26-04-2024 02:01 AM بتوقيت القدس المحتلة

محكمة مسيسة: هكذا قالت لوفيغارو ودير شبيغل وويكيليكس

محكمة مسيسة: هكذا قالت لوفيغارو ودير شبيغل وويكيليكس

سلوك التحقيق الدولي والمحكمة طريق التسييس دلائله كثيرة ومنها ما تم نشره صحفياً

حدث ذلك في السادس من تموز من العام 2006. يومها التقى رئيس لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري سيرج برامرتز السفير الأميريكي السابق جيفري فيلتمان. في تلك الجلسة تملّص برامرتز من مهنية اشتهر بها، أسرّ بهواجسه وبما في جعبته من معلومات، سبق أن رفض أكثر من مرة الإدلاء بأي منها بحجة الحفاظ على "سرية التحقيق". يومها شكى برامرتز لفيلتمان، عرقلة بلجيكا لعمله، مشيراً إلى أنه" لو أن سورية فعلت ذلك، لذكرت في تقريري أنها لا تتعاون" ومضيفاً أن "التعاون السوري هو أفضل من تعاون عدد من دول الإتحاد الأوروبي".

سرّبت أحداث تلك الجلسة صحيفة "دايلي ستار" نقلاً عن وثائق ويكيليكس. بعد الإطلاع على مضمون وثائق ويكيليكس المتعلقة بلجنة التحقيق التابعة للمحكمة الدولية، تصل إلى نتيجة واحدة: انتقائية وازدواجية في معايير التحقيق. أما بالنسبة لمواصفات المهنية والسرية، فإن التسريبات التي نشرتها كل من صحيفة دير شبيغل الألمانية ولوفيغارو الفرنسية، كفيلة بتجريد التحقيق الدولي من هذه المعايير التي لا تجعل من قراره الإتهامي أهلاً للثقة.

وفي الوثائق التي نشرتها "دايلي ستار"، يوضح برامرتز لفيلتمان أن تطبيق المعايير الدولية على مسألة توقيف الضباط سيؤدي إلى إطلاق سراحهم، قبل أن يسارع إلى القول إن ذلك سيكون بمثابة "الكارثة السياسية للبنان". مما يدلّ على أن المحقق الدولي يجد تبريراً لاستمرار اعتقال الضباط من دون أي مسوغ قانوني. وبحسب الصحيفة، فإنه في لقاء عقد في أيار 2006 مع دبلوماسيين أميركيين، يبدو رئيس فريق التحقيق في اللجنة الدولية، بيتر نيكولسون، كمن يتسول التعاون الأميركي. يطلب نيكولسون من موظفي عوكر تزويد اللجنة بصور جوية لمناطق في لبنان وسورية قبل تنفيذ جريمة اغتيال الحريري. ولأنه "يتفهم" الدواعي الأمنية الأميركية، فإنه يقول للأميركيين أن يختاروا هم الصور التي يرون أنها تساعد في التحقيق.

في الوقت الذي بدا فيه برامرتز حريصاً على التكتم على مجريات التحقيق من خلال عدم الإدلاء بأي تصريح للصحافيين أو للسياسيين اللبنانيين عما توصل إليه من معطيات أو أدلة، يتحدث قاضي التحقيق البلجيكي عما في جعبته من فرضيات لفيلتمان، قائلاً " لا أستطيع أن أتخيل أن الأجهزة الأمنية السورية الخمسة شاركت في الجريمة. إذا كان ثمة تورط سوري، فسيكون أحد هذه الأجهزة قد تلقى أمراً من الأعلى. وعلينا تحديد المستوى الذي صدر عنه الأمر".

وفي اجتماع جمع بين المدعي العام في المحكمة الدولية دانيال بلمار والسفيرة الأميركية في بيروت ميشال سيسون يوم 12 أيلول 2008، يشكو بلمار وزيرَ الاتصالات اللبناني جبران باسيل الذي منع شركتي تشغيل الهاتف الخلوي من تنفيذ أي طلب متصل بالتنصت، من دون مراجعة الوزارة. وبفوقية مفرطة، يقول بلمار إن إجراء عمليات التنصت عبر الأجهزة الأمنية اللبنانية يعني أن "أسماء المستهدفين بالتنصت ستُنشر في اليوم التالي في الصحف".

يقول بلمار إنه لن يذهب إلى سوريا ما لم تحدد له الولايات المتحدة، أو مصادر أخرى، أسماءَ الأشخاص الذين تريد منه أن يستجوبهم. وإذا لم تستجب سوريا، "فسيكون لدينا دليل على عدم التعاون السوري". وبرأيه، فإن مجرد السؤال سيعطي إشارات لآخرين في سوريا عن الوجهة التي تسلكها التحقيقات. وفي كلامه أمام سفيرة واشنطن، اتهام واضح لسوريا بالتخلص من الأشخاص الذين تهتم اللجنة بمقابلتهم. فهو يدعو الولايات المتحدة إلى تنفيذ طلبه سريعاً، "لأهمية إجراء المقابلات قبل أن يختفي الأشخاص الذين سيُقابَلون، قتلاً أو بوسائل أخرى".

 هذا بالنسبة لما سربته وثائق ويكيليكس من معلومات تؤكد سلوك التحقيق الدولي طريق التسييس، لكن ما سبق أن طرح علامة استفهام كبيرة هو ما تضمنه المقال الذي نشرته صحيفة دير شبيغل في عددها الصادر في 24 أيار/مايو 2009، والذي كشف أن المحققين الدوليين في المحكمة الخاصة بلبنان توصلوا إلى استنتاج أن حزب الله هو من اغتال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، إلا أنهم يبقون على المعلومات سرية. وقالت «دير شبيغل»، بناء على معلومات تلقتها من مصادر مقربة من المحكمة الخاصة بلبنان، وتأكدت منها بعد أن اطلعت على تقارير داخلية، إن التحقيقات المكثفة في لبنان توصلت إلى استنتاج جديد: ليست سورية من قتلت الحريري، بل قوات خاصة من حزب الله الذي خطط ونفذ الاعتداء. ورجحت «دير شبيغل» أن يكون السبب الذي يدفع المدعي العام في القضية دانيال بلمار لإبقاء هذه المعلومات سرية، مخاوف من تأجيج الصراع في لبنان. هنا يطرح ما نشرته دير شبيغل منذ عامين تقريباً سؤال عن مدى سرية التحقيق الذي تسرب نتائجه والذي انتهى وصدرت نتائجه في وقت يقول فيه المدعي العام أن التحقيق لا يزال مستمراً.

 وينطبق هذا السؤال على ما تحدث عنه الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو في تقرير نشره على موقع صحيفة "لو فيغارو"، أن ما توصل إليه فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العام 2006 لناحية الاشتباه بأفراد من حزب الله في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري لم يأخذ به رئيس لجنة التحقيق الدولية السابق سيرج براميرتس، لأن الأخير بدأ التحقيق من النقطة الصفر، ولم يكن يثق بما حققه سلفه ديتليف ميليس.
كما أشار مالبرونو الى أن براميرتس لم يكن يثق بثنائي "المفبركين"، نائب رئيس لجنة التحقيق الدولية في عهد ميليس الألماني غيرهارد ليمان، ورئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن "الذي كان مسؤولاً عن أمن الحريري وتغيّب عن موكبه لأسباب غامضة".

وينقل مالبرونو عن المحققين قولهم إن حزب الله استعان بمجموعة من السلفيين الجهاديين السنّة من أجل شراء سيارة الميتسوبيشي وتجهيزها بالمتفجرات والإتيان بالإنتحاري "السعودي الذي عاش فترة من حياته في سورية".

يحتّم المنطق الحكم على ما ستصدره لجنة التحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري من نتائج سيتضمنها القرار الظني، بعد الحكم على مجريات عملها من خلال تقييم ما تتسم به من مهنية وسرية وحيادية. تبدو هذا الصفات بعد ما تمّ ذكره بعيدة كل البعد عن سلوك تلك اللجنة، التي كشفت ويكيليكس بوح رؤسائها بكل التفاصيل لسفراء الولايات المتحدة الأميريكية التي تجد في المحكمة ورقتها الأخيرة ضد المقاومة وقوى الممانعة في العالم العربي.