مصطلحات عفا عنها الزمن، إلا أنها الوحيدة المتداولة بين هؤلاء. «روافض» كمثال. يتحسّر مغرد مُناصرٌ: «بينما ترفع الدولة سلاحها في وجه أعداء الأمة، وترسل خيرة رجالها لدكّ حصونهم نجد من طعنها في الظهر».
متلازمة الضحك ـ الخوف. عندما تفقد سُبل التعبير عمّا يخيفك، تبدأ بالضحك الهستيري، تلك قد تكون حالة عامة، في أيّامنا هذه. إعلان تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، مسؤوليته عن التفجير الإرهابي الذي استهدف حارة حريك في الضاحية الجنوبية، لم يكن خبراً عابراً..
على الأقل بالنسبة لـ «الأخوة المجاهدين». أحكم هؤلاء السيطرة على منافذ التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن نبأ التبنّي أتى عبر الحساب «الداعشي» الرسمي على «تويتر»: «مؤسسة الاعتصام». حفلة جنون أصابت «الأخوة» من كافة «الولايات». وانضمّ الجميع إلى التبريك والتهليل، مغرّدين على لحن «استهداف الصفويين من ديالى إلى بيروت».
ملاك حمود / جريدة السفير
قد يكون الخبر صحيحاً، أو ربما مزحة سمجة، لكنّك تجد نفسك تسأل: هل نحن حقاً في العام 2014؟ حجم التعليقات المتضامنة في فضاء «تويتر»، أتى مخيفاً بالكميّة والنوعيّة، ومنسوب التحريض. فور إعلان وزارة الإعلام الداعشية تبنّيها «تفجير المربع الأمني لحزب الشيطان (حزب الله) في بيروت»، انتشر على موقع التغريدات القصيرة وسم «الدولة الإسلامية تتبنّى تفجير الضاحية». وجاءت الدعوة بأمر يقول «أنشر هذا الوسم يا موحّد: لن يقف الزّحف إلى بيروت بإذن الله». ما هي إلا دقائق معدودة حتى جنّ جنون الداعشيين وأنصارهم في الفضاء الافتراضي. تلك كانت اللحظة المنتظرة لممارسة هوايتهم المفضّلة: حرّية التعبير على طريقتهم.
بدت حسابات «شمرية العراق»، و«منبر الجهاد الشامي»، و«أنصار الدولة»، و«ناصرة المجاهدين»، و«معاوية القحطاني»، و«أبو حمزة المهاجر»، و«أبو عمر الفاتح»، و«الغريب العكيدي»، بالحمد والشكر على الانجاز الذي حقّقه المجاهدون. تلك الأسماء هي الأسماء الحركية للداعشيين، وغالباً ما تكون مرفقة مع صورة الأصابع الأربعة، أي شعار رابعة العدوية، أو صورة الأب الروحي لتنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن. وطبعاً، لا يمكن استثناء صورة العلم «القاعدي» الأسود الذي يختصر، بالشكل، الحالة الجهادية عموماً على منصّات الإعلام الجديد.
يعرّف أحد المناصرين بنفسه عبر حسابه على «تويتر»، قائلاً: «ينطِق الكَاتم فَيصمت الخائن وتنطق المفخَخة فَتصمتُ الصحوة، هكذا هي لغة الدولة الإسلامية في العراق والشام». مصطلحات عفا عنها الزمن، إلا أنها الوحيدة المتداولة بين هؤلاء. «روافض» كمثال. يتحسّر مغرد مُناصرٌ: «بينما ترفع الدولة سلاحها في وجه أعداء الأمة، وترسل خيرة رجالها لدكّ حصونهم نجد من طعنها في الظهر». يقول آخر: «الحمد لله الذي مكّن الدولة الإسلامية من تنفيذ وعدها باستهداف الصفويين الرافضة».
وتفشّت خلال اليومين الماضيين وسوم داعمة للمجاهدين، من بينها واحد بعنوان «أوقفوا القتال بين المجاهدين فوراً»، ومن بين التغريدات الواردة عبره: «لتتقوا الله وتتحدوا ضدّ النظام النصيري العدو فإن تنازعتم فشلتم وتلقفها أعداء الأمة وذهبت دماء الأبرياء». وكتب آخر على وسم «صحوات الضرار»: «الدمُ الدم، والهدمُ الهدم.. والبادئ أطغى وأظلم.. فالأُسود تحزّمت، والرجال تأهبت، والفرسان لخيولها أسرجت!».
السؤال الطبيعي: لولا الفضاء الافتراضي، ماذا كان سيفعل هؤلاء؟ من كان سيسمع صوتهم؟ هل كانوا سيفكّرون بصوت مرتفع، بهذا الضجيج؟ تفجير حارة حريك ليس إلا مثالاً صغيراً، فيوميات الداعشيين وزملائهم حافلة بما هو أكثر من مجرّد حدث ذهب ضحيته عدد من الأشخاص. التغاضي عن تطرّف تلك الأصوات، بات شبه مستحيل. الهرج وما يرافقه من صور قتلى واقتحامات ورؤوس مقطوعة، بات يحثّ كثراً على الهرب من زوايا ذلك الفضاء الافتراضي، المسكون بالدعوات للقتل. يتحوّل «تويتر» يوماً بعد يوم إلى ما يشبه الغابة الشرسة، تماماً كالواقع الراهن الذي نعيشه.
رابط المقال في جريدة السفير :http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=2665&articleId=362&ChannelId=64569&Author=