27-11-2024 04:40 AM بتوقيت القدس المحتلة

انفجار الشرق الأوسط والانتصارات الافتراضية

انفجار الشرق الأوسط والانتصارات الافتراضية

انتهى الشرق الاوسط بصيغته المستندة الى سايكس ـــ بيكو. فتحت الابواب لتقسيمات جديدة ترسمها مصالح الدول والامم. ستدفع الشعوب العربية ثمن هذه المصالح. كل ما دون ذلك هو مجرد انتصارات وهمية

مصريون كانوا يطالبون برحيل الرئيس محمد مرسيانتهت الأوهام. عاد العرب الى أقدم عاداتهم. استأنفوا تاريخ الغزوات القبلية. لا شيء نفع في خلال نصف قرن من التجارب. لا القومية، ولا اليسار، ولا الحلم الناصري ولا المغامرات الوحدوية، ولا الاسلاموية المعتدلة، ولا الثورات العابرة، ولا الربيع الذي انطفأ قبل ان يزهر.

عادت العروبة تستل السيوف وتسحب الخناجر من الأغماد. عاد العرب يتبادلون تقطيع الرؤوس وأساليب السبي وغنائم الحرب.

سامي كليب/ جريدة الأخبار
 
بين دول فاشلة واخرى عاجزة وثالثة خائفة، ما عادت في الشرق دولة تستحق اسم الدولة. تفككت الدول المركزية، او انها متجهة نحو التفكك. انزلقت كل القيم المجتمعية الى أتون التباغض او التناحر المذهبي. غابت الفروق بين ملكيات وامارات وجمهوريات. امّحت التباينات بين النماذج الاقتصادية. غرقت الشعوب في عدوى ثورات بلا مشاريع. صارت الثورات والانظمة او ما بقي من الانظمة تنشد ود الخارج والأجنبي ليرسخ ثورة او ينقذ نظاما.

هي نهاية احلام عربية دغدغت اجيالا في مراحل مختلفة، لا بل هي نهاية وطن عربي صار أوطانا وأقاليم وفدراليات، تمهد لصراعات مقبلة مرشحة للتفاقم عقودا طويلة.

انتصرت دول وامم وهزم العرب لان الانتصارات تحققت بدم العرب وعلى أرضهم. أي عربي يستطيع ان يدعي اليوم انتصارا طالما أن معظمهم يدرك ان مستقبل هذا الوطن بات رهنا بطبيعة التفاهم الايراني الغربي، او بمستقبل التقارب الروسي الاميركي؟ من يستطيع منهم ادعاء الانتصار طالما ان أحلام الاستقلال والسيادة والقرار المستقل انتهت الى حلم كسب رضى ودعم دول أجنبية؟ من يدعي الانتصار اذا كان المشروع الوحيد لمستقبل هذا الوطن العربي هو مكافحة الارهاب بقيادة دول اجنبية؟.

تفكك العراق. دمرت سوريا. انفصل جنوب السودان. قد ينفصل ايضا جنوب اليمن. انزلقت مصر الى فخ الاقتتال الداخلي. صار فيها الفلسطيني مشتبهاً فيه حتى يثبت العكس. غرقت حركة حماس في أتون الصراعات العربية. صارت مشتبهاً فيها في معظم الدول التي احتضنتها سابقا. بات محوها عن الخريطة اسهل من السابق. غرق ايضا حزب الله. نزعات الانفصال تضرب ليبيا. كل هذه الدول والحركات والاحزاب أسهمت في الحرب على اسرائيل، او على الاقل في دعم الفلسطينيين. كاد بعضها يؤسس جدياً لتوازن الرعب مع اسرائيل. بعد اكثر من نصف قرن تبدو اسرائيل أبرز الرابحين من التفكك العربي والتباغض المذهبي وتفكك الدول.

الدمار في سورياسيقول المتفائلون إن قتال حزب الله في سوريا أقلق اسرائيل. صار قادتها يأخذون بعين الاعتبار خبرة الحزب في القتال على ارض غير أرضه. صاروا يقلقون أيضا من تقارب الخبرات القتالية بين الحزب والجيش السوري وايران. هذا صحيح، لكن الصحيح أيضا أن الفتنة المذهبية التي استشرت في جسد الوطن العربي شوهت كثيرا صورة الحزب وحلفائه.

كل ما تقدم خطير، لكن الأخطر هو انتهاء الثورات العربية الى منزلقات التقاتل والتذابح والاغتيالات والارتماء في احضان الغرب. كل ما تقدم خطير، لكن الأخطر هو فقدان المعارضات أسباب بقائها بعدما سقطت في فخ واوهام السلطات، فتنافرت وتقاتلت، وكادت تنسى لأجل ماذا قامت.

استشهدالربيع العربي قبل ان يزهر. غداً سيعود الغرب الى التحالف مع الجيوش. لا بد من جيوش قوية في سوريا ومصر والعراق وتركيا والاردن وتونس وليبيا واليمن لدرء خطر الارهاب. لم تعد الديمقراطيات والحريات أولوية.

التاريخ يعيد نفسه. قبل نحو نصف قرن نجح قادة عسكريون في الوصول الى السلطات. بعضهم وصل بدعم خارجي. بعضهم الآخر استقر بفضل هذا الدعم. الان تقاربت المصالح. حصل التلاقي بين الدول الاجنبية والجيوش العربية في ضرب الإرهاب. أثبتت المجتمعات العربية انها غير قادرة على انتاج نخب حاملة مشاريع ثورية جاذبة. بعض العرب استنبط صورة الزعيم جمال عبد الناصر بشخص الفريق عبد الفتاح السيسي. بعضهم الآخر نظر الى فلاديمير بوتين كمنقذ العصر. بعضهم الثالث عاد يقف خلف الجيش السوري لحمايته من غزوات القبائل والدواعش والمتطرفين والنصرة والارهابيين. بعضهم الرابع وجد في الممالك والامارات المفتقرة اصلا إلى الدساتير سبباً لاستقرار استمر في مقابل جمهوريات انهارت. انهارت لانها جمهوريات افتراضية اثمرت ثورات عابرة اكلت ابناءها بسرعة لافتة.

بات المستقبل معروفا تماما. ما عادت دولة عربية واحدة قادرة على الاستمرار دون دعم خارجي. سيتفنن الخارج في رسم حدود جديدة بديلة لتلك التي رسمها الفرنسي جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، والتي عرفت باتفاقية سايكس بيكو، وقسمت جزءا اساسيا من الوطن العربي.

الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في زيارة الملك السعودي عبدالله بن سعودحتى فرنسا التي نجحت أميركا في تقليم دورها في هذا الوطن خلال العقود الماضية تعود الى احلام أداء دور كبير في الجسد المفكك. يذهب رئيسها فرانسوا هولاند الى السعودية عارضا ان يكون حليفا بديلا للاميركي. خذل الحليف الاميركي شريكه السعودي. خذله بعد اكثر من قرن من التفاهم. قرر التقارب مع ايران. لن ينجو الخليج من مستقبل هذا التقارب. لا بد من تغيير انظمة وتعديل بعض انماط الحكم. صد الخليج رياح الإخوان المسلمين فجاءته عواصف التفاهم الايراني الغربي.

انتهى الشرق الاوسط بصيغته المستندة الى سايكس ـــ بيكو. فتحت الابواب لتقسيمات جديدة ترسمها مصالح الدول والامم. ستدفع الشعوب العربية ثمن هذه المصالح. كل ما دون ذلك هو مجرد انتصارات وهمية. الجميع مهزوم حتى لو اختلفت نسب الهزيمة.

رابط المقال في جريدة الأخبار :http://www.al-akhbar.com/node/198556

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه