سفك الدم الدائر بين "رفاق السلاح" أو "امراء الحرب" على الارض السورية مصحوباً بالحراك الدولي – الاقليمي الجاري لاخماد حرائق الشرق الاوسط الملتهبة، شرّعت الباب امام سؤال يُردد كثيراً...
حسين ملاح
سفك الدم الدائر بين "رفاق السلاح" أو "امراء الحرب" على الارض السورية مصحوباً بالحراك الدولي – الاقليمي الجاري لاخماد حرائق الشرق الاوسط الملتهبة، شرّعت الباب امام سؤال يردَّد كثيراً... "هل اتُخذ قرار ضرب تنظيم القاعدة في بلاد الشام".
السعودية واستنفاد ورقة القاعدة بفرعها الداعشي
سؤال كان طبيعياً ان يُطرح بعد اعلان فصائل مسلحة في الشمال السوري حربها على ما يُسمى تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) خاصة مع قرب عقد مؤتمر جنيف اثنين .
"حرب أخوة الجهاد" المستعرة تهدف وفق مؤشراتها الاولى أو بحسب المأمول منها الى ضرب تنظيم داعش وابعاده عن حلب وادلب وحصره في الرقة كمرحلة اولى تمهيداً لاضعافه كلياً وارجاعه الى العراق وترك الساحة الى بقية الجماعات التي لا تختلف كثيراً عن سلوك التنظيم سواء لناحية تكفير الاخر او ارتكاب الفظائع بحق كل من يخالفها الرأي.
وما ساعد على اندلاع القتال بين داعش وبقية الجماعات المسلحة تراجع البيئة الحاضنة للتنظيم في كثير من مناطق شمال سورية وفق ما يرى العميد المتقاعد ورئيس مركز الشرق الاوسط للدراسات والعلاقات العامة الدكتور هشام جابر في حديث لموقع المنار خاصة في ظل الانتهاكات التي ترتكب بحق المواطنين السوريين.
ولم يعد خافياً ان للسعودية الدور الابرز على الصعيدين المالي والاستخباراتي في الحرب المندلعة في الشمال السوري حيث تأمل الرياض إصابة عدة عصافير بحجر واحد :
اولاً: إظهار منافسي داعش وعلى رأسهم الجبهة الاسلامية وجيش المجاهدين أنهم يتصدون للارهاب "المُطارَد" لذا وجب على الغربيين الاعتراف بتلك الجماعات ودعمها.
ثانياً: توحيد أكبر عدد من الجماعات المسلحة تحت راية "الطاعة السعودية" بهدف استكمال الحرب ضد الجيش السوري.
ثالثاً: اضعاف الجماعات التي لا تدخل في "عباءة الطاعة السعودية" وعلى رأسها جبهة النصرة التي يُحكى انها ستكون التالية في حال نجح المخطط ضد داعش.
رابعاً: انهاء مشروع القاعدة في سورية بعد استنفاد اغراضه في محاربة الجيش وضرب مؤسسات الدولة.
واذا كان تحقيق هذه الاهداف جميعاً مهماً للرياض ، فان التخلص من القاعدة بات الاكثر الحاحاً مع بدء القوى الغربية والاقليمية بالتوجس من مشروع التنظيم وامكانية اتساعه في بلدان المشرق العربي وتركيا وصولاً الى جمهوريات القوقاز الروسية طارقاً ابواب اوروبا.
كما ان خوف الرياض من التمدد القاعدي في الشرق السوري والغرب العراقي الملتصق بالشمال السعودي عبر محافظة الانبار ، ربما يكون قد سرّع في قرار المملكة لناحية الشروع باستهدف داعش ، دون يعني ذلك ان السعودية صرفت النظر عن محاولات اسقاط النظام في سوريا او استمرارها في تمويل المجموعات المسلحة.
ماذا يريد الغرب؟
وفق المصطلحات المعمول بها غربياً، فان داعش وجبهة النصرة والعديد من الجماعات التي تقاتل وتتقاتل في سورية هي "ارهابية" انما لا ضير في استخدامها بشكل او بآخر طالما انها تحقق المرتجى منها في مختلف ساحات الكباش السياسي.
فالدول الغربية لم تمنع ومنذ الاشهر الاولى لعسكرة الازمة السورية خروج الاف "الجهاديين" من اراضيها للقتال في بلاد الشام وهي ارادت تحقيق هدفين رئيسين:
اولاً: التخلص من "الجهاديين"
ثانياً: ضرب الجيش السوري واضعاف القيادة السياسية حتى اسقاطها
ثالثاً: اضعاف محور المقاومة الممتد من ايران الى حزب الله في لبنان عبر استهداف خاصرته السورية
رابعاً: تسعير النزاع الطائفي والمذهبي في سوريا والمنطقة
ومع بدء تصوير سوريا كأرض "للجهاد العالمي" استُجلب "قاعديو الهوى" من شتى انحاء الارض الى المستنقع السوري بعد افهامهم انهم يقاتلون من أجل "الخلافة الموعودة" ، فكان السوريون وقوداً لحرب بالوكالة لم يسلم منها البشر والحجر وفتحت جرحا في الانسان السوري بمختلف اطيافه وتنوعاته العرقية والطائفية.
لكن مع اقتراب الازمة السورية من انهاء عامها الثالث وجدت الدول الغربية وحلفاؤها في الاقليم نفسها امام حائط مسدود ، بعد صمود القيادة السورية سياسياً وعسكرياً ، وثبات حلفاء دمشق ، فيما بدأت الجماعات المسلحة المتناحرة في الميدان تتفلت من عقالها وتنحو باتجاه التطرف أكثر متماهية مع تنظيم القاعدة (داعش) الذي تصاعد اسهمه في أوساط المسلحين الى حد قد يهدد فيه حلفاء الغرب الاقليميين وأيضاً مصالحهم ، فكان لا بد من التخلص من عبء القاعدة بفرعها الداعشي.
اما الجماعات التابعة للتنظيم التي لم ترحم أحداً من السوريين قتلاً وترهيباً ، فانطلت عليها كما حصل في ساحات اخرى (افغانستان، اليمن،الصومال،والعراق ) الحيل الغربية والاقليمية ، ووقعت في فخ نصبته لها أجهزة استخبارات امتهنت خرق تلك الجماعات منذ عشرات السنين ، وهي اليوم تعيد الكرة وتستعد لتقديم داعش ككبش فداء بأية تسوية تلوح في الافق.
هل يتكرر النموذج الافغاني في سورية؟
مستجدات الميدان بين تنظيم داعش ومنافسيه في حلب وادلب والرقة اعادت الى الاذهان حالة أفغانستان أواخر ثمانينات القرن الماضي، وقتها فرغت الجماعات ألافغانية من السوفيات لقتال بعضها البعض، ودخلت في صراع دموي استمرت ذيوله حتى عصرنا الراهن ، لذا يخشى كثيرون من امكانية تكرار التجربة الافغانية في شمال سورية في ظل عجز التنظيمات المنافسة لداعش حتى الان على حسم المعركة لصالحها ، وليس هذا فحسب بل ان التنظيم الداعشي بدأ بالتقدم في الرقة وبعض مناطق ريف حلب.
ورغم تقلبات المشهد الميداني ، الا ان قرار ضرب داعش ربما يكون قد اتُّخذ ، وما يجري حلقة من حلقات التنفيذ ، اما توقيت المعركة فمرهون بمدى قدرة المنافسين على التخلص من التنظيم من أجل صرفه في كواليس مؤتمر جنيف 2 وغيره من المفاوضات الجارية حول ملفات الشرق الاوسط الساخنة ، والا فإن خسائر هؤلاء ستكون كبيرة وربما تدفع برعاة الجماعات المقاتلة لداعش الى التورط لقتال تنظيم أصبح عابراً للحدود.
للتوضيح ، فإن داعش وجبهة النصرة واحرار الشام والجبهة الاسلامية ....الخ ، كلها مسميات لتنظيمات تحمل فكراً تكفيرياً واحداً ، وتتوسل جميع الاساليب لقتل من يقف في وجهها وان تفاوتت وسائلها ، كما يشكل هؤلاء جميعاً طبخة على مائدة الاستخبارات العالمية يجري التخلص منها وحرقها وقت يحين موعدها...