لم يطوَ ملف التجسس الإسرائيلي على لبنان. ثمة خلية ديبلوماسية ـ تقنية، تجتمع دورياً تمهيداً لتقديم شكوى لبنانية رسمية الى مجلس الأمن الدولي، تتضمن الكثير من المعطيات والوثائق والصور
علي دربج
لم يطوَ ملف التجسس الإسرائيلي على لبنان. ثمة خلية ديبلوماسية ـ تقنية، تجتمع دورياً تمهيداً لتقديم شكوى لبنانية رسمية الى مجلس الأمن الدولي، تتضمن الكثير من المعطيات والوثائق والصور، ولو أن الأمل شبه معدوم بأن تلقى اهتماماً دولياً، برغم اتساع اهتمام الرأي العام بقضية التجسس في ضوء ما كشفته وثائق العميل السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي، إدوارد سنودن، بشأن تجسس الأخيرة على معظم دول العالم وخاصة حلفاء الولايات المتحدة وبينهم قادة دول وأجهزة مخابرات.
لقد شكل سقوط وثيقة أمنية واحدة، بيد الجيش الإسرائيلي مناسبة لهز نظرية التفوق الإسرائيلي في الحرب الالكترونية على المقاومة. فقد أدرك الإسرائيليون ان منظومتهم الالكترونية التجسسية لم تعد عصية على المقاومة في لبنان.
فعلى مدى سنوات طويلة، لم يفارق هاجس «حزب الله» جيش الاحتلال. احد كبار الضباط الإسرائيليين في المنطقة الشمالية يبدو مصدوماً عندما يطلع على وثيقة يملكها «حزب الله» وتمكن الجيش الإسرائيلي من الحصول عليها، ويقول معلقاً على ما تحتويه: «المناظير، كاميرات المراقبة، أجهزة الرادار الجوي، الرادار الأرضي، معلومات كثيرة عن طائرات الاستطلاع من دون طيار التي اعتقدنا أنها تعمل بهدوء تام. لكن بحق الجحيم، كيف عرف «حزب الله» كل ذلك»؟
يكثف الجيش الإسرائيلي نشاطه التجسسي. ينشر أعداداً إضافية من اجهزة التصنت وأعمدة الإرسال التي تحمل صحوناً لاقطة على الجبال والتلال المشرفة على المدن والبلدات والقرى اللبنانية. لم يطل الأمر حتى خرج الأمين العالم لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في العاشر من محرم الأخير ليعلن أن «المقاومة تستطيع أن تفعل، ليس شيئاً، بل تستطيع أن تفعل في مواجهة التجسس الإسرائيلي التقني والفني.. أشياء كثيرة».
«الأشياء الكثيرة» التي أشار إليها نصرالله هي تراكم خبرات. فعلى مدار السنوات الماضية، فعّل «حزب الله» منظومة متطورة من الاستخبارات الوقائية القادرة على مكافحة التنصت الإسرائيلي إلى درجة مكّنته من إجادة تقنيات مضادة للتقنيات الإسرائيلية الفائقة التطور والقائمة على «القفز بين الترددات».
في أيلول 1997، تلقت إسرائيل ضربة مؤلمة جداً عندما استطاعت المقاومة فك شيفرة طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي كانت تقوم بأعمال الرصد في سماء لبنان. أسهمت المواد والصور التي حصلت عليها المقاومة من كاميرات الطائرات الإسرائيلية مباشرة، في مدّ «حزب الله» بمعلومات قادته الى تعقب أنشطة الوحدات الخاصة الإسرائيلية التي كانت تعمل في الجنوب اللبناني.
بعدها تمّ استدراج وحدة النخبة من «المستعربين» في سلاح البحرية الإسرائيلية، المعروفة بـ«شييطيت13»، الى فخ مميت أودى بحياة 12 من عناصرها ولم ينج منهم سوى عامل اللاسلكي الذي كان فــي مؤخـــرة المجموعة في بلدة أنصاريه الساحلية في قضاء صور.
ويروي أحد كبار المحللين العسكريين في صحيفة «هآرتس» زئيف شيف، أن أجهزة استخبارات «حزب الله» كانت تتنصت خلال «حرب تموز» 2006، على المكالمات الهاتفية الخلوية لضباط الجيش الإسرائيلي وعلى البلاغات التي يجري تناقلها بواسطة أجهزة «البايجر» التي يعمل بعضها بواسطة الأقمار الاصطناعية.
بعد «حرب تموز»، اتخذت قيادة الجيش الإسرائيلي قراراً برفع حجم ميزانية شعبة الاستخبارات العسكرية في محاولة للتغلب على تقنيات «حزب الله» التي مكنته من اختراق أجهزة الاتصالات الإسرائيلية.
في المقابل، مضت المقاومة قدماً في مراكمة المزيد من الخبرات والقدرات الالكترونية إلى الحد الذي أصبحت معه قادرة على التفاعل مع كل «جيل جديد» من «الحرب الالكترونية» التي يطلق عليها اسم «الحرب اللاتماسية». نوع كهذا من الحروب يتطلب التجهيز والتحضير والامكانيات والخبرات وكلها صار بمقدور «حزب الله» أن يمتلكها، حتى أنه يمكن القول، إن المقاومة تماهت مع «العولمة العسكرية» عبر مواظبتها على مواكبة التطبيقات الالكترونية الحديثة.
«هنا لا حاجة الى الوسائل التقليدية كالصواريخ والعبوات والرشاشات. مجرد وسائط ومعدات الكترونية متطورة بمقدورها أن توفر للمقاومة الآتي إسكات معدات العدو الالكترونية بالإعاقة الالكترونية وتدمير وإسكات او الاستيلاء على المعدات الالكترونية للعدو»، حسب أحد الخبراء المقاومين. أما الوسائل الالكترونية التي يمكن إعاقتها فهي الآتية:
أ - نظم ووسائل اتصالات العدو اللاسلكية التي تعمل في حيز التردد العالي والعالي جداً وفوق العالي.
ب - نظم ووسائل الملاحة البحرية والجوية.
ج - الأجهزة والمحطات الرادارية المختلفة.
د - أجهزة ادارة النيران ووسائل توجيه القذائف الموجهة واجهزة التفجير باللاسلكي.
وثمة أهداف الكترونية تقع في مرمى وسائط الدفاعات الالكترونية للمقاومة وهي:
أ - مراكز القيادة والسيطرة على القوات.
ب - مراكز التجسس والتنصت.
ج - مراكز رادارات الإنذار ورادارات التوجيه.
د - رادارات كشف ومراقبة التحركات الأرضية.
هـ - وحدات وعناصر الحرب الالكترونية.
بهذا المعنى، ترصد المقاومة إجراءات العدو المرئية، مثل الأبراج المزروعة عند الحدود والطلعات الجوية، ولكنها تضع في أولوياتها أيضاً إجراءات العدو غير المرئية، ويقول أحد الخبراء إن المقاومة اتخذت إجراءات مضادة منذ زمن بعيد للحؤول دون حدوث أي اختراق إسرائيل لبنية المقاومة. وقد تم اعتماد بديل عملي للاتصالات اللاسلكية التي كانت تستخدمها المقاومة، التي استطاع المحتل حينها اختراقها بتقنياته المتطورة والنفاذ الى الموجات الخاصة بالمقاومين. من هنا، تكمن أهمية شبكة الاتصالات السلكية أو ما يصطلح على تسميتها «سلاح الإشارة». «حزب الله هو الحزب الوحيد الذي لا يملك بصمة الكترونية تتيح التجسس عليه كونه يستخدم النظام السلكي وليس اللاسلكي»، كما يقول الضابط في جهاز «مكافحة الإرهاب» الأميركي تريستان آش.
الشبكة السلكية ليست جديدة، بل يعود تاريخ إنشائها إلى سنوات ما قبل التحرير في العام 2000، وقد نجحت في جعل بنية المقاومة بمنأى عن أجهزة التنصت والتجسس والتشويش الجوي والأرضي المعادي.
تلك الشبكة واجهت عشرات الاختبارات لعل أبرزها اختبار أسر الجنديين الإسرائيليين في ١٢ تموز 2006. «كان عناصر المقاومة قد أصبحوا على أهبة الاستعداد على امتداد خطوط الجبهة الأمامية. أنجزت عملية الأسر كما كان مرسوماً لها. جرى استنفار قادة ترسانات الأسلحة ومسؤولي الوحدات الصاروخية والمدفعية المضادة للدروع الذين تصدوا حينها للدبابات الإسرائيلية التي حاولت الدخول الى الأراضي اللبنانية لمطاردة عناصر المجموعات المشاركة في العملية».
يفند الخبير نفسه العلاقة بين منظومة الاتصال وبين المنظومة الصاروخية. «هناك نقطتان رئيسيتان يجب توافرهما قبل إطلاق أي صليات صاروخية. الأولى هي تحديد زمان الرماية والثانية مكان الرماية. فقصف الأهداف الكبيرة والإستراتيجية مثل المدن الإسرائيلية، والتي تتطلب صواريخ ثقيلة من طراز «رعد» و«زلزال»، يرتبط بالقيادة العليا. بعدها يأتي دور عناصر الإشارة ويتم الاتصال بالوحدات الأرضية بعد تزويدها من قبل قيادتها بالإحداثيات، لتطلق على إثرها دفعات من الصواريخ في وقت واحد على الأهداف المحددة. المحور الرئيس في هذه العملية هو عامل الاتصال. فالفعل وردة الفعل مرتبطان به أيضاً، وفي حال فقدانه تصبح القيادة عمياء لكونها ستفتقد إلى ركيزتين أساسيتين هما الضبط والسيطرة.
تعد «وحدة القيادة» عند المقاومة من العناصر الأساسية في الحرب. إذ انها أثبتت تماسكها وفعالية التنسيق بينها في محطات عدة خلال حرب تموز ولاسيما أثناء الهدنة التي تلت مجزرة قانا الثانية، حيث لم يطلق أي صاروخ. كما بعد الهدنة حين أطلقت المقاومة نحو ٣٠٠ صاروخ في يوم واحد.
شكلت شبكة الاتصالات للمقاومة هدفاً لطائرات العدو على مدى ثلاثة وثلاثين يوماً، حيث صبت حممها على تقاطع القرى والمدن الجنوبية لتحقيق أمرين: الأول، عزل المناطق عن بعضها، والثاني، قطع خطوط الشبكة لعزل المقاومين ومنع وصول الإمدادات إليهم.
لقد كرس تقيد الوحدات الصاروخية والمقاتلة للمقاومة بقرار وقف النار في 14 آب 2006 نجاحاً منقطع النظير لمنظومة القيادة والسيطرة. يومها، استنتجت إسرائيل أن تجهيزات الاتصالات الخاصة بالحزب قد نجت من الهجمات الجوية وأن قيادة المقاومة كانت على اتصال دائم بالقادة الميدانيين، وهو أمر ضروري في الجيوش الحديثة التي تخوض معارك معقدة تقنياً.
http://www.assafir.com/Article.aspx
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه