من صيدا الى الهرمل بعد طرابلس وعرسال، عاد الاعتداء على الجيش اللبناني ليطرح نفسه من جديد، لتراق دماء العسكريين الذين ينتمون الى لبنان على الطرقات وعلى حواجزهم وفي ثكناتهم.
من صيدا الى الهرمل بعد طرابلس وعرسال، عاد الاعتداء على الجيش اللبناني ليطرح نفسه من جديد، لتراق دماء العسكريين اللبنانيين على الطرقات وعلى حواجزهم وفي ثكناتهم، من دون ان ترف أجفان بعض السياسيين الذين يغطون هذه المجموعات الارهابية التكفيرية بل يأمنون لها البيئات الحاضنة.
ولعل ما شهدته مدينة طرابلس في الآونة الاخيرة من تجييش طائفي ومذهبي ضد الجيش اللبناني كان الاخطر، وتطور الى تحركات مسلحة ضد الجيش سقط خلالها العديد من الاصابات في صفوف العسكريين بين قتيل وجريح، ووصل الى حد إعلان ما يعتبره البعض "الجهاد" ضد الجيش، لعل كل ذلك لم يكن كافيا للتحرك لحماية الجيش وتخويله التفويض المطلوب لفرض هيبته والضرب بيد من حديد ضد المسلحين والارهابيين.
وليس ببعيد ما سبق ان تعرض له الجيش من قبل "جماعة احمد الاسير" في منطقة عبرا في صيدا قبل أشهر، فحينها لم يتحرك الجيش ولم يحصل على الغطاء السياسي اللازم من الفريق الراعي لمسلحي الاسير، الا بعد ان تمادت هذه المجموعة في التعدي والقتل بحق عناصر الجيش، في تكرار للامر عينه قبيل البدء بمعركة "نهر البارد" مع "فتح الاسلام".
هل المطلوب إراقة المزيد من دماء العسكريين على الطرقات حتى تحفظ هيبة الجيش؟
فهل المطلوب في كل مرة إراقة دماء العسكريين في الازقة وعلى الطرقات حتى يبدأ التحرك لحفظ هيبة الجيش؟ مع الاشارة ان هذه المرة ان سقط ما تبقى من هيبة المؤسسة العسكرية فلن يكون هناك من هيبة لبقايا الدولة او المؤسسات في لبنان، لارتباط الوضع اللبناني عموما وخصوصا في طرابلس بشكل وثيق بالازمة السورية.
والسؤال من الذي يرد للجيش اللبناني هيبته من طرابلس الى صيدا ومن ثم في كل لبنان؟ والاهم كيف سيتم ذلك؟ وعبر من؟ وما هي المخاطر لتحقيق ذلك بشكل سريع؟ أسئلة باتت ملحّة في زمن لم يشهد له اللبنانيون مثيلا حتى في خضم الحرب الاهلية حيث كان الجيش ولبنان يمران في أسوأ الظروف، ولكن في هذا الزمن هناك من خرج ليعلن "الجهاد" على الجيش وكأن الجيش وابناءه من عالم آخر او وطن مختلف وكأنهم ليسوا لبنانيين، حتى بدأت المناداة في المساجد لاداء واجب الجهاد ضد ابناء المؤسسة التي طالما حمت الجميع من كافة الطوائف، مع العلم ان من يغطي "معلني الجهاد" سياسيا طالما طالب ويطالب الجيش بضرورة التدخل لفرض الامن والاستقرار في طرابلس. فكيف يمكن فهم هذا الدور المتناقض لهؤلاء فمن جهة تظهر دعما-ولو شكليا- للجيش ومن جهة تغطي من يقتل العسكريين؟
الجيش عقبة امام مشروع الجماعات الارهابية بنشر الفوضى في لبنان
وللاجابة على هذه التساؤلات توجهنا بالسؤال الى عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النيابية في لبنان العميد المتقاعد النائب وليد سكرية الذي اعتبر ان "الاعتداء على الجيش اللبناني من قبل الجماعات الارهابية يأتي في سياق ان الجيش يشكل عقبة امام هذه الجماعات لتنفيذ ما تريده"، واشار الى ان "هذه الجماعات تهدف لجعل حالة من الفوضى في لبنان بينما الجيش يحوول دون ذلك ولذلك يتم الاعتداء على الجيش".
ولفت سكرية في حديثه لموقع قناة المنار الى ان "ذلك تكرس بشكل واضح في مدينة طرابلس في شمال لبنان حيث ان هذه الجماعات المسلحة حاولت الاعتداء والدخول على جبل محسن ولان الجيش وقف بوجهها ومنعها من ذلك تمّ الاعتداء على العسكريين وتحول الجيش الى هدف"، واضاف "الاعتداء الحقيقي في لبنان كان على الجيش بينما ما حصل في الهرمل وصيدا فقد تمَّ بشكل عرضي".
وقال سكرية إن "استهداف الجيش في الهرمل ليس مقصودا بذاته بل جاء خلال اعتداء المجموعات المسلحة في سورية على المدنيين في منطقة البقاع"، وتابع "أما الاعتداء على الجيش في صيدا فحصل نتيجة ان الجيش كشف امر الارهابيين ما اضطرهم الى تفجير انفسهم كي لا يفتضح امرهم ومن يقف خلفه".
حول إمكانية قيام الجيش اللبنانية بالقضاء على المسلحين في طرابلس، قال سكرية إن "الجيش يحتاج للقيام بذلك الى قرار سياسي من القوى السياسية في الشمال لانه يحتاج لاستئصال كل الجماعات الارهابية المسلحة في طرابلس وايضا في عكار"، ولفت الى انه "بغياب هذا القرار السياسي قد نصل الى حالة نجد فيها الجيش مفككا ومقسما لان مثل هذه المعركة كبيرة وكلفتها باهظة فهذه المجموعات غير محصورة في شارع او منطقة داخل طرابلس انما هي منتشرة في طرابلس وعكار".
وذكّر سكرية انه "خلال معركة نهر البارد الجيش دفع أثمان كبيرة وتم تدمير نهر البارد بأكمله ولكن وقتها كان هناك غطاءا سياسيا للجيش من قبل جميع الاطراف في لبنان"، ورأى ان "تعاطي الجيش بشكله الحالي مع هذه المجموعات المسلحة هو أقل كلفة من قيام الجيش بتنظيف منطقة الشمال طالما ان الفريق السياسي الذي يحتضن ويصنع هذه المجموعات لا يغطي الجيش سياسيا".
سكرية: "تيار المستقبل" يؤمّن البيئة الحاضنة للجماعات الارهابية
ولفت سكرية الى ان "الجيش تدخل على الارض لانهاء جماعة احمد الاسير ذلك لان هؤلاء اعتدوا بشكل صريح وواضح على الجيش وقتلوا ضباطا وعسكريين"، واضاف "بينما في طرابلس الاعتداء لا يتم مباشرة على الجيش انما خسائره تأتي لانه يمنع دخول المجموعات المسلحة الى جبل محسن فهو يقف في الوسط ويتلقى الضربات".
واعتبر سكرية ان "الوضع سيبقى على حاله في لبنان الى ان يصبح عندنا دولة تتحمل مسؤوليتها او يأتي الغطاء السياسي للجيش او لعل حل الازمة في سورية يساعد على ضبط الوضع لبنانيا"، ولفت الى ان "تيار المستقبل يؤمن البيئة الحاضنة للجماعات الارهابية لانه يعتقد ان هذه الجماعات تقاتل المقاومة وحزب الله"، وتابع "لكن عندما تشتد جرائم هذه الجماعات يحاول تيار المستقبل نفض يده منها وإظهار انه ضدها وانه يدعم الجيش".
وختم سكرية ان "الاميركي عندما يرى ان المجموعات المسلحة (التي يحتضنها فريق 14 آذار وتيار المستقبل خصوصا) تؤثر على مصالحه يعطي الضوء الاخضر لهؤلاء الحاضنين لتغطية الجيش سياسيا للقيام بمهمة القضاء على هذه الجماعات"، ورأى ان "قيادة الجيش هي القادرة على تقييم الوضع في كيفية التعاطي مع المسلحين في مختلف الاراضي اللبنانية ولا يمكن لغيرها القيام بذلك لانها هي التي تعلم بكافة معطيات الارض والواقع".
بالتأكيد ان المتتبع للاوضاع في لبنان يلحظ الانكشاف الامني الفاضح الذي يعانيه البلد في ظل ازدياد ارتدادات الازمة السورية على لبنان مع استمرار بعض الدول الاقليمية في دعم المجموعات الارهابية المسلحة في سورية، لذلك لا بدَّ من خطة شاملة امنية وعسكرية وحتى سياسية وإعلامية لتحصين لبنان من الانجراف أكثر في الفلتان الامني الذي ان استمر سيوصل الى عواقب وخيمة.