في ...وطني همسات شاب يحمل حقيبة اللاعودة...يهاجر من دون عنوان...وعندما يأسره البحر يستقبله الساسة في صالون الشرف ثم يهربون...
وأنا أقف على شرفة من شرفات ذكرياتي القديمة...
هبت عاصفة من ناحية البحر لا تحمل غبارا ولا رشفات ماء ..
أحنيت هامتي كي تعبر بسلام
هنيهة كان انتظاري ..
بقلم أ. محمد أحمد حمود / كاتب وشاعر من لبنان
عبرت العاصفة ولا أدري أين حل حقدها،، في بستان أم في حقل ورد أم حطمت شجرة لوز صبية خوفا من زهرها الأبيض قبيل فصل الربيع..
مرت العاصفة وسمعت هدير الموج وقابلت سريعا نسيما عليلا من ناحية الجنوب ...
نسيما أسرني وأنساني أنفاسا من كآبة كانت تساورني وانا اقرأ الحياة.
جن الليل،، هدأت الطبيعة من كل شيء الا من طيف الذكريات التي مرت في عام...
أنفاس تأتي وتروح.. تمضي مع الزفير ولا تعود..
ثوان تقتات على بعضها لترسم للدقائق مسافات عمر ودقائق تتناوب على الهرولة لترضي الساعات.. والساعات لا تستطيع التثاؤب... فقد مر اليوم..والشهر.. وانتهى عامي الذي آذن مع قليل من السنين .. لتأتي الأربعين
وسنتي هذه تلفظ أيامها...
حينما يعم الهدوء وتفرغ الساعات من نمنماتها يأتيك همس خفي يصحبك الى الماضي القريب، وحينما تقرأ صدفة تقويم آخر العام يزداد الهمس ....همس سنة من سراب...
في سرابي أيام كانت ... مرت على عمري كظل شفاف... ظل حدثته وأنبته وأضحكته وأبكيته لكنه غادر مع مغيب الشمس ولم يعد..
في سرابي فرحة خجولة ببداية عامي .. وقد انتهى .. ولا أدري أين غابت نغماته ومعزوفاته وهي تخبرني بقدوم الجديد...
في همس أيامي شريط من ماء وحبر.. فأنا انسي من هذا الوطن..مواطن من درجة ما ..أسمع همس السنين شأني شأن الفلاح والمعلم والزعيم والمتبصر وقارئة الكف والفنجان... والمواطن عندما يشكو أيامه يبحر فوق الزعامات الخاوية التي لا تبحث سوى عن سر الكرسي والوارث والموروث...
في همسات سنتي الخائبة همسة جائع يبحث في الوجوه عن لقمة ترضيه وموسر أتخمته الموائد وأنحفته الريجيمات المكلفة..
في همساتي صوت أم ثكلى مات طفلها على باب مستشفى أوصده الضمير وقسم يمين زائف..وصوت متملك يشتم طبيبا لم تسعفه بزته البيضاء على إرضاء مدلله الذي أتلف سيارة من الجيل الجديد..
في همساتي طفل يبيع الورد كي يتعلم ومواطن من الدرجة الاولى يهدم قصرا ليبني آخر.. فصاحبة الجلالة كرهته بعد عام...
في همساتي مواطن يبكي رغيف الخبز أو قلة حصاد البيدر واقطاعي في ثوب سياسي يلهث لنيل صوته وحصاد البيدر حصاده..
في همساتي شاب في مقتبل العمر يوقف سائق أجرة بتواضع مخيف ليقله الى قريته الصغيرة ومسكن من حجر الكدان...وزعيم مترف يمر بجانبه يرمقه بعين عابسة ويمضي ليصرح عن إنجازات وطن ... وقد تاه عنه ان الشاب هو صاحب وسام في القتال والنضال وحرف من حروف الكرامة..
في همساتي وطن يموت وحب ألف الخيانة..
في همساتي مواطن من عملة رخيصة يميته القلب أو ينفيه انفجار..
في وطني همسات طفل يحيا بلا مذهب..وآخر يرضع حليبا من شر مخيف..ورجل يكره اللون وآخر يشتم رائحة الورد وآخر ..وآخر..
في ...وطني همسات شاب يحمل حقيبة اللاعودة...يهاجر من دون عنوان...وعندما يأسره البحر يستقبله الساسة في صالون الشرف ثم يهربون...
في وطني رقص فوق القبور ...وأفواه من فحيح..وأقلام تكتب لذوي النيافة والامارة تحت غطاء الثقافة ..وفي همسات وطني موت وضجيج وعواء ذئاب..وحمل يقتات على حشائش صيف يابسة...
في همسات سنتي لا ربيع للحياة ولا خريف للشتاء ولا شتاء للعمر...في همساتها صوت جميل خجول يأتي من الصدى.. من الأحلام من الآمال ..من الذكريات القديمة...
ستغادر السنة وتبقى همساتها...وربما تعود العاصفة بعد عام ..
عسى أن لا تعود...
ليبقى الوطن ويبقى الفلاح ويبقى المواطن ويبقى المقاوم..
ويرحل الزعيم...