منذ اعلان استقلالها في التاسع من تموز/يوليو 2011، لم تستطع دولة جنوب السودان الخروج من دوامة الصراعات التي ترهق كاهلها
حسين سمّور
منذ اعلان استقلالها في التاسع من تموز/يوليو 2011، لم تستطع دولة جنوب السودان الخروج من دوامة الصراعات التي ترهق كاهلها. ولعل ما تشهده البلاد اليوم من صراعات بين الرئيس "سيلفا كير" ونائبه السابق "رياك ماشار" بات يهدد مستقبل هذه الدولة الفتية ومن ورائها أمن دول الجوار.
وقبل الخوض في تفاصيل الصراع الدائر في جنوب السودان، لا بد من الاشارة الى أن هذه الدولة تنقسم الى عشر ولايات، وتتمتع بحدود واسعة تمدد على أكثر من 5000 كلم مع 6 دول هي "اثيوبيا، كينيا، اوغندا ، جمهورية الكونغو الديمقراطيه، جمهورية افريقيا الوسطى ، وشمال السودان.
وتمتاز جنوب السودان بكونها منطقة غنية بالموارد الطبيعية، ويعتبر البترول من أهم الصادرات حيث تتركز فيها ما نسبته 85% من احتياطي السودان السابق "الشمال والجنوب"، وعلى الرغم من ذلك نرى ان مصدر الدخل الرئيسي لأغلب السكان هو الزراعة.
صراعات قبلية مستمرة
على الرغم من غنى هذه الدولة بالموارد الطبيعية، فان جنوب السودان دولة تفتقد الى الجدارة الاجتماعية وهي ذات بناء سياسي هش.
فالصراعات القبلية والاثنية تسيطر على هذه الدولة، حتى قبل ان تتحول الى دولة مستقلة في العام 2011. والصراعات الاثنية المستمرة في الدولة الفتية ينتج عنها آلاف القتلى، الى حد بات فيه ضحايا الصراع الاثني اكبر من ضحايا الصراع بين جنوب السودان وشماله، هذا عدا عن حرق الاراضي الزراعية وتدمير الممتلكات.
وفي هذا الاطار يرى دكتور العلوم السياسية، ونائب رئيس مركز الدراسات السودانية في جامعة القاهرة "ايمن شبانة" أن ما يحصل في جنوب السودان اليوم "هو صراع على السلطة بات على شفا الحرب الاهلية".
فالصراعات بين الرئيس سيلفا كير ونائبه رياك ماشار هي امتداد للمعارك بين القبائل الكبرى في البلاد وهي "الدينكا - النوير - والشلك".
ويقول شبانة انه عندما تم تشكيل الحركة الشعبية لتحرير السودان، ضمت هذه الحركة جماعات الدينكا، والنوير، والشلك. فالانقسامات داخل الحركة الشعبية ليست وليدة اليوم، ففي العام 1991 انشق "رياك ماشار" على معلمه "جون قرنق"، وفي العام 2004 كاد ينشق "سيلفا كير" على "جون قرنق" ايضا عندما تم توقيع بروتوكول "مشاكوس" الذي تم على اساسه تسوية الاوضاع في جنوب السودان، وساهم بعودة المنشقين عن الحركة الشعبية الى صفوفها ومن ابرزهم "رياك ماشار" و"باقان اموم".
الصراع الدائر اليوم هو بين فريقين قبليين:
* الفريق الاول: سيلفا كير وحلفائه في السلطة الذين ينتمون الى قبيلة "الدينكا".
* الفريق الثاني: رياك ماشار نائب الرئيس السابق الذي ينتمي الى قبيلة "النوير" ومعه "باقان اموم" وهو الامين العام للحركة الشعبية الذي ينتمي الى قبيلة "الشلك" ومعهما "ريبيكا قرنق" أرملة الزعيم السابق "جون قرنق" اللذين ينتميان الى قبيلة "الدينكا"، ولكنهما ينتميان الى فرع آخر من "الدينكا" غير الذي ينتمي اليه سيلفا كير.
حلفاء الامس .. خصوم اليوم
بعد ان حصد سيلفا كير اكثر من 90% من اصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية، سعى رئيس جنوب السودان الى تدعيم نفوذه على حساب خصومه وفي مقدمتهم "رياك ماشار" و"باقان أموم".
وقام كير بعزل نائبه "رياك ماشار" والقيادي "باقان اموم" واستعان بعناصر موالية له، ولكن الامور لم تسير كما اراد كير، حيث انه قام بعزلهم من الدولة ولكنه لم يعزلهم من عضوية الحركة الشعبية لتحرير السودان.
وهنا يرى نائب رئيس مركز الدراسات السودانية في جامعة القاهرة انه نظرا لخوف "ماشار" و"اموم" من نيل مصير المنشقين سابقا، "وهو تصفيتهم الجسدية" تعمّق الخلاف وزاد انعدام الثقة الى حد وصل في 15/12/2013 الى نشوب اشتباك مسلح بين فصائل في الجيش السوداني، بعضها تابع للرئيس سيلفا كير، واخرى تابعة لرياك ماشار وحلفائه. فالصراع على السلطة اصبح له ابعاد اثنية "بمعنى ان كل قائد له موقف سياسي معين يحتمي بجماعته الاثنية".
الفصائل المنشقة تسيطر على مناطقها
مع اشتداد المعارك بين فصائل الجيش، تمكنت وحدات الجيش التابعة لرياك ماشار وحلفائه من السيطرة على منطقة "بور" في البداية وهي عاصمة "جونغلي" التي تسيطر عليها قبيلة "النوير" التي يتبع لها رياك ماشار.
وسيطر المنشقون ايضا على عاصمة ولاية "الوحدة" وهي الولاية الغنية بالنفط اضافة الى عدد من المناطق التي تسيطر عليها قبيلتا "النوير" و"الشلك".
وعلى وقع هذه التطورات خرج سيلفا كير ليعلن الحوار مع رياك ماشار ولكن الاخير تشدد في البداية، وقال ان الحوار يجب ان يكون من اجل رحيل سيلفا كير، ولكن بعد الضغوط الامريكية الاسرائيلية على المنشقين تراجع ماشار عن هذا الطلب ووضع شروطا اخرى منها:
* الافراج عن المعتقلين السياسيين المعارضين لسيلفا كير من سجون جوبا على ان يتم نقلهم الى دول محايدة واقترح رياك ماشار "اثيوبيا".
* تشكيل حكومة انتقالية موسعة تعبر عن جميع الاطياف السياسية في جنوب السودان.
* اجراء انتخابات رئاسية مبكرة على ان لا يترشح لها سيلفا كير.
وبرأي شبانة، فان شرط الافراج عن المعتقلين ممكن ان يطبق وكذلك شرط تشكيل حكومة انتقالية، ولكن لا يرى شبانة امكانية تنفيذ شرط رحيل سيلفا كير عن السلطة قبل انتهاء ولايته التي تستمر حتى العام 2015، وهو ما عبر عنه "لام آكول" وهو من قبيلة "الشلك" وقيادي في الحركة الشعبية الذي قال "ان مسألة رحيل سيلفا كير عن السلطة الآن هي مسالة صعبة وممكن ان تهدد الاستقرار السياسي والامني في جنوب السوان".
استنفار دولي على وقع الازمة
على وقع التطورات في جنوب السودان جددت الولايات المتحدة الامريكية و"اسرائيل" دعمهما للرئيس الحالي سيلفا كير وظهر ذلك بشكل واضح في كلام الرئيس باراك اوباما الذي قال بانه سوف يوقف المساعدات الامريكية لجنوب السودان في حال وصول رئيس غير سيلفا كير الى السلطة".
اما بالنسبة الى دول الجوار قامت اوغاندا بارسال قوات لاجلاء رعاياها الذين يعتبرون اكبر جالية في جنوب السودان، وفي هذا السياق اعلنت كينيا عن نيتها ارسال قوات لاجلاء رعاياها، وكذلك الولايات المتحدة ارسلت 45 عنصرا من المارينز لاجلاء رعاياها.
السودان الشمالي الطرف الاكثر تضررا من الصراع
ويري الدكتور شبانة ان الخرطوم هو الطرف الاكثر تضررا من الصراع الدائر في جنوب السودان وذلك للاسباب التالي:
* تدفق اللاجئين.
* توقف عمليات تسوية الخلافات بين الشمال والجنوب.
* توتر الاوضاع الامنية على الحدود ، وهو ما من شأنه أن يقوض الاستقرار السياسي في شمال السودان.
ويرى الدكتور شبانة أن هذا الصراع الدائر اذا ما تم تداركه فانه لن يكون الاخير، على اعتبار أن العملية السياسية في جنوب السودان لا زالت تدار على انها "مباراة صفرية" اي ما معناه أن المنتصر يحصل على كل شيء ، فيما يخسر المهزوم كل شيء.
ويؤكد نائب رئيس مركز الدراسات السودانية في جامعة القاهرة أنه من أجل انهاء الصراع بشكل نهائي ، فان العملية السياسية يجب أن تدار باعتبارها مباراة يفوز فيها الجميع WIN WIN GAME ، والا فان ضعف البناء السياسي والانقسامات الاثنية وفساد الطبقة الحاكمة، سيهدد كيان هذه الدولة الوليدة، من دون أن يكون بعيدا عن أمن دول الجوار.