القاهرة ليعمل سائق تاكسي. قال انه لا يستطيع ان يكون قاطع طرق او لصا او قهرمانة.
يكشف عضو الائتلاف ان هذه الهيئة التي تم اعدادها ومن ثم تعليبها بطريقة فولكلورية «على وشك الانفجار او انها انفجرت فعلا بعدما تبين ان الاميركيين يدوسوننا باقدامهم لكي يغازلوا الجبهة الاسلامية، فهل قمنا بالثورة لكي يحكمنا هؤلاء الافغان الجدد؟».
حتى ان «الاخوان المسلمين» الذين يدورون حيثما تدور طواحين الهواء اعترضوا لان لا رأي لاعضاء الائتلاف في اي شيء. حتى عندما يقولون «نعم» او «لا» لجنيف-2 فهذا ليس قرارهم في حال من الاحوال. وبالكاد تجد عضواً يحادث الآخر الا ويحتج على كل شيء، ما عدا حاشية الجربا. هؤلاء فعلا، وكما يقول، اشبه ما يكونون بالجواري ايام زمان...
يقول لنا» كن واثقاً اننا بتنا نخاف من الاسلاميين اكثر مما نخاف من اهل النظام الذي بالرغم من مساوئه التي لا تحصى يتحدث عن «الحوار»، وإن متأخرا جدا وبصورة لا توحي بالثقة على الاطلاق. ولكن تصور ما يمكن ان يحل بي اذا شاهدني ابو بكر البغدادي انا و ادخن السيكار، او حتى وانا اضع خاتم الزواج في اصبعي».
رجل من الداخل ويتحدث. لا اقول انه نادم لاعتقاده ان «هذا النوع من الانظمة إما ان يبقى كما هو او ان يذهب كما هو»، لكنه مستعد للعودة. قال لي انه بات يشعر ان اسطنبول تنظر اليه بازدراء، مستعيدا ابياتا لنزار قباني في دمشق. رددها بصوت متهدج، ليضيف «حقا اننا في مهب الريح مثلما نحن في مهب الدم».
تأخذه لغته الصحافية الى تشبيه الائتلاف بالسوبر ماركت «هناك اعضاء يشبهون علب السردين، آخرون يشبهون المكانس. كلنا للبيع. لا ابالغ هذا وضعنا في الوقت الحالي. اذا ذهبنا الى جنيف-2، كيف سينظرالينا المشاركون الآخرون. انا أسألك. الا تعتبر ان ذهابنا الى هناك فضيحة؟».
لا، ليست اللغة الصحافية التي يمكن معها اللعب بالكلمات او بالصور. لم يعد احد يكترث بالائتلاف الذي كانت اخباره تتصدر حتى بعض الصحف الاوروبية. الآن كل الاضواء على التنظيمات الراديكالية التي على الارض، حتى ان السفير الاميركي روبرت فورد الذي ينسق مع الائتلاف لم يعد يرد على اتصالات بعض الاسماء التي تمت زركشتها فيه الا بشق النفس، حتى انه عندما حاول احدهم استيضاحه حول الاتصالات مع «الجبهة الاسلامية» تفادى الاجابة كليا، وعندما اصرّ المتحدث على سؤاله كان جوابه ان الوزير جون كيري معني كثيرا بمعالجة مسألة انتشار تنظيم القاعدة.
وكان على عضو الائتلاف ان يتكهن ما اذا كان فورد يقصد سيرغي لافروف ام جون كيري...
وراء الضوء يحكى الكثير من هذا. البعض يعتبر «ان الاميركيين لعبوا بنا كثيرا منذ ايام المجلس الوطني، وكان يفترض ان نسمع نصائح الرفاق في موسكو». لماذا لا يقولون ان اردوغان تعامل معهم كالدمى، وكذلك العرب وكذلك الاوروبيون، حتى ان احدى السيدات سألت في اجتماع مغلق ما اذا كانت الثورة تصنع هكذا في اروقة الفنادق، لتتابع «حقا اصبحنا نشبه خدم الفنادق». وتردد ان الجربا كظم غيظه لانه لا يستطيع ان يتحمل اهانة من هذا القبيل، لكن السيدة إياها ارغمت على الاعتذار في وقت لاحق لكي لا تلقى على قارعة الطريق..
القناعة لدى اكثرية اعضاء الائتلاف «ان الاميركيين اداروا ظهرهم لنا»، حين يفعل الاميركيون ذلك، فمن تراه يستطيع تأمين التغطية لتلك الظاهرة المصنعة.ألم يرد برهان غليون على احدهم حين قال له «اشعر الآن كما لو اننا لسنا اكثر من اوان نحاسية»، بالسؤال «لماذا لا تقول ...الاواني الزجاجية». اوان محطمة وتستحق الرثاء...
عضو الائتلاف إياه الذي عاد واتصل بي لكي يفرغ ما تبقى في صدره.سألني «لن اكون بحاجة الى مرقد عنزة في بيروت، هل لي بمرقد دجاجة؟»، قبل ان يشكو من ان الغربة عن سوريا هي الغربة عن الذات، ليضيف «يا صاحبي، ليتني مجرد سيكار بين شفتي غيفارا»، ليستدرك ضاحكا «هنا الثورة علمت الكثيرين منا كيف يدخنون السيكار». بعصبية يعلّق «عما قريب قد يعاملوننا كما القمامة».
يستغرب (واستغرابه يثير الاستغراب) كيف ان البعض يصر على ان يذهب بالخراب الى نهايته، على امل الانتصار حينا، وحينا آخر بحجة تحقيق التوازن. هو التوازن بين الدم والدم، وحتى آخر باب وحتى آخر جدار في سوريا..
بقيت كلماته الاخيرة «هل تعتقد ان الاميركيين واصدقاءهم العرب سيسلموننا الى داعش». كدت اقول له» انهم يسلموننا جميعا الى... داعش»..!