لا يمكن لعاقل ان يصدق ان لبنان قد يحكم بغير التوافق وكل من يفكر بغير هذه الطريقة فهو إما جاهل وإما يحاول تجاهل الواقع اللبناني.
"ما زلنا نعتقد بلزوم تشكيل حكومة سياسية جامعة، حكومة وحدة وطنية حقيقية، وحكومة الحياد في رأينا هي حكومة خداع، في لبنان لا يوجد حياديون.. ونحن لا ننصح أحدا بالاقدام على تشكيل حكومة أمر واقع.. الشجاع، الجريء، هو الذي يقف في لبنان ويقول أنا ساشكل حكومة وحدة وطنية، شاء من شاء وأبى من أبى"، هذا ما قاله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حول الملف الحكومي في لبنان، في إطلالته الاعلامية الاخيرة.
بهذه الكلمات يكون السيد نصر الله قد قطع الطريق ونبه بشكل علني من مخاطر حكومة الامر الواقع التي يسعى البعض الى جر البلاد اليها مع كل ما تحمله من محاذير على لبنان على مختلف المستويات لا سيما الامنية والسياسية، وربط كلام السيد حول حكومة الامر الواقع بالمخاطر الامنية في لبنان نتيجة ممارسات احدى الدول الاقليمية المؤثرة بعد فشل مخططاتها المتتالية لا سيما في سورية، هذا التحذير المزدوج على صعيد حكومة الامر الواقع والملف الامني يؤكد الترابط الحاصل بينهما فعلا، ويؤكد خطورة السير بقرارات فردية باتجاه حكومة امر واقع تفرض على فريق كبير من اللبنانيين.
فما هي أبرز تلك المخاطر او المحاذير التي يمكن ان يصل اليها لبنان فيما لو فعلا تمَّ تشكيل حكومة امر واقع؟ وبالتالي أيهما أفضل البقاء في ظل حكومة تصريف اعمال ام الانتقال الى "خطيئة" حكومة الامر الواقع؟ وهل يوجد في لبنان حياديون؟ وهل هناك امكانية فعلا لقيام حكومة تحت هذا المسمى؟ وأليس الافضل لمن يسعى في السر والعلن للوصول الى حكومة امر واقع تزيد المشاكل في البلد، البحث عما يفيد لبنان والقيام به على الصعيد الحكومي؟ ولماذا لم يسعَ هذا البعض الى تشكيل حكومة وحدة وطنية؟ وبالتأكيد ان سعيه وربما نجاحه في إقناع فريق "14 آذار" للدخول في حكومة وحدة وطنية سيجعله "راسخا" أكثر في ذاكرة وضمير اللبنانيين من البقاء في مناصب زائلة لن تبقى له لانها لم تدم لغيره.
حول كل هذه التساؤلات توجهنا بالسؤال الى المحلل والكاتب السياسي اللبناني سركيس ابو زيد الذي اوضح ان "طبيعة التركيبة اللبنانية تقوم على عملية التوافق بين مختلف الاطراف المتنازعة"، ولفت الى ان "رئيس الجمهورية الحالي ميشال سليمان انتخب على قاعدة التوافق خلال اتفاق الدوحة في العام 2008 ولذلك عندما يفكر الرئيس سليمان او يقدم على تأليف حكومة امر واقع تمثل فريق او طرف واحد فهو يخرج عن طبيعة التركيبة التي أتت به كرئيس وسطي او رئيس توافقي يجمع عليه جميع الاطراف".
وقال ابو زيد "بالاساس لا يحق لرئيس الجمهورية الخروج عن منطق التوافق والتسوية الذي جاء به كرئيس في اتفاق الدوحة"، وتابع "لذلك للاسف بعد زيارة رئيس الجمهورية للسعودية طرح موضوع حكومة الامر الواقع"، واضاف ان "الجميع يعرف ان للسعودية موقف على الساحة اللبنانية فهي تسعى الى تفجير الوضع باتجاه التحريض للانقلاب على التسوية التي تمت في الدوحة"، واكد ان "السعودية تسعى الى تغليب وجهة نظر فريق 14 آذار وإجراء انقلاب بواسطة رئيس الجمهورية عبر فرض حكومة امر واقع لتكون ابتزازا لحزب الله ولفريق 8 آذار".
وشدد ابو زيد على ان "مجرد التفكير بحكومة امر واقع هو انقلاب سعودي يجعل من الرئيس سليمان يغامر بمصير لبنان ويضعه في مهب الريح في مرحلة خطيرة ودقيقة"، ورأى ان "لبنان لا يمكنه في هذا الظرف ان يكون منحازا الى هذه الدرجة او ان يكون مسرحا لانقلاب سعودي"، واعتبر ان "السعودية تسعى لتفوز بجائزة ترضية في لبنان بعدما خسرت مجموعة من الاوراق في المنطقة لا سيما في سورية".
وحول المحاذير الامنية لقرار تشكيل حكومة الامر الواقع، اشار ابو زيد الى ان "الاجهزة الرسمية والامنية اللبنانية لا تستطيع ان تحمي اي قرار اذا كان استفزازيا او منحازا نظرا لتركيبة الواقع اللبناني"، وتابع "فقرار تشكيل حكومة الامر الواقع يضع الاجهزة الامنية لا سيما المؤسسة العسكرية في وضع محرج جدا حيث لا تستطيع ان تلبي توجهاته او الانقلاب الذي يقوم به الرئيس سليمان لانه انقلاب فردي يقوم به رئيس الجمهورية كفرد له نزوة هدفه الوصول الى التمديد لنفسه بأي ثمن"، وتابع "هذا القرار -إن حصل من سليمان- يضع لبنان في مهب الريح لان الدولة غير قادرة على تنفيذه او حمايته بما يدخل لبنان بمزيد من الفوضى في لحظة خطيرة اقليميا حيث نشهد مجموعة من التطورات والتحولات"، مؤكدا ان "لبنان لا يستطيع مواجهة هذه التحولات الا اذا كان يسوده التوافق اما اذا فرّط رئيس الجمهورية بهذا التوافق فهو يفرّط بلبنان الكيان والدولة".
وحول موقف الرئيسين ميقاتي وسلام من حكومة الامر الواقع، قال ابو زيد "اذا لم يكن هناك توافق بين جميع الاطراف يمكن ان لا يجاري الرئيس المكلف تمام سلام رئيس الجمهورية بهذه المغامرة"، واضاف "ربما حكومة تصريف الاعمال برئاسة نجيب ميقاتي قد تتمرد على هذا الانقلاب ولا تسلم المراكز الحكومية للحكومة التي لم تنل الثقة"، ولفت الى "وجود خلاف بين الفقهاء ورجال القانون حول مدى قانونية حكومة الامر الواقع ولذلك تكون هذه محاولة لادخال لبنان بمزيد من الفوضى وبمتاهة الانقسامات وبذلك قد تنتج اكثر من جهة وزارية وتهدد كيان لبنان".
واعتبر ابو زيد ان "كل النظريات القانونية ان لم تجد من يحميها تصبح صورا كاريكاتورية"، وتابع ان "حكومة ميقاتي بالحد الادنى سبق ان نالت ثقة البرلمان أما حكومة الامر الواقع المنوي تشكيلها لن تنال مثل هذه الثقة وهناك طعن بوحدتها الوطنية وبشرعيتها"، ولفت الى ان "رئيس الجمهورية إذا أقدم على هذه الخطوة فهو يسعى ليقول إما أنا او لا لبنان اي إما التمديد وإما الفراغ فهو يراهن بالحصول على جائزة ترضية مقابل هذا التصعيد"، ونبه ان "لبنان لا يحتمل حكومة من لون واحد ولو شكلت تحت عناوين معينة كالحياد مثلا فلبنان القائم على المحاصصة السياسية والطائفية لا يوجد حياد فيه".
ورأى ابو زيد انه "يمكن الحديث كمخرج مؤقت للازمة الحكومية الراهنة ان تسمي الاطراف السياسية جميعها وزراء تكنوقراط على صيغة 9-9-6 وهذا امر مختلف عن الحياد الذي قد يطرح"، وأكد ان "لبنان لا يمكنه ان يواجه التحديات السياسية الا بحكومة سياسية جامعة لجميع القوى الفاعلة على الساحة اللبنانية"، وشدد على ان "المخرج للازمة التي يمر بها لبنان هو بعقد طاولة حوار تجمع 14 و8 آذار للبحث في كل القضايا الخلافية بما فيها الحكومة وما يتفق عليه فيها نسير به".
لا يمكن لعاقل ان يصدق ان لبنان قد يحكم بغير التوافق وكل من يفكر بغير هذه الطريقة فهو إما جاهل وإما يحاول تجاهل الواقع اللبناني لاسباب هو يعرفها، ولكن إيا كانت الاسباب لا بدَّ من العودة قليلا الى الوجدان والضمير في هذا الزمن الصعب، والتأمل مليا في حال لبنان مع كل ما يجري حوله من تطورات، والتنبه انه في زمن الجنون العاصف بالمنطقة ومن منظار الربح والخسارة، فإن التوحد والتكاتف بين اللبنانيين سيجعل الخسائر أقل بكثير مما لو كان اللبنانيون فرادى وجماعات متفرقة، ولكن هل من يعقل ويتفكر؟