22-04-2025 02:23 PM بتوقيت القدس المحتلة

تفجير حارة حريك: الإرباك التلفزيوني... كلاكيت ألف مرّة

تفجير حارة حريك: الإرباك التلفزيوني... كلاكيت ألف مرّة

أعلنت أولاً أن المكتب السّياسي لـ«حزب الله» قريب من مكان التّفجير لكنّه غير مستهدف، ثم خرج مراسل المحطّة إدمون ساسين ليخبرنا أن «فرضية الانتحاري مستبعدة كلياً»، لتعود المراسلة لنفي تلك المعلومات

انفجار حارة حريك في ضاحية بيروت 2014يهزّ بيروت دويّ انفجارٍ قويّ. تفرغُ الشّوارع من ناسها، وتغصّ ساحات وسائل التّواصل الاجتماعي بناسها الآخرين. «انفجار؟»، سؤال يملأ «التايملاين».

ويبدأ النّاشطون على وسائل التّواصل ببثّ معلومات عن الموضوع، منها ما يكون صحيحاً، والآخر طبعاً، شائعات. صور لمبانٍ خلفها سحب من الدّخان: التفجير في حارة حريك، قرب مطعم «الجواد»، يُعلن أحد المغرّدين. انتقلت هذه الصّور إلى القنوات التّلفزيونية، وبدأ «البثّ المباشر» للكارثة.

دجى داود / جريدة السفير

كان لـ«المنار» حصريّة الوصول إلى قلب الحدث، كون مقرّها قريب من موقع التّفجير، فنقلت القنوات الأخرى الصّورة عنها. وصف مراسل القناة المشهد، وعمد إلى التّحليل قليلاً. أكد أن «هذه المنطقة سكنيّة»، بينما عمدت المذيعة إلى نفي الأخبار عن استهداف أي شخصية حزبيّة.

قناة «أم تي في» لم «تتكلّف» كثيراً في التّغطية. مذيعة المحطّة قرأت أخباراً ترد على مواقع إلكترونيّة إخبارية، بينما قٌسمت الشّاشة إلى قسمين لتنقل صورتين مختلفتين من مكان الحدث. وهذه المرّة، افتتحت القناة سيل الاتّصالات بالمسؤولين السّياسيين ليُعلّقوا على الحدث باكراً، قبل أن يُعرف عدد الضّحايا حتى. من جهتها، وصلت «أل بي سي آي» متأخرة إلى المكان، فحاولت أن تعوّض عن ذلك بالحصول على معلومات خاصّة من المصادر الأمنية، فأعلنت أولاً أن المكتب السّياسي لـ«حزب الله» قريب من مكان التّفجير لكنّه غير مستهدف، ثم خرج مراسل المحطّة إدمون ساسين ليخبرنا أن «فرضية الانتحاري مستبعدة كلياً»، لتعود المراسلة ريمي درباس سليمان لنفي تلك المعلومات.

أما قناة «الجديد»، فحدّث ولا حرج. فقد أعلنت المحطّة عن ارتفاع عدد الشّهداء إلى 6، لتعود بعدها وتنفي «المعلومات التي تحدّثت عن ارتفاع العدد». أما مراسلها إلى مكان التّفجير مالك الشّريف، أخذ وقتاً طويلاً ليتحدث عن الأزمة التي قد تحصل جرّاء أشرطة الكهرباء في المكان، بينما أعلن مراسلها إلى إحدى المستشفيات باسل العريضي عن وفاة رجل تبيّن لاحقاً أنّه غير متوفٍّ.

الفتى الشهيد خضراواللافت في التّغطية هذه المرّة، اهتمام القنوات الفضائية العربيّة بالحدث وإعطائه مساحةً بارزةً من البثّ. فكانت قناة «سكاي نيوز ـ عربية» أول الواصلين إلى موقع الحدث، بعد قناة «المنار»، وانفردت بتغطية وصور «حصرية» من المكان، تلتها قناة «الميادين». هذه الأخيرة أعلنت عن الاشتباه بسيّارة مفخخة أخرى مكان التّفجير، ثم نفت «المعلومات التي تحدّثت عن الموضوع». أما قناة «العربيّة»، فنقلت عن وزارة الصحة إعلانها أن عدد الضحايا في التّفجير هو 5 شهداء و20 جريحاً، الأمر الذي نفته وزارة الصّحة. ولم يصل مراسل المحطّة إلى مكان الحدث أصلاً، وفضّل أن يجيب على أسئلة المذيعة من على طريق كاليري سمعان، فأخبرنا أن ركن السّيارات «صفاً ثانياً» أمر شائع في الضاحية، فوافقته المذيعة، لتنتقل إلى أخذ اتصالات من سياسيين. كذلك فعلت قناة «الجزيرة»، وفي اتّصال مع رئيس جبهة النّضال الوطني النائب وليد جنبلاط، أصرّ المذيع على سؤال جنبلاط عن الحكومة ومشاركة «حزب الله» في الحرب السّورية.

الانقسام السياسي بدا واضحاً في مقدّمات النشرات الإخباريّة. ذهبت قناة «ام تي في» الى التّحليلات السّياسية، قائلةً: «أثبت الموت المفخخ، والذي أخذ يتحول من موت ظرفي إلى موت مبرمج، أن اللعب في المساحات السورية لم يأت على لبنان إلا بالويل...». أما قناة «المنار»، فخصّصت المقدمة للحديث عن «فظاعة الإرهاب». وركّزت قناة «المستقبل» على وجه الشّبه بين ضحايا تفجيري حارة حريك وستاركو، فيما سألت قناة «إل بي سي»: «ما التالي؟ ومن التالي؟»، بينما ذهبت قناة «الجديد» إلى الجانب الاستقصائي، فأعلنت تعقّبها لحركة السّيارة التي انفجرت، معلنةً أسماء كلّ من اقتناها يوماً.

اهالي ضحايا انفجار حارة حريكوكعادتها، تعدّل القنوات اللبنانية برامجها ليلة كلّ تفجير. فتستبدل برامجها التّرفيهية بأخرى حوارية «احتراماً لأرواح الضّحايا»، كما تزعم. وهذه المرة، كان معظم السّياسيين في إجازات الأعياد خارج البلاد، فأزهرت الشّاشات بالصّحافيين الذين تحوّلوا إلى محلّلين عسكريين وسياسيين، كلّ حسب انتمائه الحزبي. وعلى وسائل التّواصل الاجتماعي، أعرب اللبنانيون عن استيائهم من تلك البرامج. فكتب أحدهم على «فايسبوك»: «وليد عبود وجورج صليبي ومارسيل غانم تجّار دمّ». وبعد يوم واحد من التّفجير، عادت المحطّات إلى برامجها العاديّة، فيما استضاف عماد مرمل على «المنار» عدداً من أهالي الضّحايا في التّفجير، بينما عرضت قناة «الميادين» حلقةً خاصة مباشرة من مكان التّفجير، أطلّت فيها إحدى المراسلات من مستشفى بهمن، وأجرت مقابلات مع الجرحى السّاعة 11:30 ليلاً.

ربما اعتاد المشاهدون البثّ المفتوح المليء بالمعلومات غير المفيدة، وربّما أيضاً اعتادوا قلّة مهنيّة القنوات التّلفزيونيّة، أو حتى على تبرير الجرائم بناءً على مكانها وسياسة المحطّة... لكنّ المستغرب أن تعتاد هذه القنوات على ذلك، في بلد يهزّه انفجار كلّ أسبوع في مناطق مختلفة! ولعلّ الأبشع من تغطية وسائل الاعلام للتفجيرات هو تقاريرها عمّن يدور الانفجار في فلكهم، على قاعدة، «من لا نجتمع معه في السّياسة، لن نتضامن معه في الإنسانيّة»... ما يقودنا إلى أكيد وحيد: تحتاج وسائل الإعلام اللبنانية إلى «هيئة إدارة لكوارث البث المباشر أثناء المصائب وتعديل أولوياتها الإنسانيّة».

رابط المقال في جريدة السفير :http://www.assafir.com/article.aspx?EditionId=2665&ChannelId=64569&ArticleId=372