28-11-2024 12:35 AM بتوقيت القدس المحتلة

هل ضاعت فرصة حكومة الشراكة؟

هل ضاعت فرصة حكومة الشراكة؟

مراجعة نحو أسبوعين من الاتصالات الخارجية الداخلية، وما تحقق من نتائج، تقود الى استنتاج أن الامور تسير نحو حل يسير، يفتح أمام البلاد مناخات أفضل لمواجهة الرياح العاتية الآتية من الجهات الاربع.

 
ابراهيم الأمين

مراجعة نحو أسبوعين من الاتصالات الخارجية الداخلية، وما تحقق من نتائج، تقود الى استنتاج أن الامور تسير نحو حل يسير، يفتح أمام البلاد مناخات أفضل لمواجهة الرياح العاتية الآتية من الجهات الاربع. لكن اتصالات الساعات الـ48 الماضية، قد تعيد الجميع الى مناخ ما قبل «التنازل المتبادل» بين حزب الله وتيار المستقبل، والذي أمّن الاتفاق على حكومة الشراكة، مع عدم ممانعة خارجية.

في الحصيلة الأوسع، كسر حزب الله الدائرة المقفلة على الجميع. بادر الى مناقشة حلفائه في ضرورة السير نحو سياق يؤمّن انفتاحاً وتنفيساً للاحتقان السياسي، ما يساعد على مواجهة تداعيات إضافية للأزمة السورية. الحزب الذي يعرف جيداً ما يعدّ له الحلف الاقليمي ــــ العالمي ضد جبهة المقاومة في العراق وسوريا ولبنان، لم يكن مضطراً الى شرح الكثير لحلفاء لا يمانعون في مساعدته. ولذلك، قدّم الاولوية السياسية على أي أولوية أخرى، وهو أمر تلقّفه الحليف الاستراتيجي، الرئيس نبيه بري، وحليف الحليف، النائب وليد جنبلاط، وتفهّمه الحليف الاساسي العماد ميشال عون.

 الخطة قضت بوضع سلّة أهداف لهذا الانفتاح، أبرزها تعطيل أي محاولة لعزل حزب الله من خلال المؤسسة التنفيذية اللبنانية، وبالتالي تعطيل أي محاولات من جانب قوى عربية ودولية لرفع سقف المواجهة مع الحزب. وذلك يكون بإقناع الجميع، من الجهة المقابلة، بأن لا حكومة في لبنان من دون حزب الله، ما فتح الباب أمام مقايضة طرحها المستقبل، سائلاً عن المقابل. فجاء الجواب بتخلي 8 آذار عن ثابتة 9 ــــ 9 ــــ 6. فهم الطرف الآخر أنه أمام فرصة جدية. لكن بعض المتشاطرين فيه اعتقدوا بأن حزب الله مستعد للتنازل أكثر، فرفعوا شعار «البيان الوزاري أولاً» ورفض «الوزير الوديعة»، إضافة الى المداورة الشاملة على صعيد الحقائب.

 هنا، لعب جنبلاط دوراً بارزاً، وساعدته جهات كثيرة، من بينها فريق داخل التيار الأزرق. وانتهت الأمور، مع بعض الوقت، الى تنازل المستقبل عن شرط البيان الوزاري المسبق، وغض الطرف عن أي وزير «وديعة» يمكن أن يظهر اسمه في السحب الاخير على تشكيلة الحكومة. لكن تكتل التغيير والاصلاح، الى جانب اقتناعه بالاولوية السياسية الموجودة لدى حزب الله، كان يرى أن لا مجال لتجاهل الاولوية الداخلية المتصلة بحضوره داخل الحكومة. وهو راهن، ضمناً، على أن الفريق الآخر سيتراجع عن تشدده في بند المداورة. وربما اتّكل، في هذا الجانب، على أن حزب الله (ومعه الرئيس بري) والنائب جنبلاط، سيساعدونه في ضمان بقاء حقيبتي الطاقة والاتصالات من حصته.

 في هذه اللحظة، تحوّل الرئيس ميشال سليمان الى «ثعلب» الحلبة، ليس بسبب مواصفاته أو قدراته، ولكن لأن الصدفة الدستورية منحته قوة إضافية، باعتبار أن مصير الحكومة لم يعد يستند الى من يملك الأكثرية النيابية. وبهذا، لم يعد النائب جنبلاط يمثل «بيضة القبان» ويريد الجميع استرضاءه، بل يكفي أن يضع الرئيس المكلف تشكيلة حكومية ويوقّع رئيس الجمهورية على مراسيمها، حتى تبصر الحكومة النور. والكل يعرف، هنا، أن المسألة لا تتعلق بحكومة قادرة، بل إن فريق 14 آذار يريد أي حكومة، ولو لتصريف الأعمال، تساعده على العودة الى السلطة، ورئيس الجمهورية يريد ابتزاز الآخرين بهذه الخطوة. فإن احتاجوا الى حكومة جديدة، فعليهم المبادرة الى التمديد له، لأن المناخات لا تشير الى إمكان التوافق على رئيس جديد. ولا شيء ينهي عمر هذه الحكومة إلا استحقاق الانتخابات الرئاسية، ما دام استحقاق الانتخابات النيابية غير قريب.

 بهذا المعنى، حصد سليمان وسلام نتائج كثيرة من مواجهة الطرفين المتنازعين، وكذلك من اتفاقهما، وصارا يمسكان، كل من جانبه، دفّتي الملف الحكومي. وهو ما جعل النقاش حول مصير الحقائب الوزارية رهن موافقتهما فقط. كيف ذلك؟
 
واقع الامر يقول إن التفاهم السياسي حصل. انتهى الامر على اتفاق يتولى الرئيس سعد الحريري تسويقه مع حلفائه، ويسعى الى ترضيتهم من خلال حقائب وزارية أو تحالفات سياسية. وإن فشل، فلن تكون آخر الدنيا بالنسبة إليه، لأنه يعرف أن مشكلته الفعلية مع القوات اللبنانية، وقائدها سمير جعجع، لا تتصل بملف الحكومة، بل تتعلق بالملف الرئاسي. جعجع غاضب جداً لأن الحريري وافق على المسعى الفرنسي ـــ السعودي للتمديد لسليمان. وهو يدرك جيداً أن فريق 8 آذار لن يقبل التمديد، ما يعني أن الفراغ سيظل سيداً، وهذا لا يضيره في شيء. ولذلك، ينبع رفض جعجع لحكومة الشراكة من تفضيله الفراغ الرئاسي على التمديد، وهو يقول لحلفائه: تعالوا نشكّل حكومة نسميها حيادية تدير البلاد الى حين الاتفاق على انتخاب رئيس جديد، آملاً أن يكون هو مرشح 14 آذار. وفي واقع الحال، أيضاً، أن جعجع سيحاول البقاء خارج الحكومة. وهو لا يعتبر نفسه خاسراً، لأن ما يريده من الحكومة سيحصل عليه من حلفائه، فيما يظهره بقاؤه خارج الحكومة في مظهر «البطل» الذي يواجه حزب الله وحيداً، وفي هذا كسب لرأي عام مسيحي في لبنان، وسنّي في الاقليم، وأميركي يعطيه أرجحية على غيره من مرشحي 14 آذار الى الرئاسة.

 في الجبهة المقابلة، ما إن فرغ حزب الله وحركة أمل، بالتعاون مع جنبلاط، من الاتفاق السياسي، حتى فُتح ملف المداورة، وهنا اندلع الاشتباك. الجولة الاولى منه، التي بقيت صامتة، دارت بين العماد عون والرئيس بري. اتهم الأول الثاني بأنه «باعه» و«نفض يده» من تعهده ببقاء حقيبتي الطاقة والاتصالات مع التيار. بعدها، توجّه عون الى حزب الله «عاتباً» لكونه لم يرغم حليفه الشيعي على التمسك بتعهده، ومطالباً الحزب بخوض معركة الى جانبه. يعرف عون أن لا مؤشرات تقود الى انتخابات رئاسية جديدة، وأن الفراغ قد يطول. وبما أنه لا يريد اليوم أن يكون في موقع المعارضة، قرر الانتقال الى الهجوم، فوضع استراتيجية عدم القبول بأي نقاش حول المداورة، وأبلغ الجميع، حلفاء وخصوماً ومن يقف في الوسط، رفضه التنازل عن حقيبتي الطاقة والاتصالات.
 
حزب الله حاول اختبار الموقف. أدرك من جولة اتصالات صعوبة إقناع الرئيس المكلف بالتخلي عن شعار المداورة. أكثر من ذلك، لم يقبل سلام حتى اللحظة بتوسيع الحكومة الى ثلاثين مقعداً. وبعدما سمع حزب الله من عون تمسكه الكامل برفض المداورة، أو بالأحرى تمسكه بحقيبتي الطاقة والاتصالات، قاد أمس محاولة جديدة. فكلف معاون الأمين العام الحاج حسين الخليل التواصل مع الرئيس المكلف الذي أكد على ثوابته، ولمّح الى أنه قد لا ينتظر طويلاً، فإما أن تسير الامور وفق الاتفاق وتحصل المداورة الشاملة، وإلا فإنه سيضطر للعودة الى خياره الاول. في غضون ذلك، كان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمد رعد، يحاول إقناع رئيس الجمهورية بالتدخل لإبقاء الطاقة والاتصالات مع عون. قدّم سليمان نفسه في مظهر الحريص على سير الامور. لم يبد ممانعة، لكنه قال إنه ليس في وسعه إقناع سلام، وإن الأخير متمسك بموقفه من العدد والمداورة. طبعاً لم يكن سليمان ليرفع السماعة بعد خروج رعد. الأغلب أنه استدعى مستشاريه راقصاً في مكتبه ومصفّقاً: «يللا، ينفزروا بعضهم ببعض»!
 
في هذه الأثناء، كان رئيس لجنة الارتباط في الحزب الحاج وفيق صفا يجري محاولة مع النائب جنبلاط، عسى أن يتفهّم الاخير الظروف ويتدخل لدى سلام وفريق المستقبل من أجل استبعاد حقيبتي الطاقة والاتصالات عن المداورة، ولو على حساب تنازل الحزب عن حصته. وهو أمر يقول الرئيس بري إنه مستعد له أيضاً، علماً بأن رئيس المجلس لا يرى أن فكرة المداورة تستهدف إبعاد الوزير جبران باسيل عن الطاقة، بل تستهدف أساساً إبعاد الوزير عدنان منصور عن الخارجية، وسرقة هذه الوزارة الاساسية في هذه اللحظة الإقليمية والدولية الحساسة.
 
عملياً، لم تؤدّ جولة أمس الى نتيجة، بل هي أعادت الى الواجهة احتمال فشل تأليف حكومة شراكة. أمس، سُحب أيضاً خيار «حكومة الشراكة كأمر واقع» لمصلحة عودة شعار «الحكومة الحيادية». وتبلّغ المعنيون أن سليمان وسلام قد لا ينتظران الى أبعد من نهاية هذا الاسبوع لإعلانها، في حال فشلت فكرة حكومة الشراكة مع مداورة شاملة.

http://www.al-akhbar.com/node/199312

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه