ربط الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني خالد حدادة بين عودة القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس الحريري إلى الواجهة وتحسّن الوضع في سورية وانتهاء مرحلة الاضطراب فيها كما تشكيل الحكومة اللبنانية
حسين عاصي
القرار الظني سُحِب حين كانت سورية مضطربة
طالبنا بمحكمة عربية لبنانية ورفضنا تدويل لبنان
الحكومة لم تخرج عن المحاصصة رغم خطوة بري
نعارض النظام برمته.. ولن نقبل التضحية بالبلد
فقدان الأمل بتغيير النظام يعني فقدان الأمل بلبنان
ما يحكى عن خلاف على بند المحكمة مضحك مبكٍ!
ربط الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني خالد حدادة بين عودة القرار الظني في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري إلى الواجهة وتحسّن الوضع في سورية وانتهاء مرحلة الاضطراب فيها كما تشكيل الحكومة اللبنانية وموقف الولايات المتحدة الأميركية من التحالفات الجديدة القائمة.
وفي حديث خاص لموقع "المنار" الالكتروني، ذكّر حدادة بموقف الحزب الشيوعي الرافض للمحكمة الدولية منذ البداية، مشيراً إلى أنّه لا يثق بالمؤسسات التابعة للأمم المتحدة المسيطَر عليها من قبل الولايات المتّحدة الأميركية.
وفيما اعتبر أنّ المرحلة تقتضي تحصيناً وطنياً من المستوى، رأى أنّ الحكومة الجديدة لم تأت بالمستوى المطلوب، لافتاً إلى أنه صُدِم بشكلها الذي لم يخرج عن إطار المحاصصة والتوزيع الطائفي، كما قال.
وفيما انتقد ما يُحكى عن اختلاف على صياغة البند المتعلق بالمحكمة في البيان الوزاري، أكد مضي الحزب الشيوعي في خيار المعارضة للنظام الطائفي القائم، محذراً من أنّ فقدان الأمل بتغيير هذا النظام يعني فقدان الأمل بلبنان ككلّ.
توقيت القرار الظنّي.. سياسي
حدادة اعتبر أن لا مجال لقراءة احتمالات صدور القرار الظني في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري السابقة والحالية واللاحقة إلا بتوقيت سياسي. وأوضح أنّ القرار الظني سُحِب من التداول حين كان الوضع السوري بقمة الاضطراب في المرحلة الماضية وكانت المراهنة على إسقاط النظام السوري من خلال الأحداث في أوجها، وعاد إلى الواجهة بعد أن بدأ الوضع السوري يتّجه لحوار حقيقي تشارك فيه "المعارضة الوطنية السورية" بشعارات تبدأ من الاصلاحات ورفض القمع وبالتالي تُلاقي مبادرات الحوار الصادرة عن السلطة. ورأى أنّ الضغط الآن هو باتجاه مزيد من التحركات أقل حدة الأمر الذي يقتضي من القوى التي أسماها بقوى الهجوم المضاد على الانتفاضات الشعبية استخدام القرار الظنّي من أجل زيادة الضغط على الوضع السوري.
وبالاضافة إلى البعد السوري لتوقيت الضجة الاعلامية حول قرب صدور القرار الظني، توقف حدادة عند الوضع اللبناني، فلفت إلى أنّ الولايات المتّحدة الأميركية أعلنت أنّ لديها موقفها من التحالفات الجديدة القائمة وبالتالي فهي تسعى لتحريك الوضع باتجاه حزب الله في الداخل. وانطلاقاً من كلّ ذلك، أكد حدادة أنه لم يستغرب الاطار السياسي والتبريرات السياسية والدوافع السياسية التي أعادت الحديث عن القرار الظنّي إلى الواجهة في هذه المرحلة بالتحديد.
حذرون جداً تجاه المحكمة
حدادة، الذي ربط موعد صدور القرار الظني بالخلفيات السياسية كما كلّ استحقاقات المحكمة الدولية، ذكّر بأنّ هذا الموقف هو موقف الحزب الشيوعي اللبناني منذ البداية، حين كان الوحيد الذي رفض هذه المحكمة في حين وافق عليها كلّ الأفرقاء، بمن فيهم حزب الله وحركة أمل، على طاولة الحوار الوطني. وقال: "موقفنا واضح منذ البداية فنحن قلنا بالفم الملآن أننا لا نثق بمؤسسات تابعة للأمم المتحدة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأميركية وطالبنا بمحكمة عربية لبنانية مشتركة وأعربنا عن عدم ثقتنا بجدوى ربط لبنان وتدويله بالمؤسسات الدولية بكلّ نواحي حياته من الألف إلى الياء، ولذلك فقد كنّا حذرين جداً تجاه المحكمة وموقفنا واضح جداً في هذا الصدد".
ورداً على سؤال عما إذا كانت لديه خشية من سيناريوهات معيّنة في حال صدور القرار الظني في هذه المرحلة، أعرب حدادة عن اعتقاده بأنّ على اللبنانيين تحييد أنفسهم عمّا يتضمنه هذا القرار. ولكنه أكد وجود خشية من احتمال حصول انعكاسات لهذا القرار على الساحة اللبنانية، نظراً للارتباطات والانقسامات والوضع المذهبي لمعظم اللبنانيين. وفيما أكد أن طبيعة هذه الانعكاسات تبقى مجهولة بانتظار رؤية مدى نضوج التآمر على حدوث فتنة مذهبية معيّنة، شدّد على وجوب أن يعمل كلّ اللبنانيين لحالة وطنية تحصّن البلد من هكذا احتمالات، معرباً عن اعتقاده بأنّ تشكيل الحكومة على سبيل المثال لم يكن بالمستوى المطلوب في مثل هذه المرحلة التي تتطلب ورشة عمل حقيقية تنطلق من إعادة النظر في كلّ السياسات المعتمدة مروراً بالسعي لبناء حقيقي وجدي من خلال قانون انتخابي يحصّن الوطن أمام الفتن المحتملة.
"شي بيضحّك.. من البكاء"!
بالانتقال إلى ملف الحكومة اللبنانية، ذكّر حدادة أنّ الحزب الشيوعي اللبناني يمثل، من موقعه الوطنيّ المستقلّ، معارضة لكل النظام الطائفي اللبناني. وفيما رفض استباق الأحداث بانتظار إنجاز الحكومة لبيانها الوزاري الذي سيتمّ تقييمه على أساسها، اكتفى بالقول: "صُدِمنا بالشكل وننتظر المضمون لنبني على الشيء مقتضاه". وأوضح، رداً على سؤال، أنّ الشكل لم يخرج عن إطار المحاصصة والتوزيع الطائفي المعتاد رغم الخطوة اليتيمة التي أقدم عليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لحلّ مشكلة طرابلس عبر التخلي عن مقعد شيعي لوزير سنّي، مسجّلاً في الوقت عينه أنّ هذه الايجابية الصغيرة واليتيمة أتت في سياق حلحلة المشاكل التي كانت تحول وبالتالي فهي لا تعبّر عن اتجاه حقيقي للتخلي عن الحالة الطوائفية لهذا النظام". ورغم ذلك، وبانتظار البيان الوزاري، تمنى حدادة لهذه الحكومة كلّ النجاح، رغم "ضعف أمله"، كما قال.
وتعليقاً على ما يُحكى عن خلاف داخل لجنة صياغة البيان الوزاري وأنّ الأخير عالق عند البند المتعلق بالمحكمة الدولية، قال حدادة: "هو بالفعل شيء مضحك". واستغرب كيف أنّ حكومة شكّلت بين من يفترض أنهم حلفاء تعجز عن التوصل لصيغة حول المحكمة، رغم وضوح الرؤية على هذا الصعيد. وأردف قائلاً: "هو بالفعل شيء يضحك حتى البكاء كما يؤكد خشيتنا من المسار الذي يأخذه البلد".
لن نستسلم للكانتونات الطائفية
وختاماً، تطرّق الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني إلى التحركات الداعية لالغاء النظام الطائفي في لبنان والتي خفّت وتيرتها في الآونة الأخيرة، وهو ما ردّه حدادة إلى الظروف الاقليمية ووضع الانتفاضات في المنطقة في هذه المرحلة. وإذ هنّأ الشباب الذين بادروا للقيام بهذه التحركات خصوصاً أنها أتت في سبيل قضية أساسية ومحقة، أعرب عن اعتقاده بأنّهم يعيدون الآن درس أساليب التحرّك وشعاراته. وأشار حدادة إلى أنّ للحزب الشيوعي اللبناني مواقفه وشعاراته الخاصة، مشيراً إلى أنّ تحركاته ستتحدد على ضوء هذه الشعارات التي تتقاطع مع الحراك القائم. وتحدّث حدادة عن سلسلة أولويات يجب أن يُنظر بها على غرار القانون المدني للأحوال الشخصية وضرورة تأمين شروط مواطنة موحّدة وكذلك معالجة القضايا الاجتماعية الملحّة ولا سيما تلك التي تؤثر على كلّ المال العام كما السياسات الاقتصادية المعتمَدة وليس فقط الفساد. وأشار إلى أنّ محاربة الفساد أمر ضروري ومهم لكنه لا يكفي إذا لم يُعَد النظر بكلّ السياسات الاقتصادية المعتمَدة.
ورداً على سؤال عمّا إذا كان لا يزال لديه الأمل بتغيير النظام رغم كلّ شيء، قال حدادة: "إذا لم يعد لدينا أمل بتغييره، لا يعود لدينا أمل بالبلد ككلّ". وإذ حذّر بأنّ الاستسلام للأمر الواقع خطير ويهدّد الوطن بكلّ مقوّماته، استغرب تلويح البعض بالعكس ورفعهم لشعار "إما استمرار النظام أو يطير البلد". وشدّد على وجوب أن يقتنع زعماء الطوائف بأنّهم إذا استمرّوا بهذا الشكل فهم عندها يقبلون بالتضحية بهذا البلد لصالح مشروع برنار لوي وإطلاق الكانتونات الطائفية "التي بدأنا نشعر بها فعلياً".