ما نقلته الشاشات خلال جنازة محمد الشعار، ليس إلا صورة قاتمة عن بلد يُحتضر. بلد تحوّل شهداؤه إلى أدوات سياسية في أيدي المتناحرين. فعوضاً عن أن تكون الجنازة وقفةً ليتوحّد الجميع بيّنت ان لبنان فقد صوابه
مشهدان استوقفانا أمس. صورة من العالم الافتراضي، حيث توحّد جميع اللبنانيين في رثاء الشهيد محمد الشعّار، وصورة من أرض الواقع، حيث التدافع والصراخ والضرب والشتم خلال تشييعه. بدأت مفاعيل الصورة الأولى، منذ إعلان وفاة الشعار، بعد يوم واحد على تفجير «ستاركو». انتشرت الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لجعل جنازة الشاب، محطّة للوحدة، ورفض الانجرار إلى الفتنة.
ملاك حمود/ جريدة السفير
«فكلّنا محمد الشعار»، كتب كثيرون. أمّا الصورة الثانية فقاتمة، التقطتها الشاشات فور دخول مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني إلى مسجد الخاشقجي، لتقديم واجب العزاء. استقرت الصورة عند هذه اللحظة، بعدما تحوّلت الأنظار عن الجنازة وعن ألم عائلة الراحل، لتستقرّ على رغبة بعض المشيّعين بطرد المفتي من المكان. جولة الهرج والمرج استثمرتها الشاشات على طريقتها، غاب محمد الشعّار.. وأصبح المفتي ومناهضوه وحدهم في قلب الحدث.
أمس، استشهد محمد الشعّار للمرّة الثانية.. على الأقل هذا ما ردّده كثيرون على منصّات الإعلام الجديد. خرج محمد من صورة رفاقه الثلاثة أمس الأوّل، ليلحق بشهداء تفجير ستاركو السبعة. قاوم لأربعٍ وعشرين ساعة، لكنّ عصف الانفجار كان أقوى من أن يتحمّله جسده الصغير. برحيله، وحّد الجدران الافتراضية والشاشات. أصبح محمد بذلك، بطلاً، يبحث عنه الجميع في كلّ مصيبة، ليتوحّدوا خلفه. كما بات رمزاً لكلّ شاب لبناني يمكن أن يفقد حياته بالطريقة ذاتها.
محمد الشعار، ليس أداةً لبروباغندا إعلامية أو شعاراً لفريق سياسي.. هكذا أراده اللبنانيون، من مختلف توجّهاتهم السياسيّة. لهذا رثوه بالصور والكلمات على منصّات الإعلام الجديد. هو فتى في السادسة عشرة من عمره، ذنبه أنه مرّ في المكان الخطأ في التوقيت الخطأ. وعند الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الأحد الطويل، كانت معظم الشاشات تنقل مراسم تشييعه. مرّت لحظات ارتباك بدخول مفتي الجمهورية، ندّد الحاضرون، فيما كان الأهل غارقين في صدمتهم. سادت البلبلة على الشاشات، ودخلت أصوات الصراخ والتهديد إلى كلّ بيت. هنا، امتلأت الجدران الافتراضيّة بعبارات الأسى. كثيرون راحوا ينعون الشعار للمرة الثانية، ومنهم من تناقل تعليق المذيعة كريستين حبيب عبر هواء «الجديد»: «ربما طعن والد الشهيد محمد الشعّار مرّتين، المرة الأولى باستشهاده، والمرّة الثانية بما يحصل داخل المسجد».
ولكن، سرعان ما اختفى محمد الشعار في خلفيّة المشهد. وتحوّل السؤال إلى «خرج المفتي.. لم يخرج»، مع نقل الشاشات تجمّع شبّان غاضبين حول المسجد، مانعين خروج قبّاني. وكانت الشاشات مضطرة لبثّ شتائم من العيار الثقيل، واكبت مشهد إخراج المفتي من الجامع، بحراسة أمنيّة مشدّدة.
في العالم الافتراضي، اختلطت الأوراق. فمن جهة، انتشر وسم «كلنا محمد الشعار»، على «فايسبوك» و«تويتر» ونشرت مئات التعليقات والتغريدات المتضامنة مع عائلة الراحل، وأصدقائه. ومن جهة أخرى، احتجّ المغرّدون على مشهد الشجار داخل المسجد، واستخدام الجنازة كرافعة لتعميق الانقسام السياسي. إحدى الأمّهات علّقت: «محمد الشعار بموتك أفقد بعض ما أربيه من أمل في هذا الوطن». وكتبت أمّ أخرى: «هل طلبت منها، من نسمة (والدة محمد الشعّار)، أمّك، أن تجد بلداً آخر تهاجر بك إليه، كما يفعل جاد، ابني، معي؟ هل سبق أن وعدتك بأنّها لن تتركك وقوداً لحرب أهلية أخرى، وأنها بأسنانها ستحملك وتطير بك، كما فعلت أنا مع أولادي؟ سواء وعدناكم أم لم نفعل.. نحن الأمهات لا ننجب للموت.. نحن نزرع الحياة».
ما نقلته الشاشات أمس، خلال جنازة محمد الشعار، ليس إلا صورة قاتمة عن بلد يُحتضر. بلد تحوّل شهداؤه إلى أدوات سياسية في أيدي المتناحرين. فعوضاً عن أن تكون الجنازة وقفةً ليتوحّد الجميع، كما ردّدوا على مواقع التواصل الاجتماعي.. تحوّلت إلى دليل جديد على أنّ لبنان فقد صوابه. محمد، فلترقد بسلام.
رابط المقال في جريدة السفير: http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=2659&articleId=2830&ChannelId=64413&Author=ملاك حمود