يراقب نزلاء سجن حلب المركزي الدمار الذي حل بمستشفى الكندي الجامعي القريب. يتنهد أحد عناصر حماية السجن، ويقول "أطبق المسلحون الحصار. أصبحنا على بعد خطوة من الدمار والموت"
علاء حلبي
يراقب نزلاء سجن حلب المركزي الدمار الذي حل بمستشفى الكندي الجامعي القريب. يتنهد أحد عناصر حماية السجن، ويقول "أطبق المسلحون الحصار. أصبحنا على بعد خطوة من الدمار والموت"، مضيفا، عبر جهاز اتصال عسكري الذي يعتبر وسيلة الاتصال الوحيدة في ظل انقطاع الاتصالات الخلوية في المنطقة وقيام المسلحين بقطع خطوط الاتصال الأرضية، "اشتدت المعارك بعد سيطرة المسلحين على مستشفى الكندي، حيث تركز هجومهم علينا بعد أن أصبحنا آخر نقطة حكومية في هذه المنطقة". ويتابع "يبدو أن هذه المعارك تمهيدية لعملية اقتحام جديدة للسجن. سنقوم بكل ما بوسعنا لحماية السجن".
على بعد نحو سبعة كيلومترات شمال مدينة حلب، يرفع فوق السجن العلم السوري، كنقطة أخيرة تسيطر عليها الحكومة في ريف حلب الشمالي. ويحاصر المسلحون السجن منذ نيسان الماضي. يشتد الحصار تارة، وترتفع وتيرة الاشتباكات، وتترافق مع هجمات بسيارات مفخخة، وقصف عنيف على السجن يتسبب بسقوط قتلى وجرحى، قبل ان تعود وتيرة الاشتباكات لتنخفض.
"البرد شديد، الأمراض تنتشر وتتفاقم"، يقول مصدر متابع لوضع السجن. ويضيف "شهد السجن عشرات الهجمات منذ إطباق المسلحين حصارهم في نيسان الماضي، وسجل سقوط أكثر من 200 شهيد، معظمهم من السجناء، تم دفنهم في الباحة الخلفية للسجن، بعد الحصول على موافقة رسمية بسبب استحالة إخراجهم منه".
"بعد سيطرة المسلحين على مستشفى الكندي لم يبق سوى السجن، ما يعني أن وتيرة المعارك ستشتد، وأن الانفجارات والهجمات ستتوالى، وأن السجن أصبح هدفهم التالي" يقول المصدر. ويضيف "قمنا خلال الفترة الماضية بإخلاء نحو 600 سجين ممن انهوا فترة حكمهم، وتم إخراج آخرين بسبب تفاقم وضعهم الصحي، حيث قامت فرق الهلال الأحمر، التي كانت تقوم خلال الفترة الماضية بإدخال أطعمة وبعض المواد الطبية والملابس، بنقلهم على دفعات إلى خارج السجن".
وكان مسلحون من "جبهة النصرة"، التابعة لتنظيم "القاعدة" سيطروا، بالتعاون مع مسلحين من "الجبهة الإسلامية"، على مستشفى مبنى الكندي، الذي يبعد حوالى كيلومترين عن السجن، وذلك بعد تفجيرين انتحاريين بشاحنتين تسببتا بتدمير البناء القديم للمستشفى بشكل كامل، وتهدم البناء الجديد، ومقتل عدد من عناصر الحماية، و"أسر" آخرين، في حين تمكن 17 عنصراً من الوصول إلى السجن، مستغلين حلول الظلام، لينضموا إلى عناصر حماية السجن، وتمكن 24 آخرين من الوصول إلى نقاط تابعة للجيش السوري عند مدخل حلب الشمالي، ومطار النيرب العسكري البعيد، بينما قتل ستة جنود خلال عملية الانسحاب عبر مناطق خاضعة لسيطرة المسلحين، وذلك بحسب ما أكدت مصادر ميدانية لـ "السفير".
وبعد ساعات من تمكن المسلحين المتشددين من السيطرة على البناء المدمر للمستشفى، تناقلت صفحات "جهادية" على مواقع التواصل الاجتماعي أن "جبهة النصرة" و"الجبهة الإسلامية" أعلنتا "ساعة صفر" لاقتحام السجن والسيطرة عليه. وذكرت الصفحات انه تم تجهيز عدة انتحاريين لمهمة اقتحام السجن، ما يهدد بتكرار سيناريو تدمير مستشفى الكندي، ولكن هذه المرة سيكون عدد الضحايا أكبر بكثير.
ويقول مصدر مطلع على وضع السجن المركزي في حلب، لـ "السفير"، إن "طريقة بناء السجن تجعل اقتحامه عملا صعبا جدا، فكل جناح منفصل عن الآخر ومقطوع بأسوار وبوابات حديدية، ما يجعله أشبه بحصن منيع، وبالتالي فإن اقتحامه سيؤدي إلى دماره كاملا على رؤوس من فيه من سجناء، وسيؤدي لسقوط مئات القتلى".
ويضم سجن حلب المركزي، الذي بني في ستينيات القرن الماضي، نحو 3700 سجين، بعد إخراج نحو 700 سجين خلال الأشهر الماضية عن طريق الهلال الأحمر السوري. وبين السجناء حوالي 100 امرأة، معهن 10 أطفال بعضهم رضّع ولدوا داخل السجن. ويوجد ما يسمى بالسجناء الجانحين، وعددهم 370، تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاما. كما يضم نحو 80 سجينا سياسيا إسلاميا، موقوفين منذ سنوات عديدة.
وكان مصدر متابع لوضع السجن كشف في وقت سابق لـ "السفير" أن "إصرار المسلحين على اقتحام السجن يعود إلى هدفهم تحرير السجناء الإسلاميين، إضافة إلى كونه آخر مركز تسيطر عليه الحكومة ويرفع العلم السوري في ريف حلب الشمالي".
وعلى الرغم من إعلان المسلحين المتشددين عزمهم اقتحام السجن، وتحديد "ساعة صفر" لذلك، لم يصدر عن الحكومة السورية أية ردة فعل أو بيان يشير إلى تحرك جدي تجاه السجن، إلا ان مصدرا عسكريا في حلب قال، خلال حديثه لـ"السفير"، ان "القيادة العسكرية تتابع وضع السجن بشكل دقيق"، مشيراً إلى أن قراراً اتخذ لحماية السجن سيبدأ تنفيذه قريبا. وأضاف ان "القيادة العسكرية في حلب لن تسمح بوقوع مجزرة أخرى في السجن"، مؤكداً ان "السجن سيبقى صامداً. هذا الأمر محسوم"، من دون أن يكشف أية تفاصيل إضافية.
وعلى وقع إطلاق نار متقطع، يقول مصدر من داخل السجن، عبر جهاز الاتصال العسكري، "لم تحدث أية تحركات غير عادية اليوم، اعتدنا هذه الاشتباكات، وفي حال قرروا اقتحام السجن بسيارات مفخخة سيختارون وقتاً متأخراً من الليل لذلك، أو وقتاً مبكراً من الفجر". ويضيف "لا مكان يمكن لأحد منا الهرب إليه، نحن بنظرهم كفّار يجب قتلنا، لذلك سنقاتل حتى النهاية".
http://www.assafir.com/Article.aspx
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه