25-11-2024 01:16 AM بتوقيت القدس المحتلة

على الشاشات اللبنانيّة: لاهاي أقرب من الهرمل

على الشاشات اللبنانيّة: لاهاي أقرب من الهرمل

على منصات الإعلام الجديد، انتقد كثيرون أداء القنوات لناحية إفراد ساعات النهار كّله في تغطية أعمال المحكمة الدولية، على حساب إغفال تغطية التفجير الإرهابي الذي ضرب الهرمل.

تفجير الهرمللم يغيّر تفجير الهرمل في البرمجة المقررة للقنوات المحلية بالأمس. الأولوية بقيت لانطلاق "زمن العدالة". لم تفرد الشاشات ساعاتٍ طويلة من البث المباشر لمواكبة الانفجار ولا فتحت الهواء لمراسليها، ولا حتى للاستنكار والتحليل والاتهام كما يحصل في العادة، عند كلّ تفجير.

جوي سليم/ جريدة السفير

بعد نصف ساعةٍ على عرض صورٍ أوّلية من مكان الجريمة، انتقلت عدسات ستّ قنوات من أصل ثمانٍ إلى ضاحية لايشندام في لاهاي لمواكبة انطلاق عمل المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. وحدهما قناة "المنار" و"أن بي أن"، بطبيعة الحال، لم توجّها أنظارهما إلى لاهاي. ركزتا كاميراتهما على نقل صور ومشاهد من مكان التفجير الذي راح ضحيته ثلاثة شهداء وأكثر من أربعين جريحاً.

قنوات "المؤسسة اللبنانية للإرسال"، "الجديد" و"أوتي في"، حاولت "تطعيم" مواكبتها للحدث الدولي، بأخبار عاجلة حول الانفجار. وفي بعض الأحيان، كانت تقسم شاشاتها إلى نصفين، بين لاهاي والهرمل مراتٍ أخرى. كما نقلت المشاهد الحيّة عن قناة "المنار" التي كان مراسلاها علي يزبك وحمزة الحاج حسن أول الواصلين الى ساحة الهرمل. فيما غاب كلّ من "تلفزيون المستقبل" و"أم تي في" عن الصورة المحلية تماماً.

لم يعكر صفو "زمن العدالة" على شاشتيهما أي "طارئ"، حتى حدث بحجم البقاعي. بعد الانفجار بأقل من نصف ساعة، نقلت "المستقبل" إزاحة ستار عن صورة للرئيس الحريري الى جانب عبارة "زمن العدالة" إضافةً الى "عدّاد العدالة"، بجانب مبنى التلفزيون في بيروت. وتصدّرت مجريات المحكمة، نشرات الأخبار على المحطتين، فيما تأخر الحديث عن انفجار الهرمل، الذي مرّ عرضياً مقارنةً مع تغطية التفجيرات الأخيرة في ستاركو وبئر العبد.

بالأمس اختلطت مشاهد التفجيرات. من كان يبحث عن خبرٍ من الهرمل على التلفزيون، وجد صوراً للانفجار الذي استهدف الحريري العام 2005، عبر صورٍ عرضتها المحكمة في أولى جلساتها لمحاكمة المتهمين في القضية. ومن حاول الاستعانة بالإعلام المرئي للحصول على معلومةٍ تساعد في العثور على قريب أو صديق، لم يجد سوى صور لمنطقة عين المريسة ومحيطها.

على منصات الإعلام الجديد، انتقد كثيرون أداء القنوات لناحية إفراد ساعات النهار كّله في تغطية أعمال المحكمة الدولية، على حساب إغفال تغطية التفجير الإرهابي الذي ضرب الهرمل. وتساءل بعض المستخدمين عن "العدالة المهنية" والأخلاقية، في إهمال تغطية تفجير يطال منطقة لبنانية، ويحصد أرواح المدنيين. وذكّر آخرون بأن الهرمل منطقة لبنانية وليست في قارةٍ أخرى، وعلّق أحدهم في السياق نفسه قائلاً ان بعض اللبنانيين تساءلوا اليوم أين تقع الهرمل؟

قد يكون لأداء الشاشات اللبنانية هذا، دلالات عدّة. لقد أظهر الإعلام التقليدي خلال مواكبته للعدالة المنتظرة، أن عدالته استنسابية. كأن الشاشات كانت تقول: العدالة لا تليق بالمواطن "العادي"، خصوصاً ذلك القابع في الهرمل. كأنّها كانت تقول بوضوح، موت الشخص "العادي" يبقى عادياً، مقابل الأحداث الكبرى من قبيل المحكمة الدولية. كأنّ الاهتمام بتغطية جريمةٍ إرهابية يحصل وفقاً لعوامل عدّة، بينها بُعد مكان الجريمة عن بيروت، ووضع الضحايا الاجتماعي، إضافة إلى جرعات التحريض الذي قد يتبع الحدث.

بالأمس كانت لايشندام أقرب من الهرمل. في الواقع، أي منطقة أو حدث في العالم يبقى أقرب من الهرمل والمناطق التي تشبهها بالنسبة للإعلام. مناطق "نائية" في البقاع والشمال والجنوب، لم تدخل يوماً في حسابات الإعلام اللبناني، إلا بشكل مناسباتي. يمكننا القول إنّ الشاشات المحلية كانت متصالحة مع نفسها بالأمس. لا تعبئة هواء بكلام فارغ، لا تعاطف كاذبا، لا مرثيات ولا شجب أو إدانة. لم تدخل الهرمل فجأةً الى الصورة، ظلّت خارجها معتادةً على النسيان، مدركةً ربما أنّ العدالة بعيدةٌ جداً عنها.

رابط المقال في جريدة السفير: http://www.assafir.com/Channel/17/صوت%20وصورة/TopMenu#!/ArticleWindow.aspx?ChannelID=17&ArticleID=334338