ليس غريباً ان يستعر الاقتتال بين تنظيم داعش او الدولة الاسلامية في العراق والشام والجماعات المنافسة لها على الارض السورية.
حسين ملاح
ليس غريباً ان يستعر الاقتتال بين تنظيم داعش او الدولة الاسلامية في العراق والشام والجماعات المنافسة لها على الارض السورية.فالوضع الذي تفجر في محافظات الشمال كان متوقعاً منذ أشهر عقب المواجهات الدامية بين الجانبين لتوسيع رقعة نفوذ كل منهما وفق "صراع امراء الحرب".
هذه المرة اتخذ القتال عناوين متنوعة مثل "المعارضة تنتفض على داعش او القاعدة" و"المعتدلون يقاتلون المتطرفين" وغيرها من العناوين التي عملت وسائل اعلامية عربية وغربية على تسويقها بهدف اضفاء شرعية على الجماعات المنافسة لـ"داعش" في الشمال السوري وتحديداً ما يُسمى الجبهة الاسلامية او جيش المجاهدين….الخ.
ولا يُخفى ان الهدف الرئيسي من محاولة تحسين صورة تلك الجماعات هو التمهيد لقبولها غربياً وربما اشراكها في مؤتمر جنيف 2 كونها "تحارب القاعدة" اي تنظيم داعش الذي يرتكب أبشع الجرائم بحق السوريين والعراقيين واللبنانيين على حد سواء.
واذا كان الاجرام السمة البارزة لتنظيم داعش لا يعني ذلك ان الطرف الاخر أي الجبهة الاسلامية وجيش المجاهدين وعددا كبيرا من المسلحين المنضوين ضمن "الجيش الحر" هم ابرياء من الدم السوري او دعاة ديمقراطية وحرية وغير ذلك.
ففي استعراض سريع لشريط الاحداث المؤلمة التي وقعت منذ اندلاع الازمة السورية يتبين ان الجماعات المنتمية للجيش الحر ارتكبت أبشع الجرائم بحق الامنين من حز للرؤوس واكل للقلوب وقتل المسلمين دون تفريق بين سنة وشيعة او غيرهم فضلاً عن تدمير المقدسات الاسلامية والمسيحية واستهداف المراكز الخدماتية كمحطات الكهرباء والمياه.
ووصل الامر الى حد فرض "الاسلام" بالقوة (وفق معتقد تلك الجماعات) على السوريين كما جرى مع دروز ادلب والارمن في الرقة ، اضافة الى تهجير وحصار الاكراد في ريفي حلب والرقة ، فيما يتعرض عشرات الالاف من المواطنين السوريين لحصار خانق منذ حوالي العامين في مدينتي نبل والزهراء بريف حلب الشمالي بحجة انتماءهم للطائفة الاسلامية الشيعية.
حتى المقامات الاسلامية الصوفية لم تسلم من استهدافات الجماعات التابعة للجيش الحر ولاحقاً الجبهة الاسلامية ، فالعديد من تلك المقامات جرى تفجيرها وتدنيسها في ريف حلب وطال التدنيس ايضاً مقام الصحابي حجر بن عدي الكندي الذي نبش على يد جماعات "الحر" في ريف دمشق ، دون ان ننسى تخريب كنائس الطائفة المسيحية في معلولا والرقة.
هذا الاجرام طاول شخصيات دينية مرموقة على الساحتين السورية والاسلامية كجريمة اغتيال رئيس اتحاد علماء بلاد الشام الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي ، وقبل ايام قليلة عثر في الرقة على جثة الشيخ "عبد العظيم شيخو" وإحدى عشر جثة أخرى وعليها آثار تعذيب في قرية تل البيعة وجميعهم ينتمون الى الطريقة الاسلامية الصوفية ، فيما لا يزال مجهولاً مصير المطرانين بولس اليازجي وابراهيم يوحنا وهما اللذان اختطفا منذ اشهر في حلب على يد جماعات مسلحة.
اما التكفير فحدّث ولا حرج عنه بالنسبة الى مسلحي الحر والجبهة الاسلامية ، فهؤلاء لا يتأخرون عن تكفير الاخر واقامة الحد عليه مهما كانت هويته أكان مسلماً سنياً ام شيعياً ام علوياً او مسيحياً، طالما انه لا يوافقهم الرأي فهو بنظرهم مجرم حتى يدخل تحت طاعتهم وتحت الاطراف الداعمة لهم في الاقليم والعالم.
ما يلفت الانتباه ويثير السخرية في آن معاً حيال ما يحدث من اقتتال بين الجماعات المسلحة هو تحييد جبهة النصرة التي تمثل تنظيم القاعدة في سوريا كما قال زعيم هذا التنظيم ايمن الظواهري قبل اشهر ، وهي التي ارتكبت ابشع الجرائم بحق السوريين سواء عبر التفجيرات الانتحارية او الاعدامات الجماعية العشوائية، لكن يبدو ان القرار الاقليمي - الغربي لم يصدر حول كيفية التعاطي مع الجبهة ، ربما لاعتبارات تكتيكية او لانتظار ما ستسفر عنه معارك الشمال ضد داعش، لكن الاكيد ان محاربة الارهاب لن تكون سوى مطية تستخدمها اطراف المعارضة السورية والداعمون لها لتحقيق اهداف سياسية عبر الاستعداد لاستكمال حربها ضد الجيش السوري...