زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأخيرة لموسكو، تختلف عمّا سبقها من الزيارات، سواء من حيث توقيت الزيارة أو مضمون المباحثات والاتفاقات المبرمة... بما تحمله في ثناياها من احتمالات للمستقبل.
عريب الرنتاوي
زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأخيرة لموسكو، تختلف عمّا سبقها من الزيارات، سواء من حيث توقيت الزيارة أو مضمون المباحثات والاتفاقات المبرمة، والأهم من هذا وذاك، بما تحمله في ثناياها من احتمالات للمستقبل.
عباس يذهب إلى موسكو وهو يضع نصب عينيه السيناريو الأكثر ترجيحاً: فشل المفاوضات، واحتمالات سقوط السلطة في أطواق الحصار والعزلة، كما حصل في مرات سابقة .... عباس يذهب إلى موسكو وهو يستمع يومياً لنداءات الفلسطينيين المطالبة بالفكاك من أسر “الوكالة الأميركية الحصرية” لإدارة المفاوضات ورعايتها، وإعادة المسألة برمتها إلى مجلس الأمن الدولي، أو أقله، الرباعية الدولية التي كان مقرراً أن تكون موسكو وواشنطن راعيتين لها، قبل أن تتفرد الولايات المتحدة بهذه الرعاية، وتجيّرها لخدمة المصالح وحسابات نظرية الأمن الإسرائيلية.
من هنا كانت لافتة دعوة الرئيس الفلسطيني موسكو للقيام بدور أكثر فاعلية ونشاطاً في رعاية المفاوضات وإدارة العملية السياسية، في المقابل، كان لافتاً تشديد الرئيس فلاديمير بوتين على “الإرث التاريخي” للعلاقات بين الجانبين، والذي يتعين حفظه والبناء عليه، والتركيز بشكل خاص، على تطوير شبكة العلاقات الاقتصادية والتجارية والتعاون الثنائي بين الجانبين.
السلطة تتطلع لاستدراج استثمارات روسية في مجال التنقيب عن الغاز واستخراجه ... وهناك معلومات أن عملاق النفط والغاز الروسي “غاز بروم” ينوي استثمار مليار دولار لاستكشاف الغاز واستخراجه من حقل قرب رام الله في الضفة الغربية، وحقول ساحل قطاع غزة، وهذا يعني من ضمن ما يعني، أن العلاقات الفلسطينية – الروسية، سيكون لها لأول مرة، بنية تحتية اقتصادية ومالية وتجارية صلبة.
اتفاقات ثلاثة في مجال الصحة والداخلية والجمارك تم توقيعها في أثناء الزيارة، من أجل تيسير تدفق التبادلات الاقتصادية والتجارية، لكن الأهم من كل هذا وذاك، أن روسيا التي كادت تخرج من عملية السلام ومن دورها على الساحة الفلسطينية، تجد نفسها تقترب من شواطئ المتوسط الدافئة.
إسرائيل تراقب عن كثب التطور الملحوظ في العلاقات الفلسطينية – الروسية، بيد أنها، وهي التي نجحت في تطوير علاقات متطورة مع روسيا في عهد بوتين، لا تستطيع أن تفعل الشيء الكثير لعرقلة هذه العلاقة وإحباط مراميها ... فروسيا دولة عظمى يتزايد دورها وثقلها على المسرحين الإقليمي والدولي، وتل أبيب بحاجة لعلاقة متميزة مع روسيا لمعالجة كثير من الملفات التي تتصدر جدول أولوياتها، وفي صدارتها الملف الإيراني وملف تسليح خصوم إسرائيل، والعلاقات التجارية بين روسيا وإسرائيل، لا تسمح لتل أبيب أن تتعامل مع “الدب الروسي” بذات الطريقة التي كانت تعامله في أزمنة الحرب الباردة ونظام القطبين والمعسكرين.
على أية حال، زيارة عباس لموسكو، يمكن أن تكون توطئة وتمهيدا لعبور مرحلة ما بعد فشل مهمة جون كيري، وما يمكن أن يترتب عليها من ضغوط أميركية سياسية واقتصادية ومالية ... بل ويمكن القول، إن الطريق إلى موسكو، يمكن أن تساعد في تمهيد الطريق لاستكمال عضوية فلسطين في مختلف المنابر والمحافل الدولية ... وفوق هذا وذاك، يمكن أن تكون بداية لـ “جنيف 1” الفلسطيني، بعد جنيف الإيراني وجنيف السوري.
هي زيارة مهمة بلا شك، في إطار تنويع مصادر القوة الفلسطينية، نأمل أن تتبعها زيارات وتوافقات مع عواصم إقليمية ودولية أخرى وازنة، حتى لا تظل أوراقنا جميعاً في واشنطن، وحتى لا نركن للنظرية الساداتية المدمرة: 99 بالمائة من أوراق الحل في يد أمريكا.
واشنطن نجحت في ظل نظام القطب الواحد، وهيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، في اختطاف الرعاية المنفردة لملف المفاوضات ... لكن ومع التحولات التي طرأت مؤخراً في توازنات القوى الدولية والإقليمية، لم يعد مقبولاً أن تظل واشنطن على “تفردها”، وقد آن الأوان لكي تنعكس الموازين الدولية الجديدة على مسار التفاوض ومجرياته فلسطينياً، فهل تؤسس زيارة عباس لموسكو لمثل هذا السيناريو؟
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه