يقبع أمير «كتائب عبد الله عزام في بلاد الشام» في غرفة العناية الصحية والأمنية المركّزة. السعودي ماجد الماجد بات في قبضة الجيش
السعودية تطالب بتسلّمه و«القاعدة» تحذّر من قتلهرضوان مرتضى
يقبع أمير «كتائب عبد الله عزام في بلاد الشام» في غرفة العناية الصحية والأمنية المركّزة. السعودي ماجد الماجد بات في قبضة الجيش، لكن وضعه الصحي يزداد حرجاً كونه يعاني من فشلٍ كلوي. هكذا وقع أحد قادة الجهاد العالمي في كمين للجيش اللبناني.
أمير «كتائب عبد الله عزّام» ماجد الماجد في قبضة الجيش. خبرٌ يكاد لا يُصدّق. توقيف مطلوبٍ بأهمية الإرهابي السعودي حيّاً حلمٌ راود أجهزة أمنية كثيرة قبل أن يتحقق منذ أيام، إلا أنه أربك المؤسسة العسكرية. ما إن سُرّب الخبر، حتى سارعت محاولات إلى احتوائه. فلم يخرج بيانٌ رسمي عن قيادة الجيش يوضح ملابسات التوقيف، ولم يؤكد الخبر أو ينفيه أي مسؤول رسمي. وحتى نفي وزير الدفاع فايز غصن تصريحه حول الأمر من دون إثبات «الإنجاز» أو نفيه، بدا مريباً. كل شيء في شأن العملية لم يكن عادياً، تماماً كما هو ماجد بن محمد الماجد، أمير أحد أذرع الجهاد العالمي وقائد أحد أكثر التنظيمات الجهادية سريّةً. وهذا ما يتطلّب التحسّب من ردود فعلٍ انتقامية.
قبل عشرة أيام، أرسلت الاستخبارات العسكرية الأميركية برقية عاجلة الى «فرع الأمن الاستراتيجي» في وزارة الدفاع اللبنانية، تفيد بأن الماجد موجود في جرود بلدة عرسال اللبنانية، وأنه نقل الى أحد منازل البلدة بعد تفاقم وضعه الصحي. وبعد يومين، وصلت برقية أخرى تفيد بأن اتصالات تجرى لنقل الماجد الى بيروت للعلاج لحاجته الى عملية غسل كلى عاجلة. ويوم الثلاثاء، في 24/12/2013، تولّت سيارة إسعاف نقله من عرسال الى مستشفى المقاصد في بيروت. عندها وصلت برقية أميركية عاجلة تؤكد أن الماجد صار موجوداً في أحد مستشفيات العاصمة.
في هذه الأثناء، تشكلت خلية خاصة في مديرية الاستخبارات، وتولّى فريق إحصاء كل من دخل مستشفيات لبنان أو لا يزال فيها لمعالجة أمراض الكلى. وبعد بحث، أُحصي نحو 415 حالة جرى التأكد من أنها تعود جميعاً لبنانيين، ما عدا اثنتين، إحداهما لمواطن عربي تم التثبت من هويته في أوتيل ديو، وأخرى لشخص مجهول في مستشفى المقاصد.
وفي وقت لاحق، أرسل رجل أمن الى المستشفى، وتم استغلال لحظة نوم الماجد بسبب حقنة مهدئة، لالتقاط صور له، تم نقلها مباشرة الى اليرزة حيث جرت مطابقتها مع صور للماجد، وعندها تقرر إعداد خطة توقيفه.
أول الاقتراحات كان الهجوم على المستشفى ونقله من هناك، ولكن برزت محاذير أمنية ناجمة عن احتمال أن يكون خاضعاً لحراسة خاصة قد يؤدي الاصطدام معها الى اشتباك يستغل لتهريب الماجد أو حتى لقتله، ثم تقرر انتظار تقرير الطبيب. وبعد ظهر الخميس، في 26/12/2013، قرر الطبيب أن في إمكان المريض المغادرة. وأصرّ الماجد، من خلال مرافق له يحمل هوية سورية، على العودة الى عرسال. وتم تحضير سيارة إسعاف لهذه الغاية، استقلّها بعد الغروب، تحت مراقبة رجال الاستخبارات.
بعد مغادرته محيط بيروت الإدارية، تم التثبت من سير سيارة الإسعاف في اتجاه الطريق الدولية المؤدية الى البقاع. وبعد وصولها الى منطقة الجمهور، كانت وحدة خاصة من الجيش قد نصبت كميناً من عدة آليات، اعترضت سيارة الإسعاف وسارع عناصر الاستخبارات الى فتح السيارة ومباغتة الماجد ومرافقه لمنعهما من الإقدام على أي عمل، وخصوصاً أنه كان يُخشى من أن يكون الرجل مجهزاً بحزام ناسف. وخلال أقل من دقيقتين، أوقف الرجلان ونقلا الى مقر وزارة الدفاع، فيما أُخلي سبيل طاقم سيارة الإسعاف في وقت لاحق.
يشار الى أن الأجهزة الأمنية تلقّت سابقاً معلومات عن الوضع الصحي السيئ للماجد، وأن إحدى كليتيه قد تعطلت، فيما تعاني الأخرى من متاعب ألزمته التوجه مراراً الى مراكز لغسل الكلى. وهو ما دفع مساعديه الى وضع أكثر من خطة لإيصاله الى المراكز المعنية بعد اختيار أكثر من عنوان. وهو كان يلجأ إلى إحدى الشقق في بيروت للراحة قبل أن يعود أدراجه. وكشفت المعلومات أن أحد مساعديه كان يرافقه بصورة دائمة. غير أن إجماع المصادر على حصول التوقيف على طريق البقاع يدحض هذه الرواية، فلو صحّت لأمكن توقيفه داخل المستشفى عوضاً عن المخاطرة بإفلاته لدى الخروج منه.
بعد توقيف الماجد،عقد اجتماع خاص في مكتب قائد الجيش ضمّه وكبار ضباط الاستخبارات، وتم الاتفاق على حصر معلومة توقيفه بفريق ضيق، وكيفية المباشرة بالتحقيق معه قبل تدهور صحته. كما خصص طاقم طبي للإشراف على وضعه الصحي، فيما قالت مصادر أمنية، أمس، إنه لا معلومات جدية تم استخراجها من الماجد بسبب تدهور وضعه الصحي.
وبعدما طلبت إيران إشراك ضباط منها في التحقيقات مع الماجد ربطاً بإعلان مسؤولية «الكتائب» عن التفجيرين الانتحاريين ضد السفارة الإيرانية في بيروت، تلقت الاستخبارات الأميركية تقريراً مفصلاً عن عملية التوقيف وعن وضعه الصحي، فيما طلبت السعودية رسمياً، أمس، تسليمها الماجد للتحقيق معه وإعادته الى لبنان. (بإمكان السعودية «استعارة» الموقوف بموجب الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، كما حصل سابقاً مع الموقوفين فيصل أكبر وفهد المغامس ومحمد سويّد). وفيما يشيع السعوديون بأنهم حصلوا على موافقة لبنانية سريعة على طلبهم، تفيد المعلومات بأن هناك مشكلة كبيرة تتعلق بقرار الترحيل. إذ إن المصادر الأمنية تتحدث عن «إنذارات بالغة الجدية» بأن تنظيم «القاعدة» بعث بها الى جهات لبنانية «يحمّلها مسؤولية تسليمه الى السعودية أو وفاته من دون توفير العلاج له».
وقد بادرت استخبارات الجيش الى فرض إجراءات حماية خاصة، وتم نقل الماجد الى أمكنة لا يمكن لأنصاره الوصول إليها، وخصوصاً أن معلومات الجيش تفيد بأن هؤلاء مستعدون لتنفيذ عمليات انتحارية بغية تهريبه من مكان احتجازه. وقد ورد اسم ماجد الماجد للمرة الأولى قبل نحو خمس سنوات، عندما تضمّن أحد التقارير الأمنية معلومة تفيد عن «دخول عدد كبير من الغرباء» إلى عين الحلوة، وأن سعودياً يدعى ماجد الماجد يتولى تنظيم صفوفهم، علماً بأنّ البارزين في تلك الفترة كانوا الفلسطينيين نعيم عباس (أبو إسماعيل) وزياد أبو النعاج المكنى بـ«أبو أسامة» (مواليد 1975) واللبناني توفيق طه، وهم معروفون في أوساط التنظيمات الإسلامية بانتمائهم إلى تنظيم «القاعدة». واللافت أن اسم الماجد لم يتردد يوماً في كل التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية مع موقوفي «الخلايا الجهادية» التي ارتبطت بشخص توفيق طه المعروف بـ«أبو محمد»، فيما اشتهر اسم الماجد من خلال تسجيلات صوتية أعلن فيها عن عمليات عسكرية وحدّد فيها السياسات العامة لتنظيم «كتائب عبد الله عزام».
وفي ردود الفعل على توقيف الرقم ٧٠ في لائحة أخطر ٨٥ مطلوباً في المملكة السعودية، سُجّلت مسارعة الولايات المتحدة إلى تأكيد خبر القبض على الماجد. فأعلن مجلس الأمن القومي الأميركي أن التقارير الصحافية حول توقيفه موثوقة. كذلك أشاد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي بأجهزة الأمن اللبنانية لاعتقالها العنصر الرئيسي الضالع في عملية التفجير التي استهدفت سفارة بلاده في بيروت، داعياً السلطات اللبنانية إلى التدقيق في مسألة أن «العنصر الرئيسي في العملية سعودي الجنسية».
تجدر الإشارة إلى أن تنظيم «كتائب عبد الله عزام» أنشئ عام ٢٠٠٤، وهو مسؤول عن عدد من العمليات؛ بينها إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه فلسطين المحتلة وعمليات ضد قوات اليونيفيل في جنوب لبنان. وقد أصدر عدداً من البيانات؛ بينها بيان «خرق الحصون» في 29 آب 2009 الذي هاجم اليونيفيل واستخبارات الجيش وحزب الله. وبعد اندلاع الأحداث في سوريا، سُجّل له إصدار عدد من التسجيلات الصوتية؛ كان آخرها: «رسالة إلى شيعة لبنان»، بدا فيها كمن «يُلقي الحجة» عليهم بقوله: «تبرأوا من حزب الله تعصموا عنّا دماءكم».
فكرة «الكتائب»
عقب مقتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، مطلع أيار 2011، وحلول أيمن الظواهري أميراً جديداً للتنظيم، بدأ الأخير يبحث في تغيير استراتيجية التنظيم الذي واجه مشكلة في التمويل، بعدما أوقف المتبرّعون الخليجيون تمويلهم إثر رحيل بن لادن. ورأى الظواهري أن القاعدة صار اسماً «مشوّهاً» ، يرتبط تلقائياً بالقتل الدموي والتفجيرات العشوائية، ما يؤثر في قدرته على استقطاب المؤيدين، فقرر إعادة تسويقه وفق تسمية جديدة. وأشارت المصادر إلى وثائق عُثر عليها في منزل بن لادن، عقب مقتله، أشارت إلى أنه كان يفكّر في تغيير اسم تنظيمه بعد اقتناعه بأن الاسم بات مكروهاً من كثيرين. وأضافت إن الأمر طُرح على مجلس شورى التنظيم، واتُّفق على استبدال الاسم باسم «كتائب عبد الله عزام». كذلك تقرر أن «تُميّز كل منطقة بتسمية سرايا على اسم مجاهد يتمتع برمزية معينة. وهكذا كان، فكرّت سبحة التسميات، بدءاً من سرايا أبو مصعب الزرقاوي في الأردن، مروراً بسرايا يوسف العييري في مصر، وسرايا أبو حسن المحضار في اليمن، وصولاً إلى سرايا زياد الجراح في لبنان»، قبل أن يظهر أخيراً اسم «سرايا الحسين بن علي» في سوريا. والجراح هو اللبناني الوحيد بين منفذي هجمات 11 أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة .
http://www.al-akhbar.com/node/198010
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه