مع عودة ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الى الواجهة ترافق هذه العودة صورة التسييس الذي طبع عمل المحكمة منذ انطلاقة المرحلة الممهدة لنشوئها ولقراراتها الاتهامية
"القرار الاتهامي سيصدر في ثلاث ملفات: ملف اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري وملف الاعلامية مي شدياق وملف النائب مروان حمادة او ملف الوزير السابق الياس المر.. وهناك اتهامات لشخصيات لبنانية وسورية".. هذا ليس تصريحا عن مسؤول في المحكمة الدولية في قضية الرئيس الحريري بل عن نائب لبناني في 14 اذار.. حسبُك هذا التصريح لتعرف ان موضوع المحكمة ليس الا مهزلة قضائية على اعلى المستويات الدولية.. فهذا التصريح هو نموذج مستجد عن التصريحات والتنبؤات، والتسريبات الكثيرة في الصحف المحلية العالمية ووسائل الاعلام، حول ما سيتضمنه القرار الاتهامي قبل صدوره، بما يدل على الخرق الصارخ للاصول المهنية في عمل المحكمة..
لم يقف الامر عند حد تصريح هذا النائب او قول رئيس حزب الكتائب قبل ايام ان القرار الظني سيصدر في اسرع وقت ممكن، بل يسرب اعلام تابع لـ14 اذار ان القرار الاتهامي سيصدر خلال ايام. كما نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصادر وصفتها بـ"المطلعة" أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان توشك على تقديم طلب للحكومة اللبنانية بالتحقيق مع خمسة أشخاص أعضاء في حزب الله بصفتهم الشخصية. وأكدت المصادر، أن أسماء المتهمين الخمسة ستكون سرية لفترة محدودة قبل الإعلان عن هوياتهم. وتقاطعت معلومات "الشرق الأوسط" مع ما نشرته صحيفة "الحياة" اللندنية، إذ أشارت الأخيرة إلى أن القرار الاتهامي متوقع خلال أيام معدودة. وكشف مصدر دولي في باريس لـ"الحياة" أن القضاء اللبناني سيتبلغ من المحكمة الدولية وبحسب الأصول، نص القرار الاتهامي ربما اليوم الاثنين أو غداً الثلاثاء، وهذا ما يتطابق مع تأكيد مصادر فرنسية متابعة لملف الاغتيال أن موعد صدوره سيكون هذا الأسبوع.
اذاً مع عودة ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الى الواجهة رافق هذه العودة صورة التسييس الذي طبع عمل المحكمة منذ انطلاقة المرحلة الممهدة لنشوئها ولقراراتها الاتهامية - اي التحقيق الدولي- الى مسار عملها وما رافقه.. وها هو الحديث عن قرب صدور القرار الاتهامي يظهر في فترة سياسية حساسة على الصعيد اللبناني والسوري، فالحكومة الجديدة تتعرض للهجمات وسوريا كذلك، وإن كانت الهجمات ضد الاولى سياسية وضد الثانية بأسلحة مختلفة.
عودة تاريخية
في عودة الى الوراء يظهر من انتقال فرضيات الاتهام بين عدة اطراف وتوقيت هذا الانتقال النكهة السياسية لعمل التحقيق والمحكمة .. فقد ظهر في فترة الحملة الداخلية والخارجية العنيفة على سلاح المقاومة عام 2010 التسريبات التي تؤكد ان عناصر في حزب الله متهمون بالاغتيال، اما في فترة التطورات السورية ومرحلة استلام الاكثرية الجديدة للحكم عاد القرار الظني ليلقي بظلاله قبل ان يطل رأسه، وسط توقعات بصدوره خلال الايام القليلة المقبلة عن قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرنسين الذي كان تسلمه في كانون الثاني (يناير) 2011 من مدعي المحكمة دانيال بلمار..
جرى الحديث في بدايات التحقيق الدولي ان اعترافات ما يسمى مجموعة الـ13 بالاغتيال ستكون مادة اساسية في قرارات المحكمة لكن ذلك لم يحصل لينتقل الامر في خضم الضغط الدولي على سوريا الى توجيه اصابع التحقيق الدولي الى سوريا والنظام الامني اللبناني، وروجت 14 اذار ان المحكمة ستتهم سوريا ثم بسحر ساحر الغي هذا الحديث لتثار اجواء سياسية وصحافية تؤكد ان المحكمة ستتهم حزب الله.. ومؤخرا عاد التوقع ليجمع حزب الله وسوريا معاً.
وقد اصدرت المحكمة العسكرية أحكامها في حق عناصر مجموعة ال13 المنتمية الى القاعدة التي اعترف أحد أعضائها بعد توقيفها أوائل عام 2006 أنهم اغتالوا الرئيس رفيق الحريري. وقد تراوحت الاحكام بين سنتين وعشر سنوات بتهم محاولة القيام بأعمال ارهابية والانتماء الى تنظيم القاعدة وتأليف عصابة مسلحة بقصد ارتكابات الجنايات ونقل الأسلحة وأجهزة لاسلكية وحقائب وغيرها.
يُذكر هنا ان اللواء جميل السيد اكد ان أعوان الرئيس سعد الحريري قد شوهوا التحقيق مع مجموعة الـ 13 انسجاما مع القرار السياسي لفريق 14 آذار حينذاك، والقاضي بتوجيه تهمة اغتيال الرئيس الحريري حصرا الى سوريا والضباط الأربعة، ورفض أية فرضية أخرى رغم عشرات الوقائع الثابتة الموجودة في اعترافات المجموعة المذكورة.
تجاهل موضوع مجموعة الـ13 او الفرضية الاسرائيلية قابله بحسب المراقبين تركيز من المحققين الدوليين والمحكمة الدولية على اتجاهات تستهدف الحصول على معلومات تساعد على توجيه الاتهام لسوريا أو لحزب الله أو لكليهما معاً. وقد تم الاعتماد في ذلك على مجموعة من شهود الزور الذين لا يزالون محميين حتى الان من الملاحقة او من معرفة من كان وراء تحريكهم.
تناغم بين القرار الاتهامي وما يجري في المنطقة
"بنظري المحكمة كانت مبرمجة على مستوى استراتيجي كما القرار الاتهامي مبرمج على اساس تكتيكي ويستخدم لاغراض سياسية"، هذا ما يؤكده الكاتب والباحث الاستاذ نبيه البرجي لموقع المنار.
ويضيف "استغرب عندنا يحذر البعض من تسييس المحكمة، فالموضوع متصل من الاساس بيوم اللقاء في النورماندي عام 2004 بين بوش وشيراك حيث كان واضحا ان هناك سيناريو بعيد المدى –وهو ما اتضح ايضا عبر كتب صدرت في فرنسا والولايات المتحدة او التصريحات الفرنسية والاميركية- ينفذ في اطاره القرار 1559 وبعدها ما حدث بالنسبة للمحكمة، ولا اعتقد ان الولايات المتحدة ضنينة بدم الرئيس الحريري، وكما نلاحظ فإن باريس صدر فيها اكثر من كتاب حول المأزق الفرنسي يتحدث عن ضرورة وجود دور في المنطقة، وشيراك كان يعتقد ان بوش يتمتع بمستوى عال من الحماقة وان فرنسا يمكن ان تلعب دورا محوريا في الشرق الاوسط فكان اطلاق القرار 1559". ويشير البرجي الى اننا "كلنا نتابع ما يجري في هذا العالم وعندما اطلقت فكرة لجنة التحقيق ثم المحكمة كان واضحا –حتى لو ركزوا على ادعاء البعد الاخلاقي والقانوني- ان البعد السياسي هو الاهم".
ويلفت البرجي الى ان "بلمار قال انا لن اقدم قرارا اتهاميا الا على اساس قرائن صلبة لكنه عدل القرار مرة اولى ثم ثانية وقال انه وسعه وهو استفاد من التطورات التي حصلت في سوريا من اجل توسيع الاتهامات تجاه دمشق".
ويقول البرجي "انا شخصيا توقعت حتى قبل ان يقول بلمار انه وسع القرار الاتهامي ان يرسل قرارا معدلا ولم اتوقع قرارا كاملا بل ان يكون على شكل ملحق وان تزج سوريا ثانية بالموضوع، فسوريا حيدت لسبب ما متعلق بتطورات المنطقة ثم تم توسيع الاتهام من جديد ولو ان سوريا لم يحصل فيها اي من هذه التطورات لما توسع، اذاً هناك تناغم بين القرار الاتهامي وما يجري في المنطقة".
ويبدي البرجي الاعتقاد انه "لو بقيت حكومة سعد الحريري لتم تأجيل القرار الاتهامي لسنوات والواضح من القرار الاتهامي ان هناك برمجة سياسية".
يندرج عمل المحكمة بحسب البرجي "في اطار استراتيجي محدد ومن الغباء القول ان المحكمة انشئت لاسباب اخلاقية او مهنية بل ان مطرقة كاسيزي سيضرب بها على الطاولة والاخرون سيضربون على الارض، فهذا النوع من المحاكم هو حتما سياسي بالمطلق وهناك امثلة على هذه المحاكم في عدة بلدان". ويؤكد ان من يلعب هذه اللعبة لم يتعلم من السابق وهو يلعب بالنار والوضع شديد الخطورة. ويقول البرجي: هم اعتبروا ان لبنان وسوريا فقدا اوراقهما ولكن ما نسمعه ونراه يشير الى ال"عكس تماما والعملية اخطر مما يتصورون وهم يطبقون استراتيجيات معينة ستجد من يواجهها، فالقصة ليست اتهام عدد من الاشخاص بل محاولة الوصول الى تغيير قواعد اللعبة في المنطقة وهذا ليس سهلا، اما الفتنة ستكون مكلفة جدا لهم".
وبالخلاصة يتمنى البرجي "على المسؤولين والشخصيات والاطراف السياسية في لبنان اياً كان اتجاهها ان تعي دقة وخطورة المرحلة، فالمخطط وضع منذ اجتماع النورماندي والمؤسسة اليهودية منذ العام 1923 تحدثت عن تفكيك وتفجير المنطقة وهذا ما ينفذ وكل شيء موحى به من المؤسسة اليهودية"..
نص قرار انشاء المحكمة الدولية المتعلقة باغتيال رفيق الحريري
إنّ مجلس الأمن، إذ يستعيد كل القرارات السابقة ذات الصلة، لا سيما القرارات 1595 (2005) الصادر في 7 نيسان (أبريل) 2005، و1636 (2005) في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2005، و1644 (2005) في 15 كانون الأول (ديسمبر) 2005، و1664 (2006) في 29 آذار (مارس) 2006، و1748 (2007) في 27 آذار(مارس) 2007،
إذ يعيد تأكيد إدانته القوية للهجوم الارهابي الذي حَدث في14 فبراير/شباطِ, 2005 والهجمات الأخرى التي هَزّتْ لبنان منذ أكتوبر/تشرين الأولِ 2004 إذ يكرِّر دعوته إلى الاحترام الدقيق لسيادة لبنان ووحدة أراضيه ووحدته واستقلاله السياسي تحت سلطة الحكومة اللبنانية الوحيدة والحصرية، إذ يستعيد الكتاب الذي رفعه رئيس مجلس الوزراء اللبناني إلى الأمين العام في 13 كانون الأول (ديسمبر) 2005والذي طلب فيه، من بين أمور أخرى، تشكيل محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة كلّ الأشخاص الذين تُثبت مسؤوليتهم عن هذه الجريمة الإرهابية؛ والطلب الذي قدّمه المجلس إلى الأمين العام للتفاوض مع الحكومة اللبنانية على اتفاق لغرض تشكيل مثل هذه المحكمة بالاستناد إلى أعلى المعايير الدولية الخاصة بالعدالة الجنائية،إ ذ يستعيد التقرير الذي رفعه الأمين العام حول تشكيل محكمة خاصة بلبنان في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 وحول المفاوضات والمشاورات التي حصلت بين كانون الثاني (يناير) 2006 وأيلول (سبتمبر) 2006 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، ولاهاي، وبيروت، بين المستشار القانوني للأمم المتحدة والممثلين المعتمدين للحكومة اللبنانية، والكتاب الذي رفعه رئيس الحكومة اللبنانية إلى الأمين العام في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 وأشار فيه إلى أنّ الدول الأعضاء في مجلس الأمن رحبّت باختتام المفاوضات وهي راضية عن الاتفاقية المُلحقة بالتقرير،إذ يعيد الاشارة الى انه يتعين على الأمين العام ومجلس الأمن، بموجب الكتاب المؤرخ في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، دراسة الوسائل البديلة لتمويل المحكمة في حال عدم توافر ما يكفي من المساهمات الطوعية لتتمكن المحكمة من القيام بعملها،إذ يذكّر بأن الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة وقّعتا في 23 كانون الثاني (يناير) و6 شباط (فبراير) 2007 على التوالي الاتفاقية الثنائية حول تشكيل المحكمة الخاصة بلبنان،
إذ يشير إلى الكتاب الذي رفعه رئيس الوزراء اللبناني(مايو/ايار 2007) إلى الأمين العام للأمم المتحدة والذي يذكّر فيه بأن الغالبية البرلمانية أعربت عن دعمها للمحكمة كما يطلب رفع طلب تشكيل المحكمة الخاصة، إلى المجلس كموضوع ملح،إذ اخذ علما بمطالبة الشعب اللبناني بأن يتم الكشف عن هوية ومحاكمة جميع المسؤولين عن التفجير الإرهابي الذي أدى إلى مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري ورفاقه،إذ يثني على الجهود المستمرة التي يبذلها الأمين العام بالتعاون مع الحكومة اللبنانية للمضي قدماً في تنفيذ الخطوات الأخيرة من الاتفاقية، بحسب الطلب الذي ورد في الرسالة التي وجّهها رئيس الحكومة بتاريخ 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006؛
واستناداً إلى الأمر القضائي الذي أصدره المجلس القانوني في هذا المجال في 2 أيار (مايو) 2007، والذي يشير إلى أن عراقيل خطيرة تعترض إنشاء المحكمة من خلال الإجراءات الدستورية، مع التنويه أن جميع الأطراف المعنية عاودت التأكيد على توافقها بالمبدأ على تشكيل المحكمة،إذ يوصي أيضاً باستمرار الجهود التي بذلتها أخيراً الأطراف في المنطقة لتخطي هذه العراقيل،إذ يرغب في الاستمرار في دعم لبنان في البحث عن الحقيقة وفي إدانة جميع المتورطين في الهجوم الإرهابي، ويعاود إصراره على دعم لبنان في جهوده الهادفة إلى جلب منفذي ومنظمي وداعمي هذا الاغتيال وغيره أمام العدالة، إذ يعاود الإصرار على اعتبار هذا العمل الإرهابي وما يتضمّنه كتهديد للسلام والأمن الدوليّين، وعملاً بموجب الفصل السابع من شرعة الأمم المتحدة،
أ - يقرر وضع بنود وأحكام الوثيقة المرفقة بقرار إنشاء المحكمة الدولية، قيد التنفيذ في 10 حزيران (يونيو) 2007، ما لم تقدّم الحكومة اللبنانية إخطاراًً بموجب المادة 19 من الوثيقة المرفقة قبل هذا التاريخ ؛
ب- يقرر أيضاً، وفي حال وجد الأمين العام أنه لم يتم الاتفاق على مقر المحكمة بحسب الوثيقة المرفقة استناداً الى المادة 8 منها، فإن تحديد مقر المحكمة سيتم بالتشاور مع الحكومة اللبنانية على ان توقع الأمم المتحدة مع الدولة المضيفة اتفاقية استنادا" الى اتفاقية المقر؛
ج- يقرر أيضاً، وفي حال أبلغ الأمين العام أن مساهمات الحكومة اللبنانية ليست كافية لتحمّل المصاريف الوارد ذكرها في المادة 5 من الوثيقة المرفقة، فيمكنه قبول واستخدام مساهمات تقدمت بها دول ما طوعاً لتغطية أي نقص حاصل؛يشير(مجدداً )، تعقيباً على المادة 19 من الوثيقة المرفقة، إلى أن المحكمة الخاصة تبدأ بالعمل في تاريخ يحدده الأمين العام بالتشاور مع الحكومة اللبنانية، آخذين بالحسبان التقدّم في العمل الذي أحرزته لجنة التحقيق الدولية المستقلة.
د- يطلب من الأمين العام، بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية عند الضرورة، اتخاذ الخطوات والإجراءات الضرورية لإنشاء المحكمة الخاصة في حينه وإرسال تقرير إلى مجلس الأمن في غضون 90 يوماً، وفي شكل دوري بعد ذلك، في شأن تطبيق هذا القرار؛
ه- يقرر متابعة المسألة بجد والبقاء على اطلاع مستمر.