21-11-2024 11:54 PM بتوقيت القدس المحتلة

الرؤية العلمية لدى الامام الخامنئي: أي تقدّم علمي يتحدّث عنه الإمام؟

الرؤية العلمية لدى الامام الخامنئي: أي تقدّم علمي يتحدّث عنه الإمام؟

ثمة كلاماً متنوّعاً ذكره الإمام في أزمة مختلفة حول التقدّم العلمي في الجمهورية: ماهيته، دوره، عناصره، وقد بدت لنا الصورة الجلية لما يريد من التقدّم، وعن أي تقدّم علمي يتحدّث، عندما بدأ يؤسّس للنموذج..

"الرؤية العلمية لدى الإمام الخامنئي"، سلسلة حلقات يغوص فيها الدكتور عبد الله زيعور- مسؤول هيئة التعليم العالي في حزب الله - بتحديد موقع العلم الخاص والمميز من شخص الإمام الخامنئي قبل الثورة وبعدها (مشروع النهضة والاقتدار)، ويُشار إلى أن هذه السلسلة صدرت في كتاب حمل نفس العنوان، عن دار المعارف الحكمية.

 
                                              الحلقة الثالثة:
                                    أي تقدّم علمي يتحدّث عنه الإمام؟
 
الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئيثمة كلاماً متنوّعاً ذكره الإمام في أزمة مختلفة حول التقدّم العلمي في الجمهورية: ماهيته، دوره، عناصره، وقد بدت لنا الصورة الجلية لما يريد من التقدّم، وعن أي تقدّم علمي يتحدّث، عندما بدأ يؤسّس للنموذج الإسلامي الإيراني للتقدّم بشكل انفرد به عن غيره من سائر قادة العالم الثالث الذين عرفناهم طيلة قرون عدة، فيقول في إحدى خطبه أمام جمهور من أهل العلم والبحث العلمي:

" إن ركب التقدّم انطلق مع انطلاقة الثورة وأن الاعتقاد بأن التطور العلمي عندنا يجب أن يكون مناطاً بالنماذج الغربية هو خطر داهم على بلدنا ككل، فالتقدّم هو تقدّم الغرب، بينما الآخرون لا يزالون في تخلّف، هذا هو النموذج الغربي للتقدّم.

إن علينا البحث عن نموذج إسلامي – إيراني للتقدّم وهذه مسألة حيوية لنا، وهذا النموذج لا بدّ وأن يكون قائماً على المثل النظرية والفلسفية الإسلامية ومبادئ الإسلام في معرفة الإنسان، وشعبنا هو قادر على تقديم نموذج إسلامي.

ثمّة بوناً شاسعاً بين نظرة المجتمع الغربي والفلسفة الغربية للإنسان، وبين نظرة الإسلام للإنسان، وهذا التفاوت عميق وثمّة معنى آخر للتطوّر في المنطق والفلسفة الغربية للتطور؟؟ التقدّم عند الغرب هو التقدّم المادّي، والملاك هو الربح المادّي، فكلّما كان الربح المادي أكبر كان التقدّم أكبر، فالمعيار هو تضاعف السلطة والثروة المادّية، وهذا يعني التضحية بالأخلاق والقيم المعنوية، أما التقدّم من وجهة نظر الإسلام فهو تقدّم مادّي ولا غبار عليه، لكن بشرط أن يكون وسيلة لا غاية؛ فالغاية هي رفعة وسمو الإنسان وتقوية الهوية الإنسانية للإنسان، والتقدّم الذي ننشده، نريده ليكون لصالح كل البشرية والإنسانية لا الإنسان الإيراني فقط ".

فالتقدّم بنموذجه الإسلامي الإيراني إذن يتعارض وبالعمق مع مفهوم التقدّم المادّي للغرب، حيث المعيار هو المنفعة المادية، بحيث يصح التقدّم كلما كبرت المنفعة المادّية فيما المفهوم الذي يريد الإمام تقديمه إنما ينبع من الأصول والقواعد الإسلامية المرتكزة على رفعة الإنسان وعلو إنسانيته، ولا نغفل هنا، أنّ التقدّم الغربي أنتج قوّة نووية كافية لتدمير الكرة الأرضية أربع مرات!!

وفي إطلاق عبارة "المفهوم الإسلامي الإيراني للتقدّم" يقول الإمام:

"إننا قد اخترنا كلمة تقدّم بدقّة، ولقد تعمّدنا تجنّب استعمال كلمات تنمية؛ لأن الكلمة تحمل في طياتها وجهة قيمية مفهومية، وتتضمن التزامات لا ننسجم معها أحياناً ولا نوافق عليها، نحن لا نريد أن نزج بمصطلح عالمي معروف ومركز ذي معنى خاص داخل فريق عملنا، نحن نطرح المفهوم الذي نريد. هذا المفهوم هو عبارة عن "التقدم" الذي يتحدّد في مجال محدّد واتجاه محدّد، وهذا تماماً كمثال الثورة التي لم تستخدم كلمة "الإمبريالية"، بل استخدمت كلمة الاستكبار.

وبما أن الظروف التاريخية والجغرافية والثقافية والمناخية والجغرافية السياسية كلها تؤثر في هذا النموذج، وهذا صحيح بالطبع، فإن المفكّرين الإيرانيين هم مصمّمو هذا النموذج، وهذا سبب وجيه لتسميته بالإيراني، أي إننا لا نريد أن نستورده من الآخرين، بل نريد أن نحدّد ما نراه مناسباً ومفيداً لبلدنا، وما يمكّننا من صناعة مستقبلنا. بناءً عليه، فإن هذا نموذج إيراني، ومن جهة أخرى هو إسلامي، لأن أهداف هذا العمل وغاياته وقيمه ونماذجه تأخذ مادتها الأساسية من الإسلام، وكونه إيرانياً إسلامياً لا يعني مطلقاً أننا لن نستفيد من إنجازات الآخرين، فنحن لا نضع لأنفسنا أي حدّ على طريق تحصيل العلم".

الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئيإن الشروع في خطى التقدّم تتطلّب ما دأب الإمام على تسميته:

الخطة العلمية للبلاد: فالتقدّم أمر لن يحصل إلا على المدى الطويل، أو المتوسط في أحسن الأحوال، والنموذج الإسلامي للتقدّم سيكون مستنداً حاكماً على جميع أصول البرامج والرؤى المستقبلية والسياسات في البلاد، ويتحدّث الإمام دوماً عن الرؤية العشرينية ورؤية العشرة أعوام والتي يجب أن تكون السياسات العامّة على أساسها. ويصف الإمام هذا النموذج بالمرن وغير النهائي، وإنما مقتضيات الزمان المتجدّدة ستوجب إحداث تغييرات عليه، فالأهداف محدّدة لكن الاستراتيجيات يمكن أن تتعدّل وفق الظروف المختلفة. وبالدخول في عمق المواصفات المطلوب للخطة العلمية للبلاد يقول الإمام:

"ينبغي على الجميع أن يكونوا ملتزمين بها. فهي أولاً بحاجة إلى برنامج تنفيذي. وعلى مسؤولي أجهزة الحكومة أن يجلسوا لإعداده حتى يمكن نقلها إلى مرحلة الإجراء والعمل. وبتعبير أحد السادة، لا ينبغي أن نكتفي بإنتاج العلم دون نشره. أو نضعه جانباً، ولا نستفيد منه؛ فعلينا أن نستخدمه. وثانياً، يجب أن تكون الخطة العلمية الجامعة حيوية ومتجدّدة وقابلة للتحديث، فنحن لا نريد إعداد شيء لسنوات مديدة. فهي متعلقة بأيامنا هذه، ولربما نحتاج بعد خمس سنوات إلى تعديل بعض أقسامها؛ وعلينا أن نفعل ذلك. فالخطة ينبغي أن تبقى قابلة للتحديث وحيوية. ويجب أن يكون هناك من يراقب ويتابع هذا الأمر. وثالثاً، يجب إعداد البرامج المتعلّقة بالخطة الخمسية للتنمية فيما يتعلق بالعلم والتعليم العالي وفق هذه الخطة وبدقة. ويجب أن تكون البرامج تابعة لها، وكذلك ضرورة العمل بقوة على الإشراف وقد ذكر أصدقاؤنا ذلك.

النقطة الأخرى، هي أن تكون التنمية في مجال التعليم العالي متوجهة نحو الأهداف، وعلى مسؤولي التعليم اجتناب التنمية غير الهادفة بشدة؛ لأن فيها إهدار للمال وإهدار للموارد البشرية، وعلينا أن ننظر إلى ما نحتاج إليه وما هو الهدف، وإلى أين نريد أن نصل؟ وعلى أساس ذلك تكون تنمية وتطوير البيئة المتعلقة بالتعليم العالي، فنسير على هذا الأساس نحو أهدافنا. وبرأيي فإن هذه القضية حسّاسة جداً ومهمة، ويجب إحصاء الحاجات الأساسية للبلد في مجال العلوم والتكنولوجيا، وكذلك في مجال العلوم الإنسانية، والقيام بوضع الخطط على أساسها؛ فنكون على علم بالعدد المطلوب من الجامعيين والجامعات وما هي الفروع المطلوبة؟ وما هي المستويات اللازمة فيها ".

الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئيوفي آليات الوصول إلى التقدّم، يطرح الإمام مفهوم السلسلة المتكاملة لمراحل التعليم التي من واجبها أن تنتج التقدّم، فالتقدّم لا يبدأ انطلاقاً من الجامعة، بل يبدأ من مراحل الدروس الأولى للأطفال، والتقدّم لا ينتهي أيضاً بالجامعة، وإنما من مسؤولية الجامعة تحقيق الارتباط مع مراكز الأبحاث والقطاع الصناعي والتقني في البلاد فيحدّد في خطاب له:

"إن الجامعة ليست جزيرة مفصولة عن ما قبلها وما بعدها، فلو أردنا التمكّن من تحقيق التقدّم العلمي للبلد – بكل ما لهذه الكلمة من معنى – ينبغي لنا ضمان تحقيق هذه الظاهرة؛ على أن يكون الشروع في ذلك من الابتدائية حتى الدراسات العليا ما بعد المرحلة الجامعية، وصولاً إلى مراحل ما بعد الدراسات العليا في الجامعة، ومراكز الأبحاث، والتحوّلات التي حدثت في هذا الميدان، وارتباط ذلك مع القطاع الصناعي والتقدّم التقني في البلد، وإيجاد قفزات نوعية في التقنية على الأصعدة المختلفة في البلد، التي ترتبط فيما بعد بالمراحل الجامعية العالية، إلا أنّ ذلك كلّه يجب أن يبدأ من المراحل الابتدائية".

ثم يتابع الإمام تحديده لآليات التقدّم مميزاً بين اكتساب العلم وإنتاج العلم، فهو لا يمانع من اكتساب العلم من كل جهات الأرض، لكنه يولي العناية الخاصة لإنتاج العلم كشرط لبلوغ التقدّم، البريء من التبعية والخنوع؛ لأن الغرب لا يريد لنا التقدّم ويمنع وسائله الفعلية عنا، ويرهن حصولنا على الوسائل بانقيادنا الأعمى لإرادته، فيقدّم في خطبة له يحدّد الإمام ملاحظات أربع رآها ضرورية لتحقيق حلم التقدّم إلى واقع، " وهي:

1- إن التقدّم العلمي ضرورة حيوية للبلاد على اختلاف الحقول العلمية.
2- يحصل التقدّم العلمي باكتساب العلم من البلدان والمراكز العلمية الأكثر تقدّماً، لكن اكتساب العلم شيء وإنتاج العلم شيء آخر.

الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئيفي قضية العلم يجب أن لا نربط عربتنا بقاطرة الغرب. طبعاً، لو كانت هذه التبعية لحصل تقدّم معيّن... هذا مما لا شك فيه، بيد أن التبعية، وعدم الإبداع، والخضوع المعنوي من التداعيات الحتمية لمثل هذه الحالة، وهذا غير جائز. إذن، علينا أن ننتج العلم بأنفسنا ونفجّره من أعماقنا. كل درجة يرتفع بها الإنسان في سلالم العلم تعدّه للخطوة اللاحقة والارتفاع إلى درجة أعلى. علينا مواصلة هذا التحرّك من أنفسنا وفي دواخلنا، وباستخدام مصادرنا الفكرية وكنوز تراثنا الثقافي.

3- ينبغي أن يرفق هذا التقدّم العلمي الثقة بالذات أولاً، والأمل بالنجاح ثانياً، والحركة الجهادية ثالثاً، وهذا ما ينبغي أن يشكّل المنحى العام لحركتنا العلمية

4- لا يجوز في هذه الحركة الركون إلى الكسل والتقاعس والنزعة الاتكالية. ينبغي العمل بطريقة جهادية . ليس الجهاد في سوح الحرب فقط، إنما لا بدّ من الجهاد في ميدان العلم أيضاً كسائر ميادين الحياة. الجهاد معناه العمل بلا توقف وتقبّل الأخطار – بالحدود المعقولة طبعاً – والتقدّم والأمل بالمستقبل ".

ثم يربط في موضع آخر، عناصر التقدّم مع الإنتاج الوطني، باعتبار أن فلسفة التقدّم قائمة على الانتفاع به، وذلك عن طريق ربطه بعجلة الإنتاج الوطني والقومي، فلا معنى للتقدّم إذا لم يحل مشاكل الأمة وأزماتها، ويحل كل الاحتقانات الاقتصادية والإنتاجية الموجودة منها في داخل المجتمع نتيجة ضعف الأداء، أم في أشكالها الخارجية كالحصار الظالم، ومنع الأمة من الوصول إلى التقنية اللازمة لتنطلق كغيرها من الأمم، باعتبار أن ثمة من ماء الوجه والكرامة على الأمة أن تدفعه للوصول إلى التقنية، وهذا الثمن هو درب الجلجلة الذي تسير عليه غالبية، إن لم نقل كافة، شعوب العالم الثالث... إذن، للحصول على الثقافة من الغرب ثمن فادح وهو الاستقلال، وكثير من دول العالم الثالث فرّطت بهذا الاستقلال مقابل الحصول على هذا السلاح ، ولكن هذا السلاح غالباً ما كان يوظّف لاستقرار قادة الأنظمة ولإرهاب شعوبها وتنفيذ رغبات الغرب ومآربه الاستراتيجية، فيما القادة يعيشون هاجس البقاء على كراسيهم، وهكذا تتقدّم الأمة بالعلم؛ فالإبداع العلمي الذي يجب أن نربطه بالإنتاج القومي المؤدّي إلى الكرامة والنهضة في آن، فيقول الإمام في تعبيره عن التقدّم وربطه بعجلة الإنتاج.

الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئيإن التقدّم المادّي للبلد يعتمد بالدرجة الأولى على عنصرين: الأول عنصر العلم؛ والثاني عنصر الإنتاج. فما لم يوجد العلم سيخفق الإنتاج. فالبلد يتقدّم بالعلم. وإذا وُجد العلم، ولكن لم يبنى الإنتاج على أساسه في تطوره وتكامله ونموّه، فإن البلد سيصاب بالجمود أيضاً. لقد كان العيب في مجال العمل في عصر حكومة الطواغيت هو أنه لم نكن نمتلك العلم؛ ولأننا لم نكن نمتلكه فلم يكن لدينا إنتاج يعتمد على أسس العلم إنتاجٌ متطور ومتكامل. لهذا فإن العالم عندما نزل إلى ميدان الصناعة تطور؛ فقارّة آسيا التي جاءت إلى هذا الميدان متأخّرة عن أوروبا تطوّرت؛ أما نحن وبسبب حكومة هؤلاء الطواغيت وغيرها من الأسباب بقينا متأخّرين. إذا أردنا أن نجبر ما فات – ونحن نريد، وشعبنا قد تحرّك في هذا الاتجاه وحقّق الكثير- فعلينا أن نولي اهتماماً للعلم والإنتاج؛ فيجب المتابعة في مراكز العلم، في مراكز الأبحاث بالمناهج الحديثة. ولعدّة سنوات وأنا أؤكّد على قضية العلم، والحمد لله فإنّ عجلات التقدّم العلمي والإنتاج العلمي قد انطلقت في البلد؛ لا شكّ بأن هذا ينبغي أن يتسارع، فنحن لا زلنا في أول الطريق.

والثاني هو الإنتاج. الإنتاج سواءٌ في مجال الصناعة أو الزراعة يتمتّع بالأولوية. فالبلد غير المنتج سيُبتلى بالتبعية شاء أم أبى، ولو كان كل هذا النفط والغاز في العالم موجوداً تحت أرضنا وفي آبارنا فإنه لن ينفعنا؛ مثلما أنكم ترون بعض الدول التي تحتوي على ثروات هائلة من المعادن وغيرها – سواءٌ كانت ثروات الطاقة، أو المعادن النفيسة والنادرة – ومع ذلك فإنهم يعيشون عيشةً مأساوية فوق تلك الأرض المليئة بكل تكل الكنوز الباطنية. ينبغي أن يتقدّم الإنتاج في البلد وخصوصاً الإنتاج القائم على العلم والمعتمد على المهارات العلمية والتجريبية؛ وهذا الأمر بيد العامل ورب العمل. وإدارته بيد الدولة؛ وعليها أن تقوم بتنظيم الأمور وبذلك الجهد ".

الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئيأما في مجالات التقدّم المنشود فيحدّد الإمام أربعاً أساسية منها تشكّل بمجموعها الإطار الكلي للتقدّم وهي:

1- التقدم في مجال الفكر وصولاً إلى مجتمع مفكّر، حيث تعدّدت الآيات التي تصف "لقوم يتفكّرون"، "لقوم يعقلون"، وبحيث نحوّل توقّد الفكر والتأمّل والتدبّر في المجتمع إلى حقيقة ظاهرة، تبدأ من عموم النخب وتتدفق إلى عموم الناس.

2- التقدّم في مجال العلم، العلم الذي هو محصول الفكر، وصولاً إلى الإبداع العلمي والتوجه نحو الاستقلال، والنهل من العلم ينبغي أن يكون بشكل عميق وبنيوي.

3- التقدّم في مجال الحياة: الأمن، العدالة، الرفاهية، الاستقلال، الكرامة الوطنية، والحرية والتعاون والحكم.

4- التقدّم في المجال الروحي، وهو أهمها، بحيث يتقدّم المجتمع باتجاه المزيد من المعنويات، فالمعنويات هي الروح للعلم والسياسة والحرية، ويمكن الاستحواذ على قمم العلم وفتحها بواسطة المعنويات، فعندما توجد القيم المعنوية يوجد العلم، وعندها تصبح الدنيا دنيا إنسانية.

إن النموذج الكامل لتلك الدنيا سيتحقّق في زمان الظهور، ونحن اليوم نتحرّك في المجالات التمهيدية نحو العالم الإنساني.

وبرأي الإمام أن التقدّم لا يُحرز إلا بروحية الشجاعة والثبات والتضحية داخل كل عالم أو باحث، فيحدّد لإحرازه عنصرين من الضروري أن يتوفرا في الجانب الشخصي للعالم: أولاً، مواجهة الخطر، وثانياً، العمل الشاق والدؤوب والجدّي دونما خوف من الفشل، وهذه من مميزات الغرب التي حملها باتجاه ثورته الصناعية التي سبّبت له السيادة على أصقاع الأرض.

الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئيإن معالم التقدّم الذي أوضحه الإمام بكافة أبعاده: البعد الإسلامي للتقدّم متميّزاً عن المفهوم الغربي، والتقدّم المتكامل الذي يتأسس في كافة مراحل الدراسة وصولاً إلى الجامعة، والذي يمد أغصانه مع الأمم الأخرى، والقائم في أساسه على الإبداع والثقة وعدم الخوف، والمرتبط بعجلة الإنتاج القومي فيحل أزماته وينطلق به، إن هذا التأسيس للتقدّم إنما يتم استثماره باتجاه الرؤية العلمية الكبرى للأمة جمعاء، لنصل بالأمة إلى بر الأمان السياسي والاقتصادي والاستراتيجي، والوصول إلى هكذا مستوى من الأمان يتمظهر من خلال المعالم التي تسمح بالقفزة الواسعة الموعودة نحو القوة والعدالة، فيحدّدها الإمام بعوامل ثلاثة:

"العامل الأول: تواجد جيل الشباب من الخريّجين في ميادين البحث العلمي والنشاطات السياسية والاجتماعية وبالملايين.

العامل الثاني: عامل التجربة التي ساهمت في مواجهة المشكلات المختلفة من قبل نخب البلاد ومفكّريها ومسؤوليها.

العامل الثالث: تحسّن البنى التحتية للبلاد، فالأشياء اللازمة للتقدّم الواسع في الاتصالات والمواصلات والبحث العلمي والبناء صارت متوفّرة.

شباب بلادنا يصنعون وينتجون مصافي الطاقة ومحطّاتها. المراد من التقدّم هو أن يكون في جميع الجوانب، في الثروة الوطنية، في العلم والتقنية، في الاقتدار الوطني والعزة الدولية، في الأخلاق المعنوية، وفي أمن البلاد الاجتماعي والأخلاقي، أن نعطي أحسن ما عندنا وبأفضل طريقة، والتقدّم المراد يجب أن يكون مصحوباً بالعدالة، والعدالة كمفردة يجب البحث فيها بأن يشارك الجميع ويستفيد الجميع، وأن نخفض الفواصل الطبقية والجغرافية ونوفّر المساواة في الاستفادة من الإمكانات والفرص، ونكافح الفساد المالي والاقتصادي".

تجدر الإشارة إلى أن المراد من التقدّم كما نصّ عليه الإمام، قد أرسى ركائز عميقة في نفوس الإيرانيين، فاليوم تعيش إيران نهضة تقترب من المعجزة، نهضة تتجلى في مستوى هائل من التقانة والإنتاج والنمو والتطور خلال ثلاثين سنة، وتستمر المسيرة الظافرة مع إعلان جديد للإمام الخامنئي بأن العشر سنوات القادمة ستوسم بعنوان: عقد التقدّم والعدالة؛ ما يعني اقتران الرؤية الساطعة للعلم والتقدّم مع التجربة الناجحة التي تتجلّى من خلال النجاح في النانو تكنولوجيا، والاستنساخ والاستنسال، وغزو الفضاء، والعدالة والكفاية الاجتماعية، والأهم تقديم النموذج الإسلامي الحي للتقدّم على مستوى تجربة بناء الدولة، أم على مستوى الحضور الإقليمي والدولي الريادي تجاه الدول الإسلامية، وتجاه قضايا العدالة والتحرّر والاستقلال لدول العالم المستضعفة.

الحلقة الأولى هنا

الحلقة الثانية هنا


الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئي


الرابط على موقع التعبئة التربوية