:"مهما تكالب علينا اعداؤنا في هذا الزمن الرديء فلن نقرّ لهم ولن نستكين مهما بلغ جبروتهم فهم سيصرخون للعالم يريدون الخروج من جنوب لبنان.."
في موقع المقاومة والشهداء ستحط رحالها واحدة من أثمن شذرات قصص الشهداء التي لم تكتب بقلم العاطفة فحسب بل بقلم الحقيقة والواقع. فسيرة هؤلاء العظماء تجسد المظهر الصحيح الكامل في الإنصياع لأوامر الخالق ومشيئته. إنها نبذة عن حياة الشهيد خليل ياسين المسلكية والجهادية.
سرد: إيمان اليوسف
خليل من مواليد 25 كانون الثاني في العام 1965 من بلدة الدلافة الجنوبية. ربّته أسرته المتواضعة على شرافة النفس وعلو الهمة وقوة الروح فلازمت الصفات هذه خليل في عمره القصير بل وأكثر من هذا نذكر أنّه التزم دينياً منذ صغر سنه. حرّر نفسه من قيود الدنيا ومفاتنها والبسها ثوب الايمان والحق.. والله أحبّ لتلك الشخصية الفذة والمميزة أن تتسم بأحسن الصفات واكملها فكان للامام الخميني (قدس) وثورته المباركة الأثر الكبير والقدوة في مسيرة خليل، ويعود له الفضل الكبير في هداية عائلته فاصبح لهم المرشد والدليل الى الدين وتعاليمه وكاد كل ذلك ليكون امرا عاديا لو لم يكن خليل انذاك في سن مبكرة لم يتجاوز السادسة عشر عاما ....
في سنة 1982 ، بينما كان يتابع دراسته في مهنية صيدا حصل الاجتياح الاسرائيلي وكان عمره حوالي الثمانية عشر عاما، وحيث إنه علم أن الحق أقدس ما في الوجود بدأ عمله المقاوم في صيدا والجوار مع رفاقه من الجنوب وشارك في عمليات القاء القنابل اليدوية ونقل اسلحة وغيرها.
واجتهد خليل الفتى الصغير بسنه الكبير بعقله ووعيه بعمله وعلمه فهو لم يهمل دراسته بل كان من المثابرين الاوائل فالثقة بأن الصباح سينشق يوما ما فارقته أبداً وكان كالشهاب الثائر الذي يوقظ الضمائر العاشقة للكرامة والحرية .....
أُعتقل خليل في العام 1983 في سلوة حاروف الجنوبية مع مجموعة من رفاقه وأدخل معتقل انصار. ومن قلب الظلام ومن بين جدران الظلم والاضطهاد بعث خليل برسائل حيكت كلماتها بتعاليم خمينية وتوجت معانيها ثورة حسينية فكانت كل رسالة جنة فكر وعاطفة وحق حيث لا كلام ولا متكلمون في زمن وصفه خليل (بالرديء). فكان يحثّ اهله على التقيد بتعاليم الدين ويذكرهم بالثورة الحسينية ومبادئها والتقيد بها ويعدهم بعد ذلك بالنصر. وكتب في احدى هذه الرسائل أنه:"مهما تكالب علينا اعداؤنا في هذا الزمن الرديء فلن نقرّ لهم ولن نستكين مهما بلغ جبروتهم فهم سيصرخون للعالم يريدون الخروج من جنوب لبنان بعدما سيتحول بالنبسة إليهم إلى جهنم ".
أُفرج عن خليل في العام نفسه وعاود عمله من جديد حتى اعتقل للمرة الثانية في العام 1984 وافرج عنه في نيسان 1985. وبما أن الإباء لا يسكن الا النفوس الكبيرة والنصر لا يولد الا من عزم الابطال انصرف خليل الى المجد من جديد وهذه المرة في البقاع الغربي مشاركاً مع الاخوة في الجنوب في التصدي للتوغل الاسرائيلي باتجاه صريفا. كما انه شارك في الاعداد لكافة العمليات في البقاع الغربي بين سنة 1985/1986 منها اقتحام موقع لوسي في 12/3/1986 ضد خفافيش العمالة جيش لحد وكذلك تفجير جسر الدلافة في ايار من العام نفسه.
وفي ايار 19/5/1986 استشهد خليل أثناء قيامه بواجبه الجهادي فهدأت الروح التي تم تعشق الا الهدوء والسكينة واستسلم الجسد العاصف بالجهاد والعمل وعادت النفس المطمئنة الى بارئها .....
واخيراً لا ختام إلا بدُرَر الكلام وسجل خليل للتاريخ رسالة في قلب الاعتقال فقال "ارتحل عنا فصل وهلّ علينا فصل، أما الذي هلّ فهو الخريف الذي يحمل الكثير من المعاني فالاوراق الصفراء ستهوي لا محال وكل الاشجار ستتعرى وستبين أصالتها. وما أعنيه تاكيد واضح على أن وقت التضليل أصبح في أخره ووقت الحق بدأ يقترب، والذين اصفرت وجوههم سيدفنون أحياء..
أما الاصل والجذع المثبت بالايمان سيصمد لن تزعزعه الرياح العاتيه فصبرا ولن يحق الا الحق وسيزهق الباطل بإذن المولى" .
هي كلمات ليست كالكلمات هو اليقين الذي مزق عروش الظلم والطغيان يوما في ايار وهزّ مضاجع الكفر واركان الاستكبار في تموز الانتصار .
هنيئا لك ايها الملاك الثائر اذ كرّمك المولى فكنت ممن بذل نفسه مجاهدا ومن أوفى المقاومين واكثرهم يقينا فكانت له الشهادة نصيباً . فسلام الله عليك وعلى اخوانك الشهداء يوم ولدتم ويوم استشهدتم ويوم تبعثون احياء .