18-04-2024 04:42 PM بتوقيت القدس المحتلة

مسار التحقيق والتسريبات بنكهة التسييس

مسار التحقيق والتسريبات بنكهة التسييس

عتريسي: لو كان هناك قرار نابع من محكمة محايدة، فلا داع للتسريب.

ندى رعد

بعد مضيّ أيام قليلة على انتهاء الحرب الاسرائيلية على لبنان صيف 2006، وتحديدًا في 18 آب، نشر الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو في صحيفة لوفيغارو مقالا بعنوان: "ظل حزب الله على جريمة اغتيال الحريري". في هذا المقال، أكد أحد المقربين من سعد الحريري أن التحقيق الدولي الذي يرأسه القاضي سيرج براميرتز يتحرك في اتّجاه اتهام حزب الله بالاغتيال.

هكذا إذاً، وبعد مرور أكثر من عام على توجيه أصابع الاتهام لسوريا، تخللته حملات سياسية من فريق الرابع عشر من آذار ضد دمشق، وضغوط دولية من كل حدب وصوب كانت تطالب القيادة السورية بالتعاون مع المحكمة الدولية لكشف مرتكبي الجريمة، فإذا بمقال صحفي يشير الى تبدل في مسار التحقيق، بناء على معطيات تمّ تسريبها من أوساط المحققين الدوليين.

فحتى شهر تشرين الاول/أكتوبر من العام 2005، كان المحقق الالماني لدى الامم المتحدة ديلتيف ميليس قد أصدر تقريرا أشار فيه إلى أن اغتيال الحريري «كان من المتعذر حدوثه من دون موافقة مسؤولين أمنيين سوريين رفيعي المستوى، وكان من المتعذر المضي قدما في تدبيره من دون تواطؤ نظرائهم داخل قوات الأمن اللبنانية".

تبدّل مفاجىء إذا دفع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري لتقديم "اعتذار" من السوريين على خلفية اتهامه لهم بقتل والده، مقرّا بأن هذا الاتهام كان سياسيا بامتياز!

حول موقف سعد الحريري، توقع أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتور طلال عتريسي لموقع قناة المنار أن يتّهم هذا الاخير سوريا وحزب الله معا من جديد. فبالنسبة له، كان الإتهام الاول لسوريا غير مبنيّ على أدلة صلبة، وكان يهدف لضرب الحلقة الوسطية ما بين لبنان وفلسطين من جهة ولبنان وإيران من جهة أخرى.

بعد ثلاث سنوات على مقال لوفيغارو، وقبل أيام من موعد الانتخابات النيابية اللبنانية في 7 حزيران 2008، نشرت مجلة "دير شبيغل" الألمانية تقريرا معلوماتيا عن تورط حزب الله في اغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري.

وإذا كان الفرنسي مالبرونو لم يذكر أسماء لمتورطين في تقريره، فإنّ زميله الألماني إريك فولاث كرر معلومات "لوفيغارو" بحرفيتها، متوسعاً في بعض نقاطها، وذاكراً أسماء أشهر القادة العسكريين والأمنيين في حزب الله أمثال الشهيد عماد مغنية!
الصحافي الالماني إريك فولاث استنتج في نهاية مقاله أن الرئيس السوري بشار الاسد قد خرج نهائيا من دائرة الشك وأنه بريء من قضية اغتيال الرئيس الحريري.

دليل آخر على تسييس المحكمة الدولية بحسب الدكتور عتريسي الذي اعتبر انه "كان من المستحيل إخراج سوريا من لبنان من دون اتهامها بالضلوع في جريمة الاغتيال. أما سعد الحريري ومن خلفه فريق الرابع عشر من آذار فكان هدفهم إضعاف دور سوريا. لكن بعد حرب تموز 2006 واستعادة العلاقات السورية – السعودية والسورية – الغربية، تحول الاتهام الى حزب الله".

ثم جاء دور هيئة الاذاعة الكندية "سي بي سي" لتتحدث في 21 تشرين الثاني/نوفمبر عن اكتشاف الضابط في الامن الداخلي وسام عيد لشبكة معقدة من الهواتف الخليوية اللبنانية تورّط حزب الله بالتفجير الذي طال الحريري. كما صدرت مقالات وتحليلات عديدة في الصحف الغربية والعربية، منها السياسة الكويتية، تستند إلى معطيات مسرّبة من المحكمة الدولية تدعي مسؤولية حزب الله عن الاغتيال.

إزاء هذه التسريبات المتعددة، يرى الاستاذ عتريسي انه "لو كان هناك قرار نابع من محكمة محايدة، فلا داع للتسريب. من واجب المحكمة جمع الادلة ومن ثم الاعلان عن القرار الظني. كان الهدف من التسريبات إختبار ردة الفعل، كان يجب أن يصدر القرار مثلا مع تشكيل الحكومة، لكن عندما تأخرت الحكومة تأخّر صدوره. إذاً، القرار خاضع للوقائع السياسية المتبدّلة".

في كل مرة، كان محققو المحكمة يكتفون برفض التعليق على المعلومات المذكورة، ويؤكدون على أهمية الحفاظ على سرية التحقيقات التي تبيّن في كل مرة أنها تبدّل معطياتها بحسب الواقع السياسي القائم ورغبة الدول الكبرى في ممارسة ضغوط على طرف ما.