مؤخراً، باتت حكومة رجب طيب أردوغان على علم بأن ثمة ما يُحضر من داخل مبنى السفارة الأميركية في أنقرة، حيث انعكس ذلك بشكل واضح من خلال تصريحات أردوغان
مؤخراً، باتت حكومة رجب طيب أردوغان على علم بأن ثمة ما يُحضر من داخل مبنى السفارة الأميركية في أنقرة، حيث انعكس ذلك بشكل واضح من خلال تصريحات أردوغان الذي اتهم عدداً من السفراء في تركيا "بالضلوع في أعمال استفزازية" على خلفية قضايا الفساد التي هزّت هيبة الحكومة مؤخراً والتي ادّت إلى اعتقال أكثر من خمسين شخصاً من بينهم أبناء ثلاثة وزراء واستقالة وزراء البيئة والداخلية والإقتصاد.
لم يذكر اردوغان، الذي لوّح بطرد السفراء، السفير الأميركي في تركيا فرانسيس ريتشاردوني بالإسم، لكن وسائل الإعلام التابعة للحكومة شنّت ولا تزال حملة واسعة ضد ريتشاردوني، قائلةً إنه "يتدخل في الشأن الداخلي التركي"، وأنه من المرجح أن يصبح "شخصاً غير مرغوباً به في تركيا"، وقد تمّ إبلاغ وزير الخارجية الأميركي جون كيري بذلك، بحسب مصادر إعلامية.
اجتماع السفارة: قرار بتحريك ملفات الفساد
يتقاطع ذلك مع ما صرّحت به مصادر مطلعة لموقع المنار عن أنه سبق الكشف عن فضائح الفساد، اجتماعٌ في مبنى السفارة الأميركية دعا إليه السفير سفراء دول غربية وتمّت مناقشة موضوع استمرار العلاقات التجارية بين أنقرة وطهران بالرغم من العقوبات المفروضة على الأخيرة، تحديداً من خلال بنك خلق التركي، إضافة إلى السياسة الخارجية التركية في ما يتعلق بالعديد من ملفات المنطقة. فهل انبثق عن هذا اللقاء قرار بتحريك ملف الفساد في البلاد، مما يضع شعبية الحكومة وشخص رئيسها في دائرة الخطر، وبالتالي التمهيد لإضعاف نفوذ اردوغان وحزبه في البلاد؟
وفي السياق، تفيد المصادر المطلعة لموقعنا أن "الولايات المتحدة تريد إضعاف شخص أردوغان وجعله الزعيم المخدوش السمعة، بعد أن كان ذو شعبية واسعة ومعروف بنظافة الكف، كما أنها تريد زعيماً آخر للحزب تستطيع التفاهم معه أكثر كنائب رئيس الوزراء بولنت أرينج مثلاً". لكن ما الذي ادّى إلى زعزعة العلاقة بين واشنطن وزعيم "العدالة والتنمية"، بعد ما كان يُحكى عن تقارب ملحوظ بين الأخير والرئيس الأميركي باراك اوباما في الفترة الممتدة بين عام 2010 وصيف 2013؟
مصر وسورية والغاز الإيراني وأشياء أخرى..
في هذا الصدد، تذكر المصادر نفسها أن "واشنطن ترسل منذ الصيف الماضي رسائل استياء إلى أنقرة بشأن شرائها الغاز الطبيعي من طهران مقابل بيعها الأخيرة الذهب"، وذلك ما يفسر ايضاً زيارة نائب وزير الخزانة الأميركية المكلف "الإرهاب" والإستخبارات المالية ديفيد كوهين إلى أنقرة بالتزامن مع سلسلة الإعتقالات التي ترافقت مع فضائح الفساد " للبحث خصوصاً في الملف الإيراني"، بحسب مصدر تركي. إضافة إلى ذلك، تتحدث مصادر إعلامية عن تعارض في الملف المصري مؤخراً بين اردوغان وواشنطن، حيث أن الأخيرة ذهبت عقب عزل الرئيس محمد مرسي باتجاه التخلي عن دعم الإخوان المسلمين لصالح المؤسسة العسكرية، مقابل استمرار تركيا بالتمسك بخيار دعم الإخوان.
وفي إطار الخلافات المتراكمة بين واشنطن وأنقرة، يأتي بشكل أساسي الملف السوري حيث أن الدول الغربية اتجهت في الآونة الأخيرة إلى التخوف من سيطرة القاعدة على "المعارضة السورية المسلحة"، في وقت تستمر فيه أنقرة بدعم المسلحين دون تمييز، بحسب مصادر إعلامية. وتؤكد المصادر لموقع المنار ذلك، مضيفةً أن أنقرة لا تلعب حتى الآن دوراً ايجابياً في ما يخص "جنيف 2"، بحيث أنها "لم تضغط على بعض قيادات المعارضة المقيمين لديها للتعاطي بايجابية مع الملف"، لاستمرار أردوغان بالإصرار على ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد نهائياً.
من جهة ثانية، تكشف مصادر إعلامية أن الحكومة التركية أثارت غضب الحلف الأطلسي بتوقيع عقد إنشاء منظومة دفاع صاروخي مع شركة صينية، تمّ إدراجها من قبل الأميركيين على القائمة السوداء لتعاملها مع ايران وكوريا الشمالية وسورية. كما تشرح مصادر مطلعة لموقع المنار أن اردوغان "شخص عنيد، يحمل أفكار الإخوان المسلمين بكل جدية، ومن هنا ينبع اندفاعه في الأزمة السورية، هو كان يسعى لسيطرة فكر الإخوان في سورية كما في مصر وتونس وتركيا، وبأن يصبح قائداً في المنطقة، وهذا الفكر لا يرضي الأميركيين".
غولن لأردوغان: كش ملك
في اوج الأزمة التي تمرّ بها الحكومة التركية وتحديداً حزب العدالة والتنمية، برز إلى الواجهة اسم فتح الله غولن، الذي سبق أن شكل مع جماعته "جماعة النور"، أحد اقوى حلفاء "العدالة والتنمية"، ليستحيل أحد خصوم اردوغان، الذي وبحسب مصادر إعلامية هو الشخص المقصود في تصريحات اردوغان التي اتهم فيها " بعض القوى الداخلية والخارجية بالعمل معاً لإطاحة حكومته عبر مؤامرة قذرة". وتجدر الإشارة إلى أن اقالة السلطات لخمس وعشرين قيادياً في الشرطة يأتي كرد على الجماعة التي تمتلك نفوذاً كبيراً في القطاع الأمني وفي القضاء، حيث تمّ التحقيق في ملفات الفساد.
وتلفت المصادر المطلعة إلى أن "غولن الداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1999، حيث خرج من تركيا عقب اتهامه بدعوة جماعته لتولي المناصب المهمة في تركيا مما فُسر كدعوة مبطنة لانقلاب اسلامي، ليس بعيد عن التوجه الأميركي الحالي في ما يخص رجب طيب اردوغان"، خصوصاً أن العلاقة بين الطيب والداعية شهدت تراجعاً كبيراً عقب قرار الحكومة إغلاق المدارس المسائية الخاصة، والذي شكّل ضربة لجماعة غولن التي تدير أكثر من الف مدرسة في تركيا ودول اخرى، وقتها وللمرة الأولى وصف غولن اردوغان ب "المستبد والفرعون، الذي يسعى للإستئثار بالسلطة عبر تصفية الحلفاء". وتضيف المصادر نفسها للموقع أن الخلاف بدأ ايضاً منذ معارضة غولن لمشاركة ناشطين أتراك في سفينة مافي مرمرة التي حاولت فك الحصار عن قطاع غزة، وعلى موقف الحكومة تجاه ما تعرّضت له السفينة من اعتداء من قبل الجيش الإسرائيلي.
انطلاقاً من ذلك، ترجح المصادر توظيف واشنطن للخلاف بين الرجلين لإضعاف اردوغان وحزبه. ويتقاطع ذلك مع إعلان جماعة النور، خلال اجتماع بين زعيم الحزب الجمهوري المعارض كمال كيليتشدار ووفد من الجماعة في الولايات المتحدة، بأن "الجماعة لن تصوّت لأردوغان في الإنتخابات المقبلة، وأن البديل جاهز". وفي السياق نفسه، ترجح المصادر بأن انسحاب جماعة غولن من كونها جزءاً من تركيبة "العدالة والتنمية"، "سيكون بدايةً لتفكك الحزب"، مشيرةً إلى أن الإنتخابات المحلية في آذار المقبل ستحدد مدى تراجع شعبية العدالة والتنمية على مستوى الجمهور التركي، ومع التأكيد على أن "المواجهة بين الأطراف ستشهد تصاعداً، خصوصاً أن هناك تهديدات مبطنة بأن ما كُشف من ملفات الفساد في تركيا لا يتجاوز العشرة بالمئة، مقابل استمرار السلطة بإقالة المحسوبين على الجماعة من القطاع الأمني، وقد تمتد سياسة التصفية إلى وسائل الإعلام ايضاً".