25-11-2024 11:27 AM بتوقيت القدس المحتلة

النظر في وجوه الضحايا

النظر في وجوه الضحايا

شابة تسعى إلى تهدئة والدها الذي فقد القدرة على الإصغاء. تُمسك بكتفيه بقوة وتنظر إلى عينيه: «روق. اسمعني. جدو ما صرلو شي. أنا شفته، والله ما صرلو شي. بس مش عم نلاقيه».

ترتجف ذعراً وتعانق والدتها باكيةً لتُخبرها أنها على قيد الحياة (أ ب) تتصاعد أصوات الهلع من مدخل «مستشفى بهمن»، فتمتزج صفارات الإسعاف ببكاء أهالي الضحايا وصراخهم. وسط الصخب، تنتبه الحاجة إلى حذاء ملطخ بالدماء قرب المدخل. يقشعرّ بدنها، فتُبعد الحذاء بقدمها نحو الرصيف. تخبئه من عيون الموفدين فيما لا تهدأ فيه سيارات الإسعاف من إجلاء الشهداء والجرحى. وكأنها تحاول عبثاً إنكار ما تراه العيون.

كارول كرباج/ جريدة السفير

تتفادى النظر إلى الوجوه، فهي الأكثر قسوةً في المشهد. وجه من مرّ الموت قرب منزله ومكان عمله... وسريره. هنا، سيارة إسعاف تحمل امرأة تنتفض على سريرٍ، يرتجف جسدها وكأنه معلّق بين الأرض والسماء.

وهناك شابة تسعى إلى تهدئة والدها الذي فقد القدرة على الإصغاء. تُمسك بكتفيه بقوة وتنظر إلى عينيه: «روق. اسمعني. جدو ما صرلو شي. أنا شفته، والله ما صرلو شي. بس مش عم نلاقيه». لا يبدو أن الرجل يسمعها، عيناه شاخصتان ناحية بوابة الطوارئ ملحّاً على الدخول.

يمنعه موظف المستشفى بلباقة. في حين يُسمع صراخ يدعو الناس إلى فسح الطريق لدخول جريح آخر. تدخل امرأة متقدمة في العمر بثوب أبيض للنوم، مصبوغ بدمها. وجهها بلا تعابير واضحة، لم تبكِ، كان قلبها وحده ينزف.

بينما تخرج جريحة من المستشفى بثوب نوم ورديّ اللون، ترفع شعرها الكستنائي على عجل. وجه الشابة شاحب، خائف. استهدف المجرم سريرها، ليحوّل أحلامها الهادئة إلى كابوس. جريمة. ترتجف ذعراً، تعانق والدتها باكيةً، لتُخبرها أنها على قيد الحياة.

عند مدخل مستشفى بهمن ليلة أمسفي قسم الطوارئ، امرأة برفقة ابنتها تسأل عن زوجها. تجيبها الممرضة أنه في غرفة العمليات، تتبدّل سمات وجوههما تلقائياً. تصمتان لثوانٍ لاستيعاب الأمر، تضع الطفلة يدها على فمها بارتباك. ثم تنهمر الأسئلة بكلمات متلعثمة: «كان واعي؟ وين الحكيم؟ امتين بتخلص العملية؟». تهرعان إلى قسم العمليات الجراحية، تجلسان على الأرض وهما متكئتان على الجدار. تتلوان القرآن بصوت منخفض ووجهيهما مبلّلين بالدمع.

لا يكفّ أحدهم عن البحث عن أحد أقربائه، متنقلاً بين أقسام المستشفى، ذاكراً اسم الله حيناً، وشاتماً عيشته حيناً آخر. فيما لا تزال الحاجة واقفة في الخارج إلى جانب الرصيف. تنظر إلى الأسفل، عيونها عاجزةً عن مواجهة وجوه الضحايا.

رابط المقال في جريدة السفير :http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionID=2663&ChannelID=64510&ArticleID=175