"لمَ هذا الاهتمام السّينمائي والرّوائي الكبير بملاحم تاريخية، مثل ملحمة الإلياذة لهوميروس، مع العلم أنّنا نجد فارقاً أخلاقياً وإنسانياً وفكرياً فيما لو قارنّاها بالملحمة الحسينيّة التي لم تأخذ حقّها
تحت عنوان "عاشوراء في السينما والمسرح: قراءة نقدية"، أقام المعهد الشرعي الإسلامي، والمركز الإسلامي الثقافي، ومؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر، وقناة الإيمان الفضائية، ندوة حوارية في قاعة المحاضرات في المركز الإسلامي الثقافي، في مجمع الإمامين الحسنين(ع) ـ حارة حريك، حاضر فيها المخرج روجيه عساف، بحضور مفكّرين، ومثقّفين، وعلماء دين، ومعنيّين بشؤون المسرح والإخراج.
قدّم الندوة الأستاذ ناصر أخضر، الَّذي أكَّد أنَّ ملحمة عاشوراء هي ملحمة تاريخيَّة ملهمة فنيّاً وثقافيّاً، معتبراً أننا بتنا أمام تفاعلٍ ثقافي وفني إيجابي تجاه عاشوراء، في ظلّ تعدد الأعمال الفنية التي تتناول هذه الملحمة، والتي لا بد من أن نقدم رؤيتنا النقدية لها حتى يتم تطويرها، طارحاً في هذا الإطار إشكاليَّة بُعد المسافة بين المؤرخين والرواد والعلماء، وبين الأدباء والفنانين.
وهو إذ انتقد حصر الأعمال المرتبطة بعاشوراء في الدَّاخل المذهبي، دون الانتقال إلى مخاطبة الآخر المختلف، رأى أنَّ الطَّريق إلى تحويلها إلى الفضاء العام، يتطلَّب تجريدها الإنساني، وتقديمها كمادَّة لنشر ثقافة إنسانيَّة عامَّة من جهة. ومن جهة أخرى، يتطلب تغييراً في الموقع الحضاري، كنتيجة لتغير الموقع السّياسي.
وبعد عرض تقرير مصوّر تناول أبرز الأعمال التي حاكت موقعة الطّفّ، تحدّث الأستاذ روجيه عسّاف، بادئاً كلامه من حيث انتهى الأستاذ ناصر، متشاركاً معه في الرّؤية حول أنَّ "موضوع عاشوراء لا زال مكبلاً داخل إطار فئوي، وهو الإطار الشيعي، وهو إلى الآن لم يتجاوز حدود دوره داخل الطائفة الشيعيّة في العالم أجمع"، متسائلاً: "لمَ هذا الاهتمام السّينمائي والرّوائي الكبير بملاحم تاريخية، مثل ملحمة الإلياذة لهوميروس، مع العلم أنّنا نجد فارقاً أخلاقياً وإنسانياً وفكرياً كبيراً فيما لو قارنّاها بالملحمة الحسينيّة التي لم تأخذ حقّها في الثّقافة العالميّة؟".
وأثار عساف نقاطاً عدّة تتعلق بالحادثة العاشورائية، معتبراً أنَّه لا بد من الالتفات إليها في أي عمل مسرحي؛ النقطة الأولى هي أنَّ واقعة كربلاء جزء من تاريخ لا بد من أن نذكره، لما لذلك من دورٍ في توحيد العالم الإسلامي، وخصوصاً أنّه يبيّن أن المعارضة بعد حكم معاوية مثّلت أهم ظاهرة للمعارضة الإسلامية العامّة، وليس المعارضة المتعلّقة بفئة سنية أو شيعية. والنقطة الثانية، تتعلق بإظهار أن الشعب هو من قرّر إعطاء صفة الشهيد للإمام الحسين، وتحويل الواقعة من هزيمة عسكرية إلى عمل استشهادي، لا الحكومة أو الدولة أو القيادة الحاكمة.
أما القضية التي شدّد عليها في هذا الإطار، فهي ضرورة إبراز السمة الرئيسة الَّتي ميّزت واقعة عاشوراء، وهي سمة الكلام والموقف، لا سمة الدَّم، فقال: "أنا أعتبر أنَّ موقعة كربلاء تطرح قضية دينية أساسية، وهي مسألة التّضادّ بين مشروع الأمة ومشروع الدّولة الإسلامية".
وقد تبعت المحاضرة مناقشات غنيَّة تركزت حول الأسباب التي حالت دون انتقال حادثة كربلاء من الإطار المذهبي الضيق إلى الفضاء الإسلامي العامّ.