28-11-2024 02:49 AM بتوقيت القدس المحتلة

المحددات والمحذورات السورية في محاربة الإرهاب

المحددات والمحذورات السورية في محاربة الإرهاب

لئن كانت أمريكا تعتقد , أن تلزيم الإرهاب لحلفائها في المنطقة , وترسيم مشهديته فيما بينهم على الأرض السورية .. يُمكِّنها من الوصول إلى تلزيم جديد للدولة السورية وللقوى المساندة فيها بالقضاء على هذا الوحش

بقلم حسن شقير*

لئن كانت أمريكا تعتقد , أن تلزيم الإرهاب لحلفائها في المنطقة , وترسيم مشهديته  فيما بينهم على الأرض السورية .. يُمكِّنها من الوصول إلى تلزيم جديد للدولة السورية وللقوى المساندة فيها بالقضاء على هذا الوحش – الذي أطلقته بنفسها في سوريا وفي محيطها أيضاً – , وذلك  وفقاً لدفتر شروطٍ أمريكي بحت ... فإنها , والفرضُ كذلك , فهي واهمةٌ ومشتبهةٌ في بلوغ ذلك , بكل تأكيد .

نعم , يُعتبر تحوّل إحتفالية جنيف 2 القادمة – إن عُقدت – من مؤتمر ينادي بإسقاط النظام في سوريا وعزله , إلى نقاشات تبتعد كل البعد عن ذلك , نحو التركيز الإجماعي في هذا المؤتمر على كيفية محاربة الإرهاب واليات التخلّص منه ..  إنجازاً أولياً كبيراً للدولة السورية , وتصديقاً وتبنياً دولياً وحتى داخلياً , لمنطقها  الأولي في بدايات الأزمة في توصيفها لها يومها , بأنها بعيدة ٌ كل البعد عن المطالبة بالإصلاح , بل هي أزمةٌ في مواجهة الإرهاب ومشروعه في سوريا والمنطقة  برمتها أيضاً ... دون أن تجد حتى ما قبل الأمس القريب أية أذانٍ صاغيةٍ لطرحها ورؤيتها يومذاك !

أما اليوم , فمع تبدل المشهد الدولي , وتبدل الأولويات لما يُسمى بالمجتمع الدولي , وشبه تبنيه الرؤية السورية لهذه الأزمة , فلا بد لنا – وضمن افتراضنا الأولي بعقد المؤتمر – أن نستعرض جملةً من المحددات  السورية في كيفية محاربة الإرهاب واستئصاله من سوريا  .. ناهيك عن مجموعة من المحذورات , التي سترسم الدولة السورية من خلالها خطوطاً حمراء بوجه صانعي وحاملي ورافعي ودافعي الإرهاب فيها , وذلك لضمان عدم تحويل وتحوير وجهة  الدولة السورية عن محاربتها للإرهاب  بشكل فعلي ... إلى مسار يتخطى ذلك , قد يكون قابعاً في التفكير المؤامراتي لتحالف العدوان على سوريا ..فداعش واخواتها من التنظيمات الإرهابية , والتي نُثرت في مختلف أرجاء سوريا , كالسم الذي يسري في الجسد , لم يكن مساره عبثياً في العقل التأمري لدول العدوان على سوريا ...

لأجل كل ذلك , ستسير الدولة السورية في جنيف 2 المفترض في  خطين متقابلين لإطار واحد , لا يمكن لها تخطي أي منهما , وهما خطّا : المحددات  والمحذورات ... حيث يتجسد أولاهما  بالتوصيات المُلزمة التي لا بد أن تخرج عن هذا المؤتمر .. ويتعلّق الثاني بالممنوعات التي لن تقربها الدولة السورية في زمن تنقيذها لتلك التوصيات .

في المحددات
-أولا: تجفيف حوض الإرهاب في كل من الدول المجاورة لسوريا , وتحديداً في تركيا والأردن والعراق ولبنان .. وإلزام هذه الدول بتقديم خارطة طريق إلى رعاة  المؤتمر في أليات تنفيذ ذلك .
-ثانياً : إقفال حدود هذه الدول مع سوريا  , وبشكل مطلق , ومراقبتها باستمرار , ووضع المعلومات المتعلقة بعبور الإرهاب , والتي توفرها التقنيات  الموجودة في هذه البلدان , و تلك التي توفرها  التقنيات المتطورة لدى رعاة المؤتمر في حوزة الدولة السورية بشكل مستمر , وعلى مدار الساعة .
-ثالثاً : إلزام مختلف المشاركين واللاعبين الأساسيين في الأزمة السورية , بضرورة تقديمهم لكافة المعلومات المتعلقة بالإرهابيين الذين زُجوا في الأرض السورية , وإقامة بنك للمعلومات عنهم عُدةً وعديدا لدى الدولة السورية , وذلك بغية تسهيل محاربتهم ... وذلك يكون ككفارة من بعض الدول , لما اقترفته أيديهم  في الأزمة السورية .
-رابعاً : إقرار أليات عمل تطبيقية – لدى الدول التي صدّرت الإرهاب إلى سوريا – تُسهّل عودة هؤلاء الإرهابيين إلى هذه الدول , ومعالجة أوضاعهم القانونية , وذلك لتحفيزهم بفتح نافذة أملٍ أمامهم , بالعودة إلى رشدهم .. ( أشبه بمراسيم العفو السورية ) , وتخييرهم بين ذلك , وبين اتخاذ إجراءات صارمة بحقهم , لا تقل عن سحب الجنسية عنهم .
-خامساً : إلتزام الدول المشاركة كافة , بوقف الدعم المادي والمعنوي واللوجستي للأماكن السورية التي يسيطر عليها الإرهابيين  وفق التصنيف الدولي , وكذلك إلى كل تلك المناطق التي لا يؤمن من يسيطر عليها بالمسار السياسي للحل في سوريا
-سادساً : إشراك الدول المختلفة  - من طرفي النزاع الدولي في سوريا –  , في محاربة الإرهاب على الأرض السورية , مع التأكيد على أن كل هؤلاء , ازدادوا عدداً أو نقصوا , يجب أن يعملوا فقط وفقط تحت مظلة الدولة السورية , وبحسب توجيهاتها , ولما ترتأيه هذه الأخيرة في كيفية استعادة السيادة السورية , والحفاظ على مصالح الدولة الوطنية فيها .
-سابعاً : الخروج بتوصية جامعة , بدعوة مجلس الأمن والأمم المتحدة في الدخول بمشاورات مُلزمة فيما بين الدول الأعضاء , تمهيداً  لعقد مؤتمرٍ دولي , يتفق عليه الأعضاء في وضع توصيف مشترك للإرهاب والتكفيرمعاً , وضرورة فصله عن الطوائف والمذاهب والملل , وتجفيف مدارسه الفكرية والثقافية ودعوييه .. ومحاصرة الجمعيات والأحزاب والتنظيمات التي يعمل تحت ستارها , لأجل عزلها جميعاً .  

إذا كانت هذه بعضٌ من ثوابت الدولة السورية في كيفية استئصالها للإرهاب على أراضيها , فالصحيح أيضاً أن هذه الأخيرة أيضاً  ستضع نُصب عينيها أثناء ذلك , جملةً من الخطوط الحمراء , هي أشبه بالمحذورات التي لن تقربها  , أو حتى يمكن لها أن تقع في شركها .. لأنه ببساطة , فكثرٌ من الجالسين على مائدة ذاك المؤتمرالموعود , هم أنفسهم في تلك اللحظات  , من دفعوا ويدفعون بالإرهاب في سوريا , حيث كان الهدف لديهم جلياً في استثماره لخدمة سياساتهم واستراتيجياتهم الحيوية ..

في المحذورات

-المحذور الأول : لن ترض الدولة السورية بكل تأكيد بتواجد قوات دولية , أو متعددة الجنسيات , ضمن الفصل السابع على الأراضي السورية , وبشكل مطلق , وحتى لو كانت الحجة الظاهرة لهم في مساعدتهم الدولة والجيش العربي السوري في محاربتهم للإرهاب ..والعِلَّةُ في ذلك أن هذه القوات سيكون قرارها السياسي والعسكري خارج الدولة السورية وقناعاتها وتوجهاتها التنفيذية في سبيل تحقيق الهدف المشترك بالقضاء على الإرهاب .
-المحذور الثاني : لن تقبل الدولة السورية بتاتاً , بنشر قوات أممية – حتى ضمن الفصل السادس – عند ما يُسمى بخطوط التماس في المناطق والبلدات السورية .. وذلك بحجة مراقبة وقف إطلاق النار المفترض .. وهذا الرفض ينطلق من الخشية من أن تتحول تلك الخطوط إلى شبه حدود تفصل " دويلات سورية " ضمن الدولة السورية , والتي تحترب فيما بينها , وهذا بالتأكيد يمسُ بوحدة الدولة والسيادة السورية ... ناهيك عن أن ذلك قد يُدخل الدولة السورية لاحقاً في نفق يُعرف  بدايته , ولا يُرى نهايته , وتحديداً لناحية قواعد الإشتباك لتلك القوات لاحقاً وفقاً لتطورات الميدان السوري .
-المحذور الثالث : سترفض الدولة السورية , وبلا تردد , فكرة تواجد أية قوات أممية أو دولية على حدودها في جميع جهاتها , وتحديداً من الجهة اللبنانية , لأن هذه الفكرة , كانت ولا زالت تُدغدغ أمال الصهاينة وكثير ممن يتوافقون  معهم في الأهداف على الساحة اللبنانية , وذلك منذ العام 2005 , تاريخ بدء المطالبات العلنية لوضع الحدود اللبنانية – السورية تحت الرقابة الدولية ... والهدف على الدوام , كان وما زال حتى اليوم , قطع التواصل الجغرافي بين الدولة السورية بوجهها الممانع , والمقاومة في لبنان , ضمن استراتيجية " تفكيك الروابط الجغرافية " - ذات المنشأ الصهيوني - ما بين حلقات محور الممانعة .
-المحذور الرابع : إذا كان لابد من المشاركة الدولية في مكافحة الإرهاب , والمساعدة البشرية للدولة السورية ضمن إطارها الأممي أو الدولي , كمشاركة خبراء ومختصين دوليين في هذا الشأن .. فإن هذا القبول السوري لا بد له أن يكون مترافقاً برفض الصلاحيات المطلقة  لهؤلاء , إنما بقبولها بصلاحيات متفق عليها ومنسقة  مع الدولة السورية , وذلك تفادياً لأي شكلٍ من أشكال الوصاية الأمنية أو الإنتداب المُقنّع على المؤسسات الأمنية السورية .

خلاصة القول , لن تكون لمحطة جنيف 2 المنتظرة , أيُ معنىً جدي في السعي  لحل الأزمة السورية , بشعارها الجامع في مكافحة الإرهاب , إذا  لم تُجانب تلك المحددات وتتجنّب هذه المحذورات لدى الدولة السورية . 

* باحث وكاتب سياسي 

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه