مخاطر إيجاد ملجأ آمن في سورية، ناهيك عن خيارات السفر جوّاً المقيّدة جدّاً، يواجهها اللاجئون الفلسطينيون بتحدّيات غير مسبوقة
كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله
دمشق
إنه الإنقلاب الشتوي في الشرق، وهو اليوم الذي يعني فلكيّاً التغيّر التدريجي في طول الليل وقُصر النهار. ومنذ القِدَم، كان يُحتفل بهذا اليوم باحتفالات واجتماعات وغناء ورقص وولائم وطقوس أمام مواقد النار. ولطالما كانت النظرة إلى هذا اليوم على أنّه حدث سنوي مهم لأن المجتمعات لم تكن متأكدة من العيش خلال الشتاء، وبذلك كان عليها الإستعداد خلال الأشهر التسعة التي تسبق الشتاء لارتفاع مأساوي في المجاعات والأمراض المعدية وموت الأطفال بسبب انخفاض حرارة الجسم. ولهذا السبب، ولأن سبب الوفاة هذا كان شائعاً، أصبحت أول أشهر الشتاء تُعرف باسم "أشهر المجاعة" في النصف الشمالي من الكرة الأرضية.
والاستعداد لأشهر مقبلة قاسية هو ما تقوم به وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى وتشغيلهم التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) هذه الأيام. والوكالة الأممية المختصّة تعمل بالرغم من الخلافات الحادة. وقد تمّ إنشاؤها عام 1949 ولأكثر من 60 عاماً كانت تعاني المضايقة والتدخّل والمؤامرات التي لا تحصى لإغلاقها، بالإضافة إلى الجهود الحثيثة التي يبذلها اللوبي الصهيوني الدولي المقصود منها "انتشالها من بؤسها" بحسب ما طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الكونغرس الأميركي مؤخّراً.
ولدى (الأونروا) مكتب إقليميّ في بيروت، يقع قبالة مخيّم شاتيلا للاجئين، وآخر في دمشق على طريق عام المزّة، حيث أقوم بزيارتي المنتظمة وحيث تتمحور الأحاديث حول وجه الشبه القاسي بين الأزمة السورية وأحوال أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني يعيشون في 57 مخيّماً من مخيّمات (الأونروا). ومن الإهتمامات الأساسية أيضاً للوكالة شأن حوالى مليون لاجئ سوريّ هربوا من الحرب الأهلية، بالإضافة إلى أكثر من مليون لاجئ في غزة يعانون من الظروف المناخية المتفاقمة بسبب الإحتلال الصهيوني الغاشم لفلسطين.
وفي هذا السياق، يأتي "مخطط الأونروا في سورية ردّاً على الأزمة الإقليمية للعام 2014" وقد نُشِر هذا الأسبوع، ليضع المشاريع التي تتمنى الوكالة تنفيذها لتعزيز مرونة اللاجئين الفلسطينيين ومساعدتهم على الصمود بوجه مخاطر الحرارة المتدنية وانعدام التدفئة والتعقيم. ففي هذا الإنقلاب الشتوي، بات مستقبل اللاجئين الفلسطينين من سورية أكثر كآبةً في كلّ من لبنان والأردن ومصر ذلك أنّ المجتمعات وسبل العيش وشبكات الدعم التي تمّ تأسيسها بعناء على مرّ العقود الماضية، يتمّ تدميرها الآن.
والتشرّد بين الفلسطينيين هو نسبيّاً أعلى منه عند السوريين. ومخاطر إيجاد ملجأ آمن في سورية، ناهيك عن خيارات السفر جوّاً المقيّدة جدّاً، يواجهها اللاجئون الفلسطينيون بتحدّيات غير مسبوقة. ومساعدة (ألأونروا ) الطارئة يتمّ تقديمها بشكل طبيعي كجزء من برنامجها المعدّ بشكل جيّد للرعاية الصحّية والتعليمية وتطوير المجتمعات والتمويل الصغير والغوث وتدريب الشباب وتوظيفهم. وبتقديم من طاقم فلسطيني، يُعدّ هذا الدعم هامّاً جدّاً إذ يساهم في تعزيز صمود المجتمعين وعوائلهم واستمراريتهم بوجه هذه الصعوبات المتفاقمة. ومن 540 ألف لاجئ فلسطيني مسجّل على لوائح (الأونروا) في سورية، هناك حوالى 270 ألف لاجئ مشرّد ضمن الأراضي السورية، في حين يُقدّر أنّ 85 ألف لاجئ قد غادروا البلاد. ومن هؤلاء، هناك 51 ألفاً قد وصلوا إلى لبنان، و 11 ألفاً قد عرفوا عن أنفسهم في الأردن، و 5 آلاف موجودون في مصر، والأعداد الأقلّ قد وصلت إلى غزة وتركيا ومناطق أبعد. أما هؤلاء الذين استطاعوا الوصول إلى لبنان والأردن ومصر فيواجهون مآزق قانونية محفوفة بالمخاطر، فضلاً عن ظروق الحياة الشديدة الصعوبة التي جعلت الكثيرين يفكّرون بالعودة إلى المخاطر في سورية.
والدعم المالي لـ (الأونروا) لم يبق على حاله ذلك أنّ الطلب تزايد على الخدمات بسبب تزايد الحاجات، والفقر المدقع وتزايد أعداد اللاجئين المسجّلين. ونتيجة لذلك، فإنّ التمويل العام للوكالة، الذي يدعم صلب نشاطات (الأونروا) ويعتمد بنسبة 97% منه على المساهمات التطوّعية، يبدأ كلّ عام بنقص كبير متوقّع. وينوّه مسؤولو (الأونروا) إلى الحاجة الماسّة إلى 417.4 مليون دولار لتلبية حاجات اللاجئين الفلسطينيين في سورية، و 90.4 مليون دولار للذين في لبنان، و 14.6 مليون دولار لأولئك في الأردن. كما وثمّة حاجة لمبلغ 2.4 مليون دولار إضافي لتلبية الحاجات الطارئة خارج المناطق التي تتابعها الوكالة ميدانيّاً، بما في ذلك مساعدات نقدية رمزية للعائلات الفلسطينية القادمة إلى غزة من سورية.
"أليكسا"، العاصفة الأعنف التي ضربت غزّة والضفة الغربية منذ أكثر من 100 عام، ما زالت تعيث فساداً وتجلب البؤس للآلاف. فمنذ 19 كانون الأول/ديسمبر 2013، اضطرّ حوالى 40 ألف مواطن في غزة على مغادرة منازلهم بسبب الفيضانات. وقد تفاقم الوضع مع أزمة الوقود التي تركتهم من دون كهرباء لأكثر من 21 ساعةً في اليوم، وقد أدّت إلى تدفّق مياه المجاري إلى الشوارع. وبذلك أصبحت حياة المواطنين وصحّتهم بخطر محدق. وفي هذا السياق قالت حكومة حماس في غزة إن 4306 مواطن قد تمّ إخلاؤهم إلى المدارس ومراكز أخرى كملاجئ مؤقّتة في الأيام الأربعة الماضية. وسكّان القطاع الذين يبلغ عددهم 1.8 مليون نسمة يحاولون البقاء على قيد الحياة في واحدة من المساحات الأكثر اكتظاظاً بالسكان على وجه الأرض. وقد تحمّلوا انقطاع الكهرباء لحوالى 12 ساعة يومياً منذ إيقاف محطة الكهرباء الوحيدة الشهر الماضي بسبب نقص الوقود. والمنطقة ينقصها الكثير من عوامل البنية التحتية الأساسية، وتقبع تحت حصار مصري إسرائيلي يمنع استيراد النفط ومستلزمات البناء والسلع الأساسية.
وإضافةً إلى ذلك، تشير التقارير الصادرة عن (الأونروا) إلى أنّ الأحوال تزداد سوءاً بسبب القيود الإسرائيلية المشددة المفروضة على المخيمات. فعلى سبيل المثال، لا يمكن لأعمال الطوارئ تصليح أسلاك الكهرباء التي سقطت بسبب ثقل الثلوج، والسكان يحصلون بصعوبة على الضروريات الأساسية كالمياه الجارية. والأزمة تزداد سوءاً، والمشاكل متشابهة في كلّ مخيمات اللجوء غير المحصّنة. والناس يواجهون انقطاعاً حادّاً في التيار الكهربائي في حين يتعرّض البعض في الضفة الغربية إلى الهجمات المنظّمة من قبل الجيش الإسرائيلي.
ومن المشاكل الأخرى التي تثقل كاهل (الأونروا) الإضراب والتهديد بالإضراب من قبل عمال الوكالة نفسها الذين يشكون من أجور منخفضة. والتعبير عن الخوف بات واسع الإنتشار حول دور (الأونروا) الضعيف إنسانيّاً في غزّة، حيث مشاكل الحياة اليومية تضاف إلى الحصار، وإلى الفيضانات مؤخراً. واتحاد العمال في الوكالة في غزة قد واصل اعتصامه لهذا الأسبوع، داعياً إلى رفع الأجور. وقد اتهم أحد مسؤولي حماس مسؤولي (الأونروا) بتلقّي أجور باهظة، متهماً الوكالة في الوقت نفسه بعدم القيام بالمهام الموكلة إليها. أما مسؤولو الوكالة الذين التقيتهم فقد نفوا ذلك، ولكنهم لم يذكروا أي معلومة حول رواتب (الأونروا).
وكما الكثير من وكالات الغوث العاملة في سورية، ما زالت (الأونروا) تخسر موظفيها. وعلى سبيل المثال، فالمعلّمة ضمن إطار الوكالة سوزان غزازوة، وهي معلّمة معروفة في مدرسة العباسية في المزيريب، قد قُتلت بشظايا قذيفة أصابت منزلها في 2 كانون الأول/ديسمبر 2013، وهي عاشر موظفة للوكالة تقتل في سورية.
بروفيسور "آلان ديرشوويتز"... تفضّل!
إضافةً إلى مشاكل (الأونروا) التي لا تنتهي، قرّر البروفيسور "آلان ديرشوويتز"، لسبب ما، أن يتقاعد خلال هذا الإنقلاب الشتوي بعد 46 عاماً من العمل في كلية الحقوق بجامعة هارفرد. وخلال ساعات، إن لم يكن قد فعل ذلك مسبقاً، سيغادر "آلان" قاعات هارفرد ليكرّس المزيد من وقته من أجل قضيته المركزية حالياً، التي يضع عليها أصعب تحدياته، وهي "حماية إسرائيل من نفسها ومن الأونروا!" بحسب ما أخبر أحد المراسلين الصحافيين في هارفرد مؤخراً.
فخلال السنوات القليلة الماضية، بدا البروفيسور "ديرشوويتز" وكأنه يريد أن يؤثّر على طلّابه بشكل كبير، مبتدئاً صفوفه بالتقديم لهم وجهة نظره الأساسية حول القانون. وخلال الحصة الأولى أو الثانية، قيل إنه استشهد بمعظم القضايا التي "ربحها"، وعددها 13 من أصل 15، ككقضايا "مايك تايسون" و "باتي هيرست" و "جيم باكر"... ويشرح لطلابه قائلاً:
"لقد ربحت جميع قضاياي الكبرى بفنّية قانونية. لقد كانت تلك القضايا ضائعة، وإلا لماذا يأتي هؤلاء الزبائن طلباً لمساعدتي؟ أول ما يجب تذكّره في مواصلة دراسة القانون هو نسيان القانون وحتى حقائق القضية! فمحاكم الإستئناف الأميركية ستقرر الحقائق وقانون القضية وفقاً لما يقوله المحامي الأفضل. لهذا السبب أنا أربح!"
وفي أحد صفوف القانون الدولي، نُقل عنه أنه قال ساخراً: "يمكنكم تجاهل مزاعم حقوق الإنسان وفقاً للقانون الدولي والمعايير الأخلاقية العالمية".
وعندما يبدأ التحضير لـ "قضيّة التشريع" بالنيابة عن ما تبقّى من مشروع القرن التاسع عشر الإستعماري، السرقة الصهيونية والإحتلال غير الشرعي المتواصل لأرض فلسطين، يقول بعض مساعديه إنه يعتزم الوقوف بوجه (الأونروا). وخلال مهنته التعليمية، لكالما كان مؤيداً وفيّاً ومحرّضاً أساسيّاً للجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (أيباك). وبذلك فليس من المفاجئ انضمامه إلى هجمات اللوبي الصهيوني التي يبلغ عمرها أكثر من عقدين من الزمن ضدّ (الأونروا) سعياً لوقف تمويل الوكالة. ولكنه حتى الآن لم "يكن المحامي الرئيسي".
ويزعم أحد الأشخاص الذي يلتقي مع البروفيسور "ديرشوويتز" من وقت لآخر في واشنطن إنه يصرّ على أنّ (الأونروا) هي أحد المخاطر الوجودية المتزايدة على إسرائيل، ذلك أنها "تبقي مسألة اللاجئين الفلسطينيين حيّة وتسمح لمنظمات حقوق الإنسان بالحفاظ على قضيّة نزع الملكية غير المشروعة من منازلهم وأراضيهم أمام المجتمع الدولي ومن دون أي التوقف عن التطلّع إلى الأمام".
وبالرغم من أنه يقوم بزيارات منتظمة إلى إسرائيل، إلا أنه لا يأتي إلى لبنان وسورية كثيراً، وبصراحة فقد التقيت به مرتين فقط. وهو يزعم بأنّ لديه ذاكرة تصويرية ولهذا السبب ربما لا يبدو أنه ينسجم معي كثيراً. ولربّما يتذكّر، أو يحمل ضغينة من نوع ما، منذ أول لقاء لنا منذ أكثر من ربع قرن. ففي ذلك اليوم، أتى "آلان" للقاء بي في مكتبي في دار القضاء بالكونغرس في مبنى "رايبورن". لا أذكر من الذي أحاله إليّ، ولكن قبل ساعة فقط، اتّصل بي رئيسي عضو الكونغرس "جون كونييرز"، وقد كان رئيس اللجنة الفرعية حول العدالة الجنائية، وقد أوكل إليّ مهمّة في آخر دقيقة.
وقد أراد مني "كونييرز" مرافقة مسؤول قضائي زائر من بلد آخر، في هذه المرة رئيس المحكمة العليا في مصر، في حديقة "رايبورن" للقاء في المحكمة العليا مع رئيسها "وارين بيرغر". وقد كانت مهمّة سهلة جداً، ذلك أنّ "بيرغر" كان لطيفاً دائماً، مع هالة جنوبية النمط من اللطف. ولكن قبل 15 دقيقة من لقائي برئيس المحكمة العليا المصرية، ظهر شابٌ صعير يتكلّم بسرعة معلناً أنه من كلية الحقوق بجامعة هارفرد، وأنه يجب أن ينضمّ إلى "المصري" في لقائه مع "بيرغر". وبصراحة لم يعنِ لي الموضوع كثيراً، ولكنني اتّصلت بالمشرف عليّ "هايدن غريغوري" للإستشارة. وكان جوابه بشكل أساسي "ولا أي فرصة! مستحيل!" وقد علمت بعد ذلك أنّ "آلان" قد ألحّ بشكل غير صحيح على "هايدن" حول "إرشادات الحكم الإتحادي الحاسمة" المفترضة، وهي قضية أمام لجنتنا كانت مطروحة في ذلك الوقت.
والقصّة الطويلة باختصار هي أنّ "آلان" لا يقبل إجابته بـ "لا". فعندما أوضحت له أنه لم يكن مدعوّاً ولا يمكنه الإنضمام إلى الإجتماع، استشاط غضباً. وقد يكون ما زال متذكّراً، ولكن بالنسبة لي لم يكن الموضوع شخصيّاً. وعلى أيّ حال، يمكن القول إن على (الأونروا) الإستعداد بشكل أفضل ذلك أنّ لديها الكثير من المشاكل المقبلة التي لا تدركها والتي لم تستعدّ لها من قبل.
فرنكلين لامب أستاذ زائر في القانون الدولي بكلية الحقوق في جامعة دمشق. يمكنكم التواصل معه على بريده الإلكتروني fplamb@gmail.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه