هذه المفردات الأربع , أكثر دقة في توصيف علاقة أمريكا المأزومة مع حلفائها وبعض ممن تدعي أنهم أعداءها, وتحديداً من أولئك الذين علقوا في شركها...
حسن شقير*
هذه المفردات الأربع , أكثر دقة في توصيف علاقة أمريكا المأزومة مع حلفائها وبعض ممن تدعي أنهم أعداءها, وتحديداً من أولئك الذين علقوا في شركها... وهذه العبارات , تقصدت أن أجعلها على وزن ذاك البيت من الشعر العربي , الذي يقول: "نظرةٌ , فابتسامةٌ , فموعدٌ فلقاء .." , ولكن , ضمن البحر الأمريكي .
لم تكن أمريكا تعيش لحظةً من لحظات عشقها المخادع ذاك - وبقطع النظر عن كل ما يصدر عن أصحاب القرار والتنفيذ فيها , من لغةٍ دبلوماسية أفلاطونية معسولة – إلاّ في ظلال بيت أخر من الشعر , والذي يقول :
إنّ الأفاعي إذا ما لانت ملامسها ..... عند التقلّب في أنيابها العطب .
لقد توزعت تلك الرباعية القاتلة على حلفاء أمريكا من دولٍ وأطرافٍ , و معارضاتٍ و جماعاتٍ إرهابية أيضاً ... إلاّ أنه ما ينبغي الإشارة إليه , أن أمريكا تجهد في تهيئة الأرضية للحلقة الأولى فقط من هذه الرباعية – أي الدفع - ,والمتمثل في توحيد الأهداف فيما بينها وبين هؤلاء .... أما باقي الحلقات فتأتي كنتيجة حتمية وتلقائية لأي فشل قادم ... فكيف ذلك؟
الرباعية والدول
لقد دفعت أمريكا كل من دول الخليج وتركيا , وغيرها من الدول المتحالفة معها إلى تبني كلمة السر الأمريكية في الأزمة السورية , حيث كان أولئك ينتظرون تلك العبارة الشهيرة , حول " وجوب رحيل الرؤساء " , والتي ظنها أولئك أنها من الأقدار التي لا مرد لها – والعياذ بالله - , من دون أية قراءات متأنية , أو اكتراث عندهم لمصالحهم الذاتية , فضلاً عن عدم استعدادهم لتقبل فكرة , أن هذه الدولة , وما يصدر عن مسؤوليها , ليس بالفدر المحتوم .. لا بل أنها في لحظةٍ تاريخية من الأفول , تكاد معها غير قادرةٍ على فرض أوامرها ونواهيها حتى على أذناب حلفائها ! فهذا منهجٌ تاريخيٌ وواقعي في زمن كهولة الإمبراطوريات , على مر العصور ..
بعد دفعهم, حُشِرت هذه الدول, كلٌ بطريقةٍ مختلفة, فلقد حُشِرت دول الخليج في زاوية العداء وإحراق المراكب قاطبة مع الدولة السورية, وحتى إلى حد ما مع أطراف دول الممانعة كافةً, الأمر الذي استلزم منها أن تتحول – وبحسب طاقاتها الفعلية – إلى مصرفٍ مركزي خيري كبير, يوزع المبالغ الطائلة على كل من يتصدى ويضع نفسه في خانة العداء لذاك المحور , وذلك كله في سبيل تحقيق تلك الرؤية الأميركية في رحيل الرؤساء .. إلاّ أنه , وبعد ان بان لهم مؤخراً استحالة تحقيق ذاك الحلم الأمريكي , قاموا بتحويل وجهة تلك الأموال – محشورين – نحو أمريكا تارةً , وفرنسا تارةً أخرى في صفقات التسلح الضخمة , عسى ذلك أن يكون ذلك طوق نجاة لذاك الحشر الذي أوقعوا أنفسهم فيه... وهذا التحوّل كان سداداً طبيعياً للفواتير الأميركية المترتبة عليهم جرّاء وعودهم الواهمة في كيفية تحقيق رؤيتها تلك.
لقد ساهم إتفاقا أمريكا الأخيرين , الكيميائي والنووي , في دخول تلك الدول وتحديداً , السعودية منها , في فخ التعرية , بلا أية مواربة , وذلك بعد أن أسقط في يدها , في عدم التقاط لحظة الضعف الأمريكي , وتداعيات ذلك على السياسة والتوجه الأمريكي الجديدين في المنطقة , وخصوصاً لناحية انفتاحها على إيران , فضلاً عن دخولها – ولو حتى ظاهراً - فيما بات يُعرف بالنادي العالمي لمحاربة الإرهاب في المنطقة , الأمر الذي جعل هذه الدولة – أي السعودية - تعيش التعرية في توجهاتها وسياساتها , فأضحت مُسائلةً تارةً من امريكا حول أسباب فشلها في عدم سقوط الدولة السورية , وتارةً أخرى من الأطراف والمجموعات الإقليمية المرتبطة بها .. فضلاً عن مسائلة بعضها الأخر ( كتركيا ) من قبل التيارات الشعبية المعارضة ,فضلاً عن ظهور الإنشقاقات بين الحلفاء على الساحة الداخلية , وعودة كل فريق منهم للبحث عن طوق نجاة يتعلّق به .... فلا القضية الفلسطينية وُضعت - لغاية اليوم - على سكة ما يُروج له أمريكياً في صياغة " إتفاق الإطار ", لكي يكون جائزة ترضية أمريكية للمملكة العربية السعودية , و جعله –أي هذا الإتفاق - رافعةً , تُعوَّض لها فشلها في الملف السوري ... ولا الجيش التركي , لغاية اليوم , يبدو أنه مستعدٌ لتشكيل رافعةً لأردوغان وحزبه من وحول الفساد التي غرق بها ..
لقد أودت هذه المحطات الثلاث من تلك الرباعية القاتلة , إلى نتيجة حتمية في إسقاط هذه الدول من المعادلة السياسية المستقبلية في خريطة المنطقة ... فهذا مسارٌ حتمي لنتيجة مُحتمة .
الرباعية والأطراف
لم تكن حال الأطراف والمجموعات الملحقة بهذه الدول أفضل حالاً منها في تحقيق ذاك الحلم الأمريكي, من المعارضة السورية , إلى حركات الإسلام السياسي , وصولاً حتى إلى المجموعات الإرهابية التي تتقاطع في أهدافها مع أمريكا ... فكل هؤلاء تجرّعوا الكأس المرّة لتلك الرباعية .
فعلى صعيد المعارضة السورية , فلقد دُفعت – شأنها شأن مطلقيها وداعميها – إلى تبني موقف متصلب وخشبي من بداية الأزمة السورية , معلنة الطلاق النهائي مع الدولة السورية وإصلاحاتها المقترحة .. وعملت في سبيل تحقيق وهمها ووهم أمريكا من خلفها , إلى التحشيد بين جنباتها داعش وأخواتها من النصرة وحاشا وغيرها من التنظيمات الإرهابية , علَّ ذلك يُشكل قوة دعم إضافية في إسقاط الدولة السورية ... إلا أن المجازر والفظاعات التي ارتكبتها هذه الجماعات فاق كل تصور ووصف بشري ! مما حتّم على هذه المعارضة إلى أن تُحشر بين خياري , التبرؤ منها , أو دعمها –وكما هو حاصل – ولو بشكل خفي – فاختارت هذه المعارضة هذين الخيارين معاً ! الأمر الذي جعلها تُحشر في صراع مرير مع الإرهاب المدموغ عالمياً , وذلك عبرتبنيها إرهاب جديد مشجع أمريكياً .. حيث تُزهق في هذا الصراع أرواح الكثيرين من السوريين الأبرياء , .. و الذي ليس بالمعلوم نهاية قريبة له .... مما جعل من هذه المعارضة تتعرى من بعض ما تبقى لها من بعض الفئات السورية المُضللة , والتي كانت تؤمن ببعض من طروحاتها في بدايات الأزمة ..إلى أن ابتعدت هذه المعرضة كل البعد عن منطلقاتها البرّاقة , فغرقت في فوضى الدم والدولار , والدمار والخراب للشعب وللدولة السوريين على حد سواء ... لتسقط هذه المعارضة وتُسقط بالضربة القاضية على أعتاب جنيف 2 , كونها احتضرت على التراب السوري, قبل أن تحضرإلى التراب السويسري .
أما على صعيد الجماعات الإرهابية التي نُثرت في الجسد السوري , والتي كان يؤمَّل منها تخليص الكيان الصهيوني وأمريكا من ألد أعدائها في المنطقة , ممثلاً بالنظام السوري , والذي هو – وباعتراف الساسة والقادة الأمنيين من الصهاينة- النظام العربي الوحيد الذي تجرّأ على " كسر التوازن " مع الكيان الصهيوني بعيد انتصارالمقاومة في العام 2006, والذي توعده الصهاينة بتدفيعه الثمن ! .. هذه المجموعات الإرهابية دُفعت إلى تغيير وجهة قتالها من أمريكا في أفغانستان والعراق , إلى قتال الدولة السورية وأطراف الممانعة من خلفها .. فبعد أن أعطيت هذه الجماعات المدى الزمني الكافي في تنفيذ الأهداف المشتركة مع أمريكا , وفشلت في ذلك , بدأت تُحشر بين سندان التبرؤ الأمريكي منها , ومعه دول تحالف العدوان على سورية , ومن تشكيل إطارات إرهابية جديدة مناوئة لها من جهة , ومطرقة الجيش السوري والقوى المساندة معه من جهة ثانية ... مما جعل هذه المجموعات الإرهابية تتفلت من عقالها في القتل يمناً ويساراً , دون أية اعتبارات وضوابط , كانت تُراعى نسبياً وموضعياً حتى الأمس القريب ... مما جعل هذه الجماعات الإرهابية تنتقل من دائرة الحشر إلى دائرة التعرية في مناطق سيطرتها ... وانسلاخ أية بيئة حاضنة عنها بفعل أفعالها المشينة , مما سرّع في دخولها دائرة الإسقاط الذي بدأت مراحله في كل من العراق وسوريا ولبنان أيضاً , وإن كانت هذه الحرب لن تكون سهلةً وقصيرةً على الإطلاق ..
خلاصة القول , لم يكن هؤلاء المدفوعين وحدهم في المنطقة , فأمثالهم كثر , ومسارهم واحد , فمنهم من تنصب له أمريكا اليوم شرك الدفع , ومنهم من أضحى محشوراً , وأخرين عُرُّوا وتعرّوا , وهم سائرون نحو السقوط .... ومنهم من ينتظر , والعبرة لمن اعتبر .
* باحث وكاتب سياسي لبناني