من خلال ما تقدم في الجزء الأوّل من التقرير، نستنتج أن الخطة الحقيقية في سورية تأتي من ضمن إستراتيجية لإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة بالتوافق مع الدور التركي والغطاء العربي ...
من خلال ما تقدم في الجزء الأوّل من التقرير، نستنتج أن الخطة الحقيقية في سورية تأتي من ضمن إستراتيجية لإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة بالتوافق مع الدور التركي والغطاء العربي الذي تؤمنه كل من السعودية وقطر. وإعادة الرسم هذه لا تعني تقسيم المنطقة، وإنما إعادة صياغة دولاً لم تستطع أن تنشأ في ظل اتفاقية سايكس – بيكو، وبشكل خاص الإعلان عن الدولة الإسرائيلية اليهودية الذي يجري التحضير له بالتزامن مع إعلان الدولة الفلسطينية والذي سيظهّره الإسرائيلي على أنه رد فعل على الفعل الفلسطيني. فاليوم يدفع الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني إلى إعلان دولة من جانب واحد، ولو في الأمم المتحدة، وهذا جزء من إستراتيجية لإعلان دولة إسرائيلية في الشق الآخر، حيث ستعلن من الناحية الديموغرافية والجيوغرافية مع اعتراف كامل بها من الدول العربية التي تقوم بالتنسيق مع هذا الحراك باتجاه سورية.
الحدود السورية - التركية ممرّ للدولة الكردية
وفي ظل هذا الواقع يتساءل مدير عام الإستشارية للدراسات الإستراتيجية د. عماد رزق "ما هو دور الجامعة العربية في ظل هذا الخيار؟ وهل ما زال العالم العربي بحاجة إلى جامعة الدول العربية في ظل إعلان دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية المغتصبة؟". ويضيف د. رزق "يُراد أيضاً إقامة إسرائيل الشرقية، وأعني بها الدولة الكردية التي هي بالحقيقة جزء من المشروع الذي أراد تفكيك العراق والذي استهدف في السابق إيران ويستهدف اليوم سورية وإمكاناتهما في المواجهة والممانعة، ومن خلال هذا المشروع نفهم كيف تحركت منطقتا جسر الشغور ومعرّة النعمان والمناطق المحاذية للحدود التركية، وكأنه إعادة رسم الخارطة السياسية عبر فتح ممر بين المنطقة الكردية في شمال العراق والبحر المتوسط عبر سورية". وفي هذا الإطار يذكرنا د. رزق بكلام لرئيس الجمهورية العراقية (الكردي) جلال طالباني عندما قال بأن "إمكانية نشوء دولة كردية من غير الحصول على منفذ بحري هو إعلان دولة ميتة".
ويتابع د. رزق "لذلك فإن الوصول إلى البحر المتوسط أساسي لقيام الدواة الكردية، وهذا ما يفسّر تصرّف تركيا التي تساهم اليوم بمحاولة تحقيق هذه الأحلام التي وعدت بها بريطانيا الأكراد بالتوافق مع المشروع الصهيوني وإعلان الدولة الإسرائيلية. وبالتالي يكون هناك دولة كردية تتمتع بمقومات وبإمدادات بحرية وتكون لها دور في المستقبل".
تركيا تصدّر أزمتها وتلعب الدور الأطلسي
إذاً سايكس - بيكو 2 الذي يشكّل الإطار الجديد لإعلان الدولة الكردية بدأ يأخذ منحاه الحقيقي ونحن نتجه اليوم في ظل حرب الاستنزاف التي تتعرض لها سورية من الداخل والخارج إلى تحقيق هذه الإستراتيجية. فتركيا التي وافقت على هذا المشروع شرط أن لا يؤثر التحرك الكردي على كيانها الجغرافي والسياسي، تلعب دور القوّة الناعمة التي تنفذ المشروع الأطلسي في المنطقة، وتحاول في الوقت نفسه تصدير أزمتها الداخلية إلى العالم العربي.
وحول الدور التركي يقول د. رزق "دور تركيا أطلسي أكثر منه دور أميركي، فأميركا تعاني اليوم من أزمة، وفي ظل التماسك الروسي الصيني، هي غير مستعدة على تقديم تنازلات كبيرة على المستوى الدولي للقوتين الآسيويتين، وهي بالتالي تعمل من خلف الستارة الأطلسية ولذلك ما نراه اليوم في المنطقة هو شبيه لما جرى الاتفاق عليه بين البريطانيين والفرنسيين عند الإعلان عن إتفاق سايكس – بيكو، وما يدور الآن من حرب استنزاف على سورية هو اتفاق بريطاني - فرنسي لتحقيق سايكس - بيكو 2 في المنطقة، وما تهتم به أميركا هو المحافظة على التوازن الدولي بينها وبين روسيا والصين في المنطقة كي لا يكون هناك مواجه مباشرة أو غير مباشرة".
ثلاث استراتيجيات غربية: حرب الحسم والإستنزاف والمحاصرة
لقد قامت أميركا والغرب بتقسيم المنطقة الممتدة من باكستان وحتى المغرب، إلى ثلاثة أجزاء وهم يتعاملون معها وفق ثلاثة تكتيكات: تكتيك الحسم في شمال أفريقيا، تكتيك الاستنزاف في الشرق الأوسط وتكتيك الحصار والضغط الإقتصادي في منطقة الخليج بحسب د. رزق.
1-منطقة شمال أفريقيا يمكن اعتبارها منطقة "حرب الحسم" ومنطقة نفوذ اقتصادي للقوى الرأسمالية الدولية، أي الدول الأوروبية والولايات المتحدة، بحيث تشكل لهم أفريقيا الذراع الإقتصادي، والدخول إليها هو دخول إلى المنجم الذي سوف يحافظ على قدرة هذه الدول الرأسمالية الصناعية على الإستمرار لمئة سنة قادمة. والدخول إلى أفريقيا يمكن اعتباره جزئاً من الحرب الاستباقية التي تخوضها أوروبا وأميركا باتجاه هذه القارة لعدم السماح بالتمدد الصيني فيها والسيطرة عليها نظراً إلى ما تحويه من معادن وموارد طبيعية ممكن أن تشكّل الرافعة لقوّة الدول الصناعية في المرحلة المقبلة.
2-اما ما يدور في منطقة المتوسط فهو جزء من تفاهمات سايكس - بيكو ويمكن اعتباره "حرب استنزاف" بعكس حرب الحسم التي تجري في شمال افريقيا، بحيث أنّ الضغط واستمرار التوتر لفترة طويلة لم يأت بالحسم كما جرى في مصر وتونس وكما يجري اليوم في ليبيا، وما تتعرض له سورية هو من ضمن هذه الاستراتيجية، وما يتعرض له العراق الآن وفي المرحلة المقبلة هو من ضمن هذه الاستراتيجية أيضاً.
3-وما يحدث في منطقة الخليج هو جزء من تحضير مسرح المواجهة، فالهدف اليوم هو محاصرة إيران وإدخالها إلى داخل حدودها بعد أن كانت تشكّل الرافعة لخيار الممانعة والمواجهة في المنطقة، وبعد ذلك سيقوم الغرب بإدخال النظام في صراعات داخلية على شاكلة ما يحصل في سورية.
عندما ينتهي صيف الحسم ويبدأ خريف المفاجآت
إذاً ستكون المرحلة المقبلة صعبة في منطقة الشرق الأوسط وفي سورية تحديداً وكل صمود نظام الرئيس الأسد وانتصاره على المؤامرة سيشكّل رافعة لإيران في منطقة الخليج وسيعزز قدرتها على مواجهة الاستراتيجية الأميركية –الغربية. ووفقاً للمعلومات فإن الصيف القادم هو صيف الحسم، وسوف يكون صيفاً حاراً، وأي انتصار ستحققه جبهة الممانعة والمقاومة في هذه المنطقة سيؤدي إلى قيام جبهة عالمية لمواجهة الغطرسة الأميركية والمشروع الرأسمالي الصناعي الذي يحاول استغلال هذه المنطقة وتحقيق مكاسبه على المستوى الشعبي والإجتماعي والإقتصادي. هذا بالإضافة أنّ إمكانية الحرب التي من الممكن أن تعلنها إسرائيل على المنطقة قائمة، وكل ما يدور الآن هو حرب حقيقية إنما بالوكالة وليست حرباً كلاسيكية بين الجيوش، لذلك فإنّ الحرب التي تتعرض لها سورية وتتعرض لها كل المنطقة هي جزء من عملية فك الطوق والثورة المضادة على ثورة خيار المقاومة في المنطقة.
ولكن "أبشّر كل الشعوب العربية وبخاصة شعوب "دول الطوق" إلى أنه في نهاية هذا الصيف سينقلب السحر على الساحر، وبحسب المعلومات، سوف نشهد إعلان جبهة مقاومة عربية عريضة ستشكلها دول الطوق، ومع بداية الخريف سيعلن خيار المقاومة على المستوى العربي، وهو ما يمكن أن نعتبره إنتصار للثورات ولقوّة سورية الممانعة، وستكون مصر قريباً إن شاء الله ضمن جبهة الممانعة هذه لإعلان المواجهة الكبرى. هذه المواجهة التي تتحضر لها اسرائيل في ظل عمليات التحوّل التي وصلت إلى الرقم خمسة في الأيام السابقة، وهو ما يعبّر عن خوف هذا النظام العنصري الغاصب لأرض فلسطين من قدرة هذه المنطقة على الحرب الكبرى، لذلك هذه الحرب ستكون قريبة جداً، وهناك مفاجآت لخيار المقاومة في المنطقة لن يتوقعها أحد، وستتأكد إسرائيل من أن إمكانية الحياة في هذه المنطقة صعبة جداً وسنشاهد جميعاً المشروع الأميركي – الغربي يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأعدهم بأنه عندما ينتهي صيف الحسم سيبدأ خريف المفاجآت"، يختم د. رزق.